ونحن في الحلقة الرابعة من دراسة المنخفض الثقافي الذي يمر به العالم والعراق جزء من هذا العالم المنخفض ثقافيا حاليا , وليس كل ما فيه هو ينتمي للمنخفض الثقافي , فالنظرية ألايمانية بمرجعيتها السماوية هي الصناعة الحقيقية للتألق الثقافي الذي ينتصر لحاجات البشرية عبر أطوارها المحتلفة , وألاسلام بنظريته المعرفية ذات ألاتجاه العقلي , وبفلسفته التي تقوم على ألانتزاع هو الممثل الشرعي لذلك التألق الثقافي , وفيلسوف القرن العشرين محمد باقر الصدر بثلاثيته الرائعة : فلسفتنا , وأقتصادنا , وألاسس المنطقية للاستقراء هو صاحب ألاطروحة المعرفية التي وطدت دعائم وخطوات الخروج من المنخفض الثقافي العالمي من خلال نظرية التوالد الذاتي في المعرفة التي فسر بها المعرفة البشرية بعد أن كان أرسطو يفسرها بنظرية التوالد الموضوعي .
وعندما نجعل الخروج من المنخفض الثقافي منوطا بالنظرية ألايمانية ومشاريعها , هذا يعني أن الرواد ألاوائل لمشروع الخروج من المنخفض الثقافي المتوقع حصوله كما نبه الى ذلك رسل السماء وكتب السماء التي أختتمت بالقرأن الكريم الذي قال :”ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين -2- الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون -3- والذين يؤمنون بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك وبألاخرة هم يوقنون -4- أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون – 5- البقرة –
هذا هو مشروع الخروج من المنخفض الثقافي الذي جاءت نصوصه واضحة صريحة قال رسول الله “ص” : لادين بدون معرفة ” وقال “ص” ” العلم دين يدان به ” وقال ألامام علي بن أبي طالب عليه السلام : أهل البيت هم عيش العلم وموت الجهل ”
وعلى هذا الطريق مضى : المتكلمون وأهل الرأي والفلاسفة من الذين عملوا بنظرية ألايمان : فكان : أبو ألاسود الدوئلي , وكان جابر بن حيان , وكان هشام بن الحكم , وكان أبن السكيت صاحب أصلاح المنطق , وكان الفارابي , وأبن سينا , ثم كان صدر المتألهين الشيرازي صاحب كتاب ” الحكمة المتعالية في ألاسفار ألاربعة ” ثم السهروردي صاحب ألاشراق , ثم صاحب المنظومة السبزواري , ثم السيد محمد حسين الطباطبائي صاحب الميزان وبداية ونهاية الحكمة , وأخيرا كان السيد محمد باقر الصدر صاحب ألاسس المنطقية للاستقراء , هذه السلسلة الذهبية هي التي تمثل ” المرتفع الثقافي ” وكل من تخلف عنهم في الكلام والرأي والفقه والفلسفة فهو من أتباع المنخفض الثقافي , وسنجد أن بعض ألاحزاب الدينية المعاصرة هي من توابع المنخفض الثقافي وأن أدعت أنتسابها للدين , ولكن سلوكها وتطبيقاتها لم تكن تنتمي الى المرجعية الدينية في نهجها الفكري ؟
وعندما نتكلم عن الحزب الشيوعي ونعتبره من أتباع المنخفض الثقافي , أنما ننطلق من منهج فكري بحت , وليس من منطلق حزبي أو سياسي , فهو من أتباع النظرية الماركسية التي سنبين من خلال مفكريها ألاوائل وهم :-
1- ماركس
2- أنجليز
ثم من خلال قادة التطبيق للنظرية الماركسية والمفكرين المعاصرين للتجربة الماركسية وهم :-
1- لينين
2- ماوتسي تونغ
3- ستالين
4- جورج بولتزير
5- كيدروف
6- ستالين
ثم نأخذ بعين ألاعتبار الظهور السياسي للحزب الشيوعي العراقي من بعد 1958 وشعاراته التي طرحها , وألاسلوب الذي تعامل به مع الخصوم ؟ أي أننا سنتوقف عند نقطتين هما :-
1- شعارات الحزب الشيوعي العراقي بعد عام 1958 ومدى تطابقها مع ثقافة المنخفض الثقافي ؟
2- تجربة الحزب الشيوعي العراقي والوسائل التي أستخدمها مع خصومه والتي كانت من مواصفات المنخفض الثقافي ؟
وألتزاما بالمنهج البحثي , سأبدا بأستعراض النظرية والفكر الماركسي عند المنظرين ألاوائل وهم : ماركس , وأنجلز ؟
وهؤلاء المنظرون للفكر الديالكتيكي المادي حاولوا أبعاد فلسفتهم عن الشك والسفسطة , فرفضوا : المثالية , والنسبية الذاتية , وأكدوا على أمكان المعرفة الحقيقية للعالم على أسس النظرية الحسية والمذهب التجريبي , أي أنهم رفضوا المذهب العقلي الذي يؤمن بالقضايا القبلية ؟ وبذلك أصبحوا أستمرار للفكر الذي يصنع المنخفض الثقافي للعالم وسنرى ذلك من خلال الفكر الذي طرحوه؟
1- ماركس : يقول ماركس عن الفكر مايلي :
أن مسألة معرفة ما أذا كان بوسع الفكر ألانساني أن ينتهي الى حقيقة موضوعية ليس بمسألة نظرية , بل أنها مسألة عملية , ذلك أنه ينبغي للانسان أن يقيم الدليل في مجال الممارسة على حقيقة فكره ” – لودفيغ فيورباخ ص112
وبهذا يذهب ماركس الى محاولة البرهنة على الواقع الموضوعي من خلال التجربة , وهذا خلط بين الفلسفة والعلوم وهو خطأ منهجي يندرج أصحابه ضمن المنخفض الثقافي ؟
والمشكلة التي يتصارع حولها المثاليون والواقعيون والتي لايمكن أعتبار التجربة هي المرجع ألاعلى لها , لآن المسألة التي يرتكز عليها البحث كما يقول السيد محمد باقر الصدر في كتابه فلسفتنا ص146 هي : مسألة وجود واقع موضوعي للحس التجريبي , فالمثالي يزعم أن ألاشياء لاتوجد ألا في حسنا وأدراكنا التجريبي , والواقعي يعتقد بوجود واقع خارجي مستقل عن الحس والتجربة ؟
ويذهب السيد محمد باقر الصدر الى حل النزاع بين الفريقين بما يلي :-
يجب علينا أن ننطلق من المذهب العقلي لنشيد على أساسه المفهوم الواقعي للحس والتجربة , فنؤمن بوجود مبادئ تصديقية ضرورية في العقل , وعلى ضوء تلك المبادئ نثبت موضوعية أحساسنا وتجاربنا – فلسفتنا ص 147
ويضرب السيد الصدر مثالا على ذلك : بمبدأ العلية ؟
والماركسية لاتؤمن بمبادئ ضرورية عقلية , لآنها تعتبرها من المبادئ التجريبية وهذا هو الخطأ الذي يجعلها تعيش المنخفض الثقافي ؟
وبهذا يكون الديالكتيك من ألاسباب التي تحجبنا عن :-
1- خارج الطبيعة
2- يحجبنا عن كل شيئ خارج دنيا الشعور وألادراك كما سنرى في ما يقوله ماركس حيث يقول :- ” ليست حركة الفكر ألا أنعكاسا لحركة الواقع منقولة ومحولة في مخ ألانسان – المادية والمثالية في الفلسفة ص 83 –
ومن المفيد للقارئ أن نشير أن الديالكتيك يرجع للمنطق الهيجلي الذي أدعى أنه قضى على الخطوط الرئيسية للمنطق الكلاسيكي والتي تتألف من :-
1- مبدأ عدم التناقض
2- مبدأ الهوية
3- مبدأ السكون والجمود
وأعتب المنطق الجدلي لهيجل أنه يتضمن ثلاث مراحل هي :-
أ- ألاطروحة
ب- الطباق
ت- التركيب
وفي تعبير أخر هي :-
1- ألاثبات
2- النفي
3- نفي النفي , وطبقا لهذا المنهج يكون كل شيئ مجتمعا مع نقيضه , فهو ثابت ومنفي , وموجود ومعدوم في وقت واحد؟
وهيجل لم يفهم مبدأ عدم التناقض حين ألغاه ووضع موضعه مبدأ التناقض ؟ أن الوجود ليس مكانا للتناقض وألاضداد , فأجتماع ألاشياء المتقابلة شيئ , وأمكان صدق مفهوم واحد عليها شيئ أخر , وهناك خلط بين فكرة الشيئ ووجود الواقع الموضوعي لذلك الشيئ , فأن مفهوم الوجود ليس ألا عبارة عن فكرة الوجود في أذهاننا , وهي غير الواقع الموضوعي للوجود , وأذا ميزنا بين فكرة الوجود وواقع الوجود زال التناقض – فلسفتنا – 194 – السيد محمد باقر الصدر .
3- أنجلز : وهو المفكر الثاني للمادية الديالكتيكية ” الماركسية ” يقول : ينبغي لنا ألا ننظر الى العالم وكأنه مركب من أشياء ناجزة , بل ينبغي أن ننظر اليه وكأنه مركب في أدمغتنا , أن هذا المرور ينم عن تغير لاينقطع من الصيرورة وألانحلال حيث يشرق نهار النمو المتقدم في النهاية , رغم جميع الصدف الظاهرة والعودات المؤقتة الى الوراء – هذه هي الديالكتيكية ص 97-98-
والمشكلة في مثل هذه ألاراء التي تصادر حق ألاخرين ولاسيما الفكر الميتافيزيقي الذي يؤمن بما وراء الطبيعة وهو ” الله ” والتي لايعرفها غالبية الناس ولذلك أنخدع البعض بها لآنهم لم يعرفوا أن الفكر الميتافيزيقي يؤمن بديالكتيك الحركة قبل هيجل وماركس وأنجلز , ولكن بصياغات لاتصادر سنة الحياة وقانون الكون المتحرك ” والسماء بنيناها بأيد وأنا لموسعون ” و ” يمحو الله مايشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ” و ” وترى الجبال جامدة وهي تمر مر السحاب ”
فالحركة في المفهوم الفلسفي الميتافيزيقي كما يقول السيد محمد باقر الصدر هي : سير تدريجي للوجود , وتطور للشيئ في الدرجات التي تتسع لها أمكاناته , ولذلك حدد المفهوم الفلسفي للحركة بأنها : ” خروج الشيئ من القوة الى الفعل تدريجيا – فلسفتنا – ص200 –
فالحركة ليست فناءا للشيئ وأنما هي تطور الشيئ في درجات الوجود ” فالقوة عبارة عن أمكان الشيئ ” و” الفعل عبارة عن وجوده حقيقة ”
والفلاسفة الماديون تصوروا الميتافيزيقيا جمودا وسكونا للكون وهذا من أخطائهم التي تجعلهم بحق يعيشون المنخفض الثقافي فهم يخلطوا بين من يرى سكون الكون وجموده مثل ” زينون ألاغريقي ” وبين من لايرى سكون الكون بل حركته مثل ” أرسطو ” وكذلك لم يعرفوا أن الفلاسفة المسلمين هم رواد القول بديالكتيك الحياة وحركة ألاشياء وتطورها , ولكن لابالشكل الذي يجعل التناقض صفة قائمة في عالم ألاشياء كما ذهب الى ذلك أصحاب الجدل الهيجلي , فهم خلطوا بين مفهوم الوجود والواقع الموضوعي للوجود ؟ فالتطور يقوم على شيئ بالفعل وشيئ بالقوة وهذا هو ديالكتيك ألاشياء الذي أخذه الماديون بطريقة خاطئة ؟
والسيد صدر المتألهين الشيرازي هو صاحب نظرية الحركة الجوهرية قبل أصحاب الديالتكيك الماركسي , فهو من علماء القرن الحادي عشر الهجري ويتلخص ألاستدلال الرئيسي على الحركة الجوهرية بما يلي :-
1- أن العلة المباشرة للحركات العرضية والسطحية في ألاجسام من الميكانيكية والطبيعية – هي قوة خاصة قائمة بالجسم ” وعلى هذا ألاساس وضع الميكانيك الحديث قانون القصور الذاتي
2- أن المعلول يجب أن يكون مناسبا للعلة في الثبات والتجدد
ولآن الجمهور العام غير مطلع على مثل هذه ألاراء التي تمثل المرتفع الثقافي لذلك وقعوا ضحية أفكار المنخفض الثقافي وشعاراته وأحزابه ؟
ويمكن ألان أستعراض بعض أقوال مفكري الماركسية وصولا الى أستعراض ما للحزب الشيوعي من شعارات ووسائل عمل هي من مفردات المنخفض الثقافي :
قال لينين : ” فالديالكتيك هو أذن في نظر ماركس – علم القوانين العامة للحركة , سواء في العالم الخارجي أم الفكر البشري ” ؟ – ماركس أنجلس والماركسية ص 24- وقد مر معنا بيان ثغرات ديالكتيك المادة , ونظيف هنا أن قانون الحركة العامة يسود عالم المادة , ولايشمل دنيا الفكر والمعرفة لآنها جوهر لاينتمي للمادة
وللماركسية التي يتبناها الحزب الشيوعي ثلاث محاولات للاستدلال على ديالكتيك الفكر وحركته وبيان ثغرات الديالكتيك يغني عن التفصيل ولكننا نختصرها بما يلي :-
1- المحاولة ألاولى : أن الفكر أنعكاس للواقع الموضوعي , وقد بينا خطأهم بين مفهوم الوجود والواقع الموضوعي للوجود ؟
2- المحاولة الثانية : أن الفكر أو ألادراك ظاهرة من ظواهر الطبيعة ونتاج عال للمادة , والسؤال الموجه هنا للماركسيين الديالكتيكيين ؟ هل التفسير المادي للفكر يخص أفكارهم أو يعم غيرهم , وبما أن الماركسية تتهم ألافكار ألاخرى بالجمود ؟ والسؤال الثاني : متى كان ألايمان بقانون من قوانين الطبيعة شرطا من شرائط وجوده ؟ اليس جسم ” باستور ” وجسم أبن سينا الذي لم يكن يعرف عنه شيئا يشتركان معا في التفاعل مع تلك الجراثيم طبقا لقوانين الطبيعة الخاصة ؟
3- المحاولة الثالثة : أستغلال التطور والتكامل العلمي في شتى الميادين وأعتباره دليلا تجريبيا على ديالكتيك الفكر وتطوره؟ ونحن نقول : أن الظفر بحقائق جديدة تضاف الى الحقيقة العلمية الثابتة أو أنكشاف خطأ نظرية سابقة وصحة فكرة أخرى لتفسير الواقع , ومن الصنف ألاول ما وقع للنظرية الذرية حيث كانت فرضية فتحولت الى قانون علمي بموجب التجارب , ومن الصنف الثاني : خطأ النظرية السابقة وصحة فكرة أخرى ما حصل في قانون الجاذبية العامة حيث ظهر خطأ مفهوم نيوتن وصحة النظرية النسبية لآنشتاين ؟
ومن المناسب أن يعرف القارئ ماذا تريد الماركسية من تطور الحقيقة ؟ أنها تريد مايلي :-
1- نفي الحقيقة المطلقة وهو ” الله ”
2- نفي الخطأ المطلق في سير التطور العلمي : أي لايعني أن النظرية السابقة خطأ بصورة مطلقة بل هي حقيقة نسبية ؟
وهذان التفسيران ينهاران على ضوء التفسير الصحيح للتطور العلمي فهو ليس نموا لحقيقة معينة بل أنكشاف جديد لحقائق لم تكن معلومة وتصحيحات لآخطاء سابقة وكل خطأ يصحح هو خطأ بالمطلق وكل حقيقة تكتشف هي حقيقة مطلقة , والماركسية وقعت في خلط بين الحقيقة بمعنى الفكرة والحقيقة بمعنى الواقع الموضوعي المستقل , فالميتافيزيقيا تعتقد بالحقيقة المطلقة ووجود واقع موضوعي ثابت وراء حدود الطبيعة ؟
وقال ماوتسي تونغ : أن قانون التناقض في ألاشياء أي قانون وحدة ألاضداد وهو القانون ألاساسي ألاهم في الديالكتيك المادي ” – المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية ص 12
وقال ستالين : ” أن نقطة ألابتداء في الديالكتيك خلافا للميتافيزيقية هي وجهة النظر القائمة على أن كل أشياء الطبيعة وحوادثها تحوي تناقضات داخلية – ” – المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية ص12
أكتفي بهذا القدر من مقولات زعماء الماركسية وديالكتيكهم الذي بينا ثغراته الفكرية وعدم صلاحه لتفسير تطور العلوم وتطور الحياة , وأخيرا أستعرض جانبا من شعارت الحزب الشيوعي العراقي والوسائل التي أعتمدها مع خصومه في الحياة السياسية في تجربة هي ألاولى له في العراق :
الشعارات منها ما ظهر عام 1958-1959 , ومنها ماظهر عام 2011 في تظاهرات ساحة التحرير وشارع المتنبي في بغداد
شعارات عام 1958- 1959 :
عاش زعيمي …. عبد الكريم ؟
حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي ؟
سطحية ومحدودية يكشفها الشعار ؟
الشعار الثاني أكثر خطورة ويعبر عن ألاباحية المختزنة في الفكر الشيوعي ؟
ماكو مهر …. باجر نرمي القاضي بالنهر ؟
وهو تعبير ليس عن ألاباحية فقط وأنما عن العنف والكراهية التي ترجمت في أحداث كل من :-
1- الموصل ومجازرها
2- كركوك وفضائعها , وهي تعبير عن الوسائل التي أستخدمت من قبل الحزب الشيوعي ضد خصومه السياسيين ورغم أن الجميع أشتركوا في تلك المجازر والذين نعتبرهم جميعا من أتباع المنخفض الثقافي وقد عبرنا عن ذلك في دراستنا لحزب البعث ؟
من هنا يصبح من المنطقي حسب التحليل الفكري أنتساب هذه ألاحزاب الى المنخفض الثقافي ؟