واقعيا لاندري عن تفاصيل تكهنية لاقبل لنا بحدسها مما يتوفر بين ايدينا من معطيات مربكة ومتشابكة زادها صعوبة السرعة المفاجئة و التتابعية التي حصلت فيها الامور هناك . وكل من سيحلل ويخرج بنتيجة عن القادم او عن تفاصيل مادار او يدور سيرتكب خطأ يحرجه لاحقا ، ابتداء من اكبر مراكز الستراتيجيا السياسية الى هواة الاعلاميين الذين وضعتهم الصدف والفوضى في وظائفهم وقنواتهم اليوم فصدعونا تهريجا. فلا انصح بالافتاء.
ولكن المحصلة التي يمكن التعويل عليها هما امران او جانبان قد يهمان المتابع . جعلتهما سؤالين في العنوان ، وجوابهما ليس برؤيتي او تحليلي وانما بالدليل المقبول عقلا :
الاول ان امريكا غادرت فجأة بسبب تغير الادارة هناك و لبايدن هذا حق فاستخدمه و لديه رؤية مختلفة فانجزها يرى فيها فوائد لبلده مثل ايقاف استنزاف جيشه وامواله و جهده هناك الذي استمر لسنوات طوال ، وما ارادته امريكا تلك السنين من معاقبة الاسلاميين وشعوبهم وكسر ارادتهم و مستقبلهم الايديولوجي قد تحقق ، وحيث انتهى الخوف من اي تمدد او استقواء لدى هذه الحركة و البلد كله بعد ان ضبطت امريكا الاموراللوجستية والسياسية -ماحول افغانستان و قصقصتها “كما تظن” ، فلاخوف من شيء في المنظور من المستقبل.
فاول نشوء الحركة مولها واعترف بها (ايران وال سعود و الامارات) فقط، و الان بعد التغير الجذري الذي تحقق في العقدين الاخيرين و تثبيت حكم معادي للاسلام مناصر لأعدائه في البلدين العربيين و وجود حكم معادي لعموم امة المسلمين في ايران في الاصل. فلاخوف كبير من شيء سيحصل . حتى لو افترضوا في طالبان الاسلام الحقيقي المعتدل ، فالعذر كما -يعلم العقلاء- ليس في الخوف من تطرف طالبان او تشددها فها هي تركيا تواجه عداء من جميع ابناء دينها ممن حولها مع انها نصف علمانية . الامر هو عداء الاسلام بكل اشكاله كما تكلمنا كثيرا ، و صدقوني لو حكم الامام علي اليوم وبعده الخلفاء الثلاثة لما تغير شيء عند المتربصين بالاسلام من ابناء جلدتنا اليوم ، المطبلين التنويريين القرانيين التحرريين الانسلاخيين المتنطعين المتفيقهين المعترضين الشاتمين لكل مايمت للاسلام بصلة ، الا ان ياتيهم اسلام على (طريقة السيسي وبن سلمان )، رقص وخلاعة وسكر وعربدة و فتاوى شوقي علام الفنتازية و الغاء الحديث والحجاب ، وحرق الموروث العلمي والشرعي والعقدي واقرار الاختلاط وتعرية المراة و تدجين الرجل وتخنيثه و توسعة البؤر الباطنية والخرافاتية للدين .
اذن فلاخوف لدى الغرب الا هموم بسيطة قد تستجد تزعج امريكا ربما ولكنها لاتستحق عناء البقاء اذ يمكن معالجتها عن بعد مخابراتيا واقتصاديا واعلاميا ايضا ، و كل هذا ليس مني و لامن (شطارتي) ، ولايحتاج الى كبير نباهة ، فقد صرح بذلك الرجل نصا قبل ايام وقال ببساطة: “منافسونا الستراتيجيون الحقيقيون في الصين وروسيا يرغبون ببقائنا الى الابد في افغانستان نستهلك اموالنا وجنودنا و جهدنا هناك .(يعني لم نعد اضحوكة لكم ، كفى).
اما السؤال الثاني فجوابه ، ان الذين يفرون من افغانستان الان هم الذين يفرون من اي بلد يتوقعون فيه مالا يناسب اسلوبهم في العيش ، فمنهم المراة التي اعتادت الخلاعة او الاسترجال وتدري انها ستحدد باخلاق وقواتين ، و منهم المراة المتحررة او الطامحة بالتعليم والعمل وهذا مقبول و لكنها تحت الاخبار التي وصلتها من الاعلام او الاجيال السابقة حول طالبان فتخشى على فرصتها في هذه الحقوق المحترمة ، ومنهم الرجال الذين اعتادوا الفساد و الانطلاق في ملذات الحياة ولايريدون التوقف وهذا سوف لن يتوفر كما يبدو و منهم الشاذون الذين ستقتلهم طالبان دون شك باقامة الحد . و منهم المثقفون او الفنانون المحترمون ولكن قلقون من السمعة الاعلامية القديمة لطالبان ، و كل هؤلاء المذكورين يشكلون دون شك عشرات الالاف او اكثر ، والحقيقة اننا لانلومهم لاننا لاندري ان كانت الحركة الاصولية المجاهدة ، قد نضجت وتغبرت فعلا في العقدين الاخيرين خارج السلطة فانفتحت قليلا وتقبلت واقع العالم من حولها نسبيا ام لا.
و لكن المعلوم لدينا ان المغالطة التي يتم ترويجها بين الناس ليست صحيحة فطالبان ليست داعش او النصرة او امثالهما ، طالبان حركة بدات نشأتها بين طلبة العلم وكانت غايتها حماية السكان وممتلكاتهم بعد فوضى عارمة نتيجة حروب .و كان اول عمل لها في تاريخها تحرير وانقاذ امراتين من الاختطاف والاغتصاب آنذاك ، وهي ليست تنظيم مهجن من كل صوب انما هم مكون من اكبر قبائل او اعراق افغانستان واقواها وهم اهل البلد الاصليون ولهم قاعدة جماهيرية واسعة هي التي تسندهم وتجعلهم ينتصرون دائما و يستمرون . وهذا موضوع طويل لانريد الاستغراق فيه ،
اما الفئة الاخيرة من الفارين من طالبان فهم عملاء المحتل و اجراؤه وجواسيسه و مخربو بلدهم خدمة للاجنبي الذي وعدهم كثيرا ومناهم ولكن عندما حانت ساعة الخروج وضع كلابه وقططه المدللة في الطائرات و ركل كلاب العمالة خارج ابوابها وهم يتشبثون بجدران واجنحة طائراته متوسلين ، و لكن المحتل طار وتركهم يسقطون من علو شاهق على ارض بلادهم التي خانوها . وهذا مصير الخائنين.