( كلا كلا امريكا كلا كلا اسرائيل ) مقولة اطلقها السيد محمد محمد صادق الصدر واطلقها قبله الكثير من علماء الدين ، ورغم ان هؤلاء العلماء كانوا قد تصدوا لطواغيت عصرهم الا انهم اعتبروا هؤلاء الطواغيت بمثابة اداة لتنفيذ المشروع الامريكي الذي حمل في أجندته وعلى حد تعبير احد الكتاب ( صناعة مناطق رخوة ) في عموم مناطق الشرق لاستكمال نفوذه والسيطرة على العالم برمته ، فقد استبعد النفوذ الأمريكي من منطقة صراعاته المفترضة هيمنة الدول الاوربية وذلك من خلال اضعافها ليرسم معالم القطب الواحد المهيمن وان كانت الواحدية بدأت تظهر معالمها مع سقوط الاتحاد السوفيتي المنافس الاقوى لامريكا ، لكن ذلك لم يكن كافيا في لعبة السيادة الامريكية ولذلك فانها لجأت الى اضعاف حلفاءها تمهيدا لصناعة المناطق الرخوة التي تقع ضمن الهيمنة الامريكية فلا يمكن احتلالها ولا تمتلك القوة على الاحتلال .
سار المشروع الأمريكي بنجاح مع أحداث 11 أيلول ومع فرض الهيمنة على مناطق أفغانستان وتقديم صورة الاسلام في اطار المصدر للارهاب ، وبذاك كانت افغانستان منطقة الانطلاق لصناعة هذه المناطق الرخوة من جهة ولاضعاف ايران التي تهدد الوجود الامريكي من جهة اخرى ولذلك فان اميركا راحت تضع سيناريو خاصا من خلال التلويح بالخطر الاسلامي الايراني وتصديره للارهاب وظل المنافس الاقوى في المعادلة الامريكية هو العراق ولذلك فانه وجد الحل مقدما على طبق خصوصا مع انهيار النزعات الوطنية التي تتصدى للوجود الامريكي .
لكن المفاجأة الكبرى كانت بعد سقوط صدام وبسط النفوذ الامريكي على العراق وتمثلت بظهور تيار وطني لم يكن في الحسبان الامريكي واجندته باعتبار احداثه للارباك في الحسابات السياسية الامريكية ، فقد كان متوقعا لديها ظهور تيارات بالامكان تصنيفها على التيارات الارهابية او البعثية المنحلة لكن وجود تيار لا يقبل الطابع التصنيفي كان بمثابة احراج للسياسة الامريكية من جهة .
ان التيار الذي ظهر هو تيار يدين بولاءه لمرجعية الشهيد ( محمد محمد صادق الصدر) وهي مرجعية تتمتع بشعبية كبرى في الوسط العراقي ولذلك فانها لم تقبل التصنيف الجاهز ومن جهة اخرى فان قيادة السيد مقتدى نجل الشهيد لم تحد عن اهداف الشهيد مما سمح بتجذير التيار بقوة في الواقع السياسي العراقي واكسابه صفته الوطنية ، بيد ان الاحراج الاكبر الذي سببه التيار للسياسة الامريكية كان مجسدا بانجاح العملية السياسية في العراق والمشاركة بها ، وبالتالي الانسحاب منها ما لم تحقق شروطها الوطنية وهذا انما يسلط الضوء على مدى وطنية التيار الذي لا يمكن ان يسعى الى أي مكسب سلطوي او محاصصة سياسية .
ان ادراك الشارع ووعيه لضرورة الدور الوطني وانسحاب التيار من دائرة الصراع على السلطة والمطالبة بجدولة الانسحاب الامريكي كان عاملا مهما في تكوين القاعدة الشعبية العريضة التي تمتع بها التيار ، وازاء واقع تدركه السياسة الامريكية جيدا فانها لجأت الى ضرب القاعدة الصدرية بتحميلهم اسباب سيادة الاستبداد الاجتماعي بعد ان فشلت بتصنيفهم ضمن خانة الارهاب ، وطبعا ، استطاعت اميركا النجاح في استخدام حيلة التسقيط الاجتماعي من خلال دس عناصر تهريجية تنفذ عمليات باسم التيار ، وهي العناصر ذاتها التي اعلن التيار براءته منهم مرارا وتكرارا ، طبعا دون ان ننسى ان هناك عناصر محسوبة على التيار ضمن القاعدة اندرجت في خانة التخريب للقاعدة الصدرية وهي ايضا مشمولة بالقطيعة والبراءة التي أكدها التيار من خلال قيادته الممثلة بالسيد مقتدى الصدر .
ان خطوات من قبيل حل العناصر المسلحة في التيار هي خطوة استراتيجية لافراغه من عناصره المضرة وربطه بقيادات ولجان تم تسميتها في بيان صدر من قبل السيد مقتدى ، بيد انه لم تتم قراءة هذه الخطوات من قبل ساستنا بوصفها تمثيل لانجاح مشروع الوطنية ، خصوصا وان الساسة منهمكين بانجاح المشروع الاميركي وبسط هيمنته وتطبيق فكرته الشرق اوسطية .
ولذلك فقد تم تضييق الخناق على التيار الصدري واقصاءه من الدائرة السياسية ، لكن ذلك التضييق لم يدم طويلا اذ اثبت التيار وطنيته بجدارة لا تضاهى كما اثبت الساسة الذين تصدوا للتيار الفشل في انجاح اي مشروع سواء على المستوى الاقتصادي او الثقافي او الخدمي ، النجاحات توالت في مسيرة التيار وكانت مناطق الجنوب وخصوصا ميسان مثالا جليا على هذا النجاح ولذلك فانه ومع قرب الانتخابات فان الشارع العراقي في الجنوب بشكل عام منحاز للتيار بشكل لا يصدق حتى ان المتابع السياسي النابه يرى ان النتيجة محسومة للتيار الصدري وهذا ناتج وطنيته وعمله النزيه الذي لمسنا تطبيقاته على ارض الواقع .