كنت أتمنى أن يكون موعد انسحاب القوات الأمريكية والذي تحدد منذ أكثر من ثلاث سنوات مدعاة للفرح والاحتفال بكل المقاييس، ووسيلة لابتكار مفردات ذلك الاحتفال وما رافق تلك السنوات من انجازات عراقية سليمة 100% ان نحتفي مثلا بأداء أفضل وزارة وانجح كتلة برلمانية واعقل مستشار حكومي وأذكى محلل سياسي او برلماني محنك وأسرع ملف فساد جرى الكشف عنه ومعاقبة مرتكبيه وحتى نصل في احتفائنا هذا بانشط مخبر سري! ونستدعي لأجل ذلك المهرجان وفودا عربية وأجنبية نستعرض امامها فخورين انجازاتنا وخطواتنا التي رسمناها لمستقبل جديد ليس فيه احتلال امريكي ولا دس صهيوني ولا تدخل إيراني المنشأ والهوية!
الشعب المغلوب على أمره في بلدي مازال يترقب صيغة مناسبة للفرح رغم ان برامج الفضائيات وحوارات المسؤولين لا تشي بذلك، فغمزات عدم الجاهزية والأجواء العراقية غير المحمية والقوات غير المدربة والانشقاقات السياسية التي تجري على قدم وساق كأنها في سباق ماراثوني يضاف لها التخوفات الصريحة من تدمير العملية السياسية وعودتها لنقطة الصفر و الدعوة لانتخابات مبكرة بسبب أزمة ثقة أزلية مابين أطراف الحكومة..اقول ان تلك الغمزات تحولت الى صيحات معلنة جهارا ونهارا، وصارت الحيرة تتلبسنا اليوم هل نفرح ونحتفل كل على طريقته كما دعا يوما القائد الضرورة؟ ام ننساق لمخاوف اولي الامر منا ونتدثر بلحافين وبطانية كي ندرء عنا خطر الانسحاب خشية تعرضنا لهجمة امبريالية غاشمة جديدة؟!
وأتذكر هنا أزمة المدربين الأمريكيين الذي يلحون في امر الحصول على الحصانة والا عافوا قواتنا الوطنية بلا تدريب.. اتسائل فقط اين كانت وزارة الدفاع والداخلية والمعنية بأمر تدريب تلك القوات وتأهيلها لاستلام الملف الامني طيلة ثمان سنوات من الاحتلال حتى تتذكر انها بحاجة للتدريب مابعد خروج المحتل؟ موعد الانسحاب الامريكي تحدد منذ اكثر من ثلاث سنوات لكن يبدو ان مشاغل التوافقات السياسية المعقدة وتبادل الاتهامات والفضائح انست ساستنا حاجة قواتنا للتسليح والتدريب وحماية امننا واجوائنا الاقليمية من أي اعتداء سافر.
المشكلة في الأمر ان هناك توجه مريب يفضي الى ان العراق يمكن ان يتحول بعد سنوات غير معلومة الى بلد لا يجيد ابسط مظاهر الاحتفال، حتى لو كان زفة عرس خشية ان يصطدم الأمر بخرق توجهات وشعائر دينية تحظر نوع وطريقة ذلك الاحتفال بما فيها ملابس المحتفلين وأغنياتهم! وربما تتأجج ثورة يقودها شباب (الفيس بوك) او المثقفين المنفتحين ليغيروا المشهد بالكامل وعندها يكون لكل حادث حديث حتماً.
وحدها مشاهد فرح العراقيين كانت حاضرة بعد التأهل للمرحلة الأخيرة من التصفيات الآسيوية لكأس العالم، وحتى عيد الأضحى المبارك مر على الجميع بعد انتظار وترقب قلق خشية التعرض لانهيار امني طالما حذرونا منه باعتبار ان تنظيمات القاعدة وحزب البعث والمخربين وكل من لف لفهم مازالت تضمر للعراقيين الشر ولم تكتف بكل سنوات الموت المجاني الذي أثقل قلوبنا بالمواجع.
هناك تساؤل يثيره البعض بقصد لا يخلو من ضغينة أكثر مما هو حرص على البلاد والعباد وهو مدى استفادتنا من الوجود الأمريكي للتحقيق نهضة حقيقية كما حصل في التجربة اليابانية عندما تعرضت لاحتلال أمريكي عام 1945 ونجحت في التخلص منه بعد خمس سنوات تقريبا لتمارس بعدها أعظم خطط النهوض والتطور بكل أشكاله وتكون من أهم الدول الصناعية المنتجة في المنطقة كلها. أمنيات العراقيين اليوم لا تعدو أكثر من الحفاظ على العملية السياسية التي بنيت على نهر من الدم المباح و(شوية) فرح لانسحاب قوات محتلة طالما جثمت على أنفاسه ومقدراته وحكومته ايضا ولنرمي اليوم كل مخاوف وتوقعات ساستنا الى البحر وننشغل بأمنيات أجمل لما ما بعد الانسحاب.