إِنَّ مِنَ الَّذينَ لَم يُؤمِنوا مَن هُم سَواءٌ عَلَيهِم أَدَعوتَهُم لِلإيمانِ أَم لَم تُدعُهُم لا يُؤمِنونَ (6): هنا استخدمت «مِنهُم»، لأن العقلاء يتجنبون عادة التعميم والإطلاق، ولكون الله سيد العقلاء والحكماء، فمن المستحيل أن يستخدم ما هو غير مقبول عند العقلاء والموضوعيين والمنصفين. واستبدلت «الَّذينَ كَفَروا» بـ «الَّذينَ لَم يُؤمِنوا»، لأن مفردة الكفر ومشتقاتها مثقلة بالمعاني السلبية، وتحث على الكراهة، وتسيء إلى كرامة الذين لا ذنب لهم إلا أنهم لم يستطيعوا أن يقتنعوا ليؤمنوا بما يُتوقَّع منهم أن يؤمنوا به. وجعلت «سَواءٌ دَعوتَهُم لِلإيمانِ» مكان «سَواءٌ أَنذَرتَهُم»، لأن لا معنى ولا مبرر لأن تكون الدعوة للإيمان على نحو الإنذار والتحذير والتخويف.
وَفَريقٌ مِّنهُم خُتِمَ عَلى قُلوبِهِم وَعَلى أَسماعِهِم وَعَلى أَبصارِهِم غِشاوَةٌ، وَّلَهُم جَزاؤُهُم عِندَ رَبِّهِم بِما أَساؤوا، وَاللهُ أَعلَمُ بِما يَستَحِقّونَ، فَلا تَقولوا كَفَروا وَلا تَقولوا لَهُم عَذابٌ عَظيمٌ (7): وهذه نسبية في النسبية، حيث إن من هؤلاء الذين ذكروا آنفا «فَريقٌ مِّنهُم» من تنطبق عليهم هذه المواصفات، مع استبدال «خَتَمَ اللهُ عَلى قُلوبِهِم» بـ «خُتِمَ عَلى قُلوبِهِم»، حيث ليس من الصحيح نسبة الختم على القلوب إلى الله، بل جُعِلَ الفعل مبنيا للمجهول، دون تحديد الفاعل، لتنوع وتعدد حصول هذه الحالة، بما هو معذور صاحبها فيه، أو غير معذور. وجعلت عبارة «وَلَهُم جَزاؤُهُم عِندَ رَبِّهِم بِما أَساؤوا، وَاللهُ أَعلَمُ بِما يَستَحِقّونَ» بدلا من «وَلَّهُم عَذابٌ عَظيمٌ»، بل هناك نهي عن قول ذلك عنهم بعبارة: «وَلا تَقولوا لَهُم عَذابٌ عَظيمٌ».
أما النص الذي ينطلق من نفي نبوة محمد وعموم النبوات، فيمكن أن يكون على النحو الآتي:
… (1) هاذا كِتابٌ عَسى أَن يَّكونَ فيهِ ثَمَّةُ هُدًى لِّلمُستَهدينَ (2) مِنهُمُ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِالغَيبِ وَيُقيمونَ الصَّلاةَ وَمِمّا رُزِقوا يُنفِقونَ (3) ما أَنزَلَ اللهُ إِلى أَحَدٍ مِّن كِتابٍ، وَّما يُؤاخِذُ اللهُ النّاسَ إِن لَّم يَكونوا يُؤمِنونَ، وَلا يُؤاخِذُ الَّذينَ آمَنوا إِلَّم يَكونوا يوقِنونَ (4) فَالَّذينَ استَقاموا وَصَلُحوا وَأَصلَحوا سَواءٌ آمَنوا أَو لَم يُؤمِنوا كُلُّ أُلائِكَ عَلى هُدًى مِّن رَّبِّهِم وَهُمُ المُفلِحونَ (5) لا تَقولوا لِلَّذينَ لَم يُؤمِنوا قَد كَفَروا أَو إِنَّهُم سَواءٌ عَلَيهِم أَدُعوا لِلإيمانِ أَو لَم يُدعَوا لا يُؤمِنونَ (6) ما خَتَمَ اللهُ عَلى قَلبِ أَحَدٍ وَلا عَلى سَمعِهِ وَلا جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً، فَلا تَقولوا عن الَّذينَ لَم يُؤمِنوا أَنّهُم كَفَروا وَلا تَقولوا لَهُم عَذابٌ عَظيمٌ (7).
… (1) هاذا كِتابٌ عَسى أَن يَّكونَ فيهِ ثَمَّةُ هُدًى لِّلمُستَهدينَ: جرى استبدال «ذالِكَ الكِتابُ» بـ «هاذا كِتابٌ»، فاسم الإشارة «ذالِكَ» للبعيد استخدم للتعظيم، لأننا إذا انطلقنا من كون الكتاب بشريا، فهو نسبي وليس مطلقا، ثم هو ليس الكتاب الوحيد من مجموع النتاج البشري على طول التاريخ، مما يهدي إلى ثمة صواب، وثمة استقامة، من هنا استعملت بدل «الكِتابُ» كلمة «كِتابٌ». وكذلك استبدلت عبارة «لا رَيبَ فيهِ هُدًى» بـ «عَسى أَن يَّكونَ فيهِ ثَمَّةُ هُدًى»، نأيا عن دعوى احتكار الحق والحقيقة، مع جعل الاهتداء به مما يُحتمَل ويُتمنّى عبر كلمة «عَسى». أما كلمة «لِلمُتَّقينَ» فاستبدالها بـ «لِّلمُستَهدينَ»، لكون الاستهداء أعم، فهو يشمل كل إنسان يسعى لتحقيق مزيد من الإنسانية ومزيد من العقلانية، المعبَّر عنهما بالاستهداء، أي الرغبة لمزيد للاهتداء إلى ما هو أصوب، وإلى ما هو أصلح. أما فيما يتعلق برزقهم، فلم تستخدم لا «رَزَقناهُم» كما في النص القرآني الأصلي، ولا «رَزَقتُهُم» كما في النص المنقح البديل المنطلق من فرض صحة نبوة محمد، بل استخدمت «رُزِقوا»، وبناء الفعل للمجهول، لكون المؤمن العقلي اللاديني، لا يستطيع أن يجزم بكون الرزق مرهونا بيد الله، ولا يستطيع أن يجزم بنفي ذلك، فللرزق أسبابه الملموسة أو المعلومة، وغير الملموسة أو غير المعلومة.
وهذا كان مجرد مثال، يمكن تطبيقه على كل القرآن من «الحَمدُ للهِ رِبِّ العالَمينَ» لغاية «مِنَ الجِنَّةِ وَالنّاسِ».