مسألة العلاقة بين الدين والدولة مسألة شائكة ومعقدة، لأن الدين يعكس الأخلاق العامة، وغالبا ما يوظف الدين من قبل رجال السياسة والأحزاب السياسية باسم الإيمان والتقوى لتحقيق مصالحهم ومنافعهم الشخصية. من ثم فقد أصبحت الهوية الدينية شكلا وليس مضمونا هي التي تشكل معيار الانتماء بعيدا عن قيم العدالة والحق والحقوق. بالتالي فإن أغلب رجال السياسة لم يتركوا نقيصة إلا وقد مارسوها باسم الدين سواء (الإسلام، المسيحية، اليهودية). وهنا أعني تحديدا (كهنة اليهود) الذين عملوا وبكل جدارة في خدمة الصهيونية العالمية وكان أبرزهم اليهودي المجري (جولد زيهر) الذي لقب بشيخ المستشرقين لكثرة طعونه بالإسلام، والتشكيك في الحديث النبوي الشريف، بمعنى أنه حاول نسف السيرة النبوية.
لقد أسهم الإعلام الغربي بشكل كبير وواضح في إشاعة وعى سياسي بخطورة الأنشطة الإرهابية والعنف الديني والعرقي على الأمن والاستقرار العالمي وعلى شعوب العالم كافة، ولكن بالوقت نفسه تعمد الخلط بين الإسلام والنشاطات الإرهابية التي تقوم بها المنظمات المتطرفة التي تقوم بتأويل خاطئ للإسلام الأمر الذي أدى إلى خلق حالة الخوف من الإسلام في الغرب بسبب، خلق رأى عام مضاد للجماعات الراديكالية التي تمارس العنف والإرهاب أيّا كانت، لكنه في الوقت نفسه قد أبرز مشاعر الكراهية للمسلمين، وأطرت الصورة المقدمة عن الإسلام ضمن صناعة الرأي العام السياسي الأمريكي، بعد أن جعلت صورة الإسلام كونه إرهابا يعكس صورة الدين الإسلامي وبات مصطلح (إسلاموفوبيا) الدراج في وسائل الإعلام في الوقت الراهن.
لكن الإعلام الغربي تجاهل متعمدا التشدد اليهودي والعصبية المسيحية، فالإرهاب اليهودي يشكل اليوم النموذج الاستثنائي على صعيد الكرة الأرضية. فما هو رأي وسائل الإعلام الغربية فيما قاله أحد أبرز المستشرقون المسيو كيمون في كتابه (ميثولوجيا الإسلام) “إن الديانة المحمدية جذام فشا بين الناس وأخذ يفتك بهم فتكا ذريعا. بل هو مرض مروع وشلل عام وجنون ذهني يبعث الإنسان على الخمول والكسل، ولا يوقظه منهما إلا ليسفك الدماء، ويدمن الخمور (!!) وما قبر محمد في مكة، ويقصد المدينة، إلا عمود كهربائي يبعث الجنون في رؤوس المسلمين ويلجئهم إلى الإتيان بمظاهر الصرع (الهستيريا)، والذهول العقلي، وتكرار لفظة (الله الله) إلى ما لا نهاية”؟
وعليه فإن قدرة الأصولية اليهودية على كسب أنصار لها من أعداء الإسلام والمسلمين متجاوزة الحدود والطبقات والبلدان، بمعنى أنها يهودية إرهابية تسعى إلى خلق أمة افتراضية على أساس الفوارق العرقية والثقافية واللغوية والدينية، بعد أن اتبع اليمين اليهودي كل الممارسات الإرهابية في نزاعه ضد الفلسطينيين.
في عام 1999 أصدرت منظمة الدفاع اليهودية وثيقة تحمل جملة من الافتراءات اليهودية وضعتها العصابة الصهيونية وبإشراف اليمين اليهودي المتطرف، تلك الوثيقة التي أراد بها اليهود إثبات أن فلسطين من حقهم زورا وبهتانا. فرد الدكتور والمفكر الإسلامي المصري (محمد عمارة) رحمه الله على هذه الافتراءات وكما يلي:
يقول الراحل الدكتور محمد عمارة (مدينة القدس عربية بناها العرب اليبوسيون في الألف الرابع قبل الميلاد، أي 40 قرن قبل الميلاد. وإذا كانت اليهودية هي شريعة سيدنا موسى عليه السلام، فإن سيدنا موسى نشأ وعاش وتعلم وبعث ومات ودفن في مصر، دون أن ترى عينه القدس ولا فلسطين. إضافة إلى أن سيدنا موسى كان في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، بمعنى أن القدس عربية قبل سيدنا موسى وقبل اليهودية ب 27 قرن. في الجانب الآخر أن اليهود يقولون نحن ننتسب إلى إسحاق عليه السلام أبن سيدنا إبراهيم، وسيدنا إبراهيم كان في القرن التاسع عشر قبل الميلاد، إذن القدس عربية قبل سيدنا إبراهيم ب 21 قرن. وبمرور 20 قرن بعد الميلاد، إذن عمر عروبة القدس أكثر من 60 قرن، أي أكثر من 6000 سنة. ثم أن اليهود يقولون نحن عشنا في فلسطين في أرض كنعان، لكنهم دخلوها غزاة مستعمرين بنصوص العهد القديم الذي ينص على إبادة الفلسطينيين. تاريخيا لم يقم لليهود قائمة في القدس إلا 415 سنة في القرن العاشر قبل الميلاد في عهد سيدنا داود وسيدنا سيلمان، أي بعد عروبة القدس وبناء القدس بثلاثين قرن. أخيرا لقد عاش العرب في الأندلس 800سنة، وعليه فإن عمر الكيان اليهودي في القدس أقل من نصف الوجود الإسلامي في الأندلس).
وبعد أن انتهينا من رد الدكتور محمد عمارة، بوسعنا أن نلحظ التأثير الكبير والمهيمن لليمين اليهودي، مع أن الصهيونية هي في الأصل حركة علمانية، إلا أنها كانت ومازالت تحت سيطرة اليهودية المتشددة، بيد أن السلفية اليهودية عارضت إعلان دولة يبنيها الصهاينة العلمانيون.