هل ستنجح كوردستان فيما فشل فيه العراق ؟
يعتبر فتح القنصلية السعودية في اربيل عاصمة إقليم كوردستان خطوة مهمة في ظل الظروف التي يمر بها العراق والمنطقة , فهي تفتح آفاقا جديدة للعلاقات العربية الكوردية تتجاوز حدود العراق لتصل إلى دولة تعتبر دولة محورية ليس على الصعيد العربي فحسب بل على الصعيد الإقليمي . وقد توجهت كوردستان منذ الإطاحة بنظام صدام حسين لبناء جسور العلاقة بينها وبين الدول العربية على مبدأ التاريخ والجوار المشترك , وعلى أساس المصالح المشتركة بين الشعبين العربي والكوردي في كافة الجوانب الاقتصادية والسياسية والثقافية , متبنين مبدأ (عفا الله عما سلف) في مواقف بعض الدول العربية المؤيدة لنظام صدام حسين ومساندتها إياه في ممارساته القمعية ضد الشعب الكوردي وقضيته العادلة في العراق .
وقد نجحت كوردستان في توطيد علاقاتها مع معظم الدول العربية في الوقت الذي فشلت فيه بغداد من بناء علاقات طبيعية مع أي عاصمة عربية رغم تشاركهما في القومية , لتبني الحكومة العراقية توجهات مذهبية على حساب التوجهات القومية المفترضة لها , وكذلك فشلها في تجاوز العقد التاريخية في تعاملها السياسي . لدرجة أن الدول العربية أصبحت تعتمد على نشاط قنصلياتها في اربيل أكثر من سفاراتها في بغداد لمحدودية المساحة المسموح بها لسفاراتها والعراقيل التي تضعها السلطات العراقية أمامها .
إن الحالة الطبيعية التي يفترض أن تسود العلاقات بين شعوب المنطقة هي تلك الحالة التي تعبر عنها حكومة إقليم كوردستان في تشجيع الجوانب الايجابية وتسطيح السلبيات مع البحث عن المصالح المشتركة التي يمكن الاستفادة منها في تدعيم هذه العلاقات .
فالمملكة العربية السعودية قد تحولت اليوم في ظل قيادة الملك سلمان بن عبد العزيز والدماء الشابة التي تقف ورائه إلى دولة محورية في المنطقة لها توجهاتها وطموحاتها خاصة بعد أن طفت وبرزت التوجهات المذهبية في المنطقة , وتداخلت مع الصراع السياسي بينها وبين إيران . ويمكن القول بان المملكة قد دخلت في الوقت الراهن إلى مرحلة تقييم تحالفاتها في المنطقة , لاسيما بعد أن تفاجئت بمواقف بعض الأطراف العربية والإسلامية إزاء سياستها تجاه إيران . وهي بصدد إعادة النظر في علاقاتها مع تلك الأطراف . وليست مصادفة أن يتزامن فتح قنصليتها في اربيل مع قطع المنحة السعودية عن لبنان , ومع تداعيات الموقف المصري حول التدخل البري في سوريا . فالمملكة ترى في كوردستان طرفا سياسيا مهما في المعادلة العراقية التي تفتقر الآن لطرف سني مؤثر على القرار الحكومي يكون له القدرة على لعب دور مهم في رجحان كفة الميزان , بعد تشتت الأحزاب العربية السنية سواء داخل العملية السياسية أو خارجها , ناهيك عن الموقع الجغرافي المهم لكوردستان والذي يحاذي إيران وسوريا من جهتيه .
لقد حاول إقليم كوردستان ومنذ بداية تشكيله في جعل الاقتصاد هو محور الارتكاز لإقامة علاقاته مع أي جهة إقليمية أو دولية , ولا شك بان المملكة تمثل له مدخلا مهما على المزيد من هذه الدول , وحلقة وصل قد يتمكن من خلالها جذب العديد من الشركات والكثير من رؤوس الأموال خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها الإقليم .
إضافة إلى إمكانية استقطاب الدول الخليجية للسياحة في كوردستان كبديل للسياحة في سوريا ولبنان اللتان كانت السياحة الخليجية تمثل عصب الاقتصاد لهما . وهذا يمثل منفذا جديدا للاستثمار يمكًن حكومة الإقليم من الحصول على واردات تساوي الواردات النفطية .
أما من الناحية السياسية فقد لا يكون لكوردستان مساحة واسعة للاستفادة من علاقاته مع المملكة العربية السعودية سياسيا , ما عدى التعامل معها كورقة ضغط على الجانب الإيراني في بعض القضايا التي تتعلق بعلاقة اربيل مع بغداد والتأثير الإيراني على أطراف في الحكومة العراقية , مع الأخذ بنظر الاعتبار عدم الانجراف بشكل كامل في الصراع بين السعودية وإيران , لقدرة إيران في التأثير على الوضع الداخلي الكوردستاني من خلال بعض الأطراف السياسية في كوردستان والتي تتمتع بعلاقات وثيقة مع طهران .
هكذا فان تعقيدات الوضع الإقليمي وتشابك المواقف فيه لا تمنع وجود مصالح بين أطرافها , وليس بالضرورة أن تكون هذه المصالح متماثلة أو على نفس المستوى من التأثير . والشيء الثابت والوحيد هنا هو وجود حقائق لا يمكن التغافل عنها , تفرض نفسها بإلحاح كل مرة مهما حاولنا تجاهلها في ظروف معينة , لاسيما ما يتعلق بالجغرافية والتاريخ . فالحقيقة الجغرافية ومسار الحدث التاريخي تضعنا بدورها أمام حقيقة أخرى لا مهرب منها وهي أن الشعبين الكوردي والعربي يمثلان جوارا تاريخيا وجغرافيا أكثر من بقية شعوب المنطقة فيما يتعلق بتماس العدد السكاني بينهما ما يفرض عليهما إيجاد قواسم مشتركة لاستثمار هذا الجوار لما فيه مصلحة الطرفين وسط منطقة صراع حقيقية غلبت فيها لغة السلاح وجعجعته على لغة التلاقي والحوار , وهذا ما يمكن استثماره مستقبلا من العلاقة بين كوردستان والمملكة العربية السعودية .
[email protected]