23 ديسمبر، 2024 9:37 ص

افاق الصراع الإقليمي بين أنقرة و طهران

افاق الصراع الإقليمي بين أنقرة و طهران

حسب المؤشرات الخطيرة يتبين لنا بان العراق سوف يكون الورقة الأول التي سيرسم عليها خارطة المنطقة الجديدة. وباقلام الدول والمراكز ذات المصالح المتضاربة في تنفيذ سياستها المستقبلية،
كانت هناك خلال عقد من السنوات الماضية تحليلات حول المنطقة ولكن اليوم بدأت هذه المخططات تظهر ملامحها بشكل جلي و واضح، بعد العديد من التغيرات الحاصلة في الكثير من الملفات.

واجهت منطقة الشرق الأوسط حزمة من التغيرات العاجلة بعد العام 2011 مع بدء الربيع العرب الذي ادى الى خلخلة الأوضاع في العديد من البلدان المسلمة وسبب في تشتت مجتمعاتها و وحدة سيادتها و أمنها و ظهرت افكار عرقية و طائفية و فكرية متطرفة و متشددة ﻻ يتقبل البعض منها الآخر. وفتحت المجال امام اللعبة الصهيونية المخططة لها منذ أمد بعيد لتجزئة هذه البلدان و اضعافها و ليكون من الاسهل اعلان “الدولة اليهودية” على الأراضي الفلسطينية. يوماً بعد يوم و بتزامن تظهر ملامح هذه المخططات بشكل عاجل فبعد ان ظهرت حركات الربيع العربي ظهرت ﻻحقا تنظيم ما يسمى الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) ليخلف مزيداً من الخراب والدمار في هذه المناطق. و أيضاً قامت منظمة PKK باستئناف عملياتها الإرهابية ضد الجمهورية التركية، و ذلك ما دفع تركيا لمشاركة التحالف الدولي ضد الإرهاب وبدء عمليات عسكرية واسعة ضد تنظيم الدولة (داعش) في سوريا ومنظمة بكاكا في شمال العراق.
وفي العراق كانت ومازالت الأزمات مستمرة بين الفرقاء السياسيين في بغداد، و بين حكومتي المركز والاقليم. و انفجر ذلك من خلال موقف مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان من امتناعه لتولي نوري المالكي الوﻻية الثالثة لرئاسة الوزراء وبدور كبير للولايات المتحدة. وتبادل الاتهامات بينهما حول احتلال الموصل ثاني اكبر المدن العراقية من قبل داعش في العاشر من نيسان عام 2014، واتهامات حول تصدير نفط الشمال من قبل البرزاني دون الرجوع الى بغداد.

دور أنقرة و طهران في أزمة شمال العراق

بدورها طهران تريد تقوية حلفائها في شمال العراق و معروف عنها دعمها الطويل للاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة (جلال الطالباني) الرئيس العراقي السابق، وحركة التغيير الكردية (كوران) بزعامة نوشيروان مصطفى. بمقابل دعم أنقرة للحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة (مسعود البرزاني) رئيس الاقليم،

والخلافات الاخيرة بين البرزاني والقيادات الشيعية في العراق حول الحرب مع داعش وسقوط موصل و الاصطدامات بين قوات البيشمركة الكردية و مقاتلي الحشد الشعبي في الشريط المشترك بينهما ابلغ دليل على حجم الخلافات العميقة بين الاقليم والمركز.

أرادت طهران ان تعطي درساً للبرزاني بانهاء وﻻيته كرئيس للاقليم ذلك لإضعاف نفوذ تركيا في هذه المناطق. وبتمسك الحزب الديمقراطي بتمديد وﻻية البرزاني واصرار الاتحاد الوطني وحركة التغيير باجراء الانتخابات لعدم دستورية بقاء البرزاني دفع الى المشاحنات الخطيرة والتحشدات العسكري بين هذه الاطراف التي كانت قريبة من اعادة الاقتتال من جديد بين الحزبين الحاكمين في الإقليم كما حصل عام 1996.

وان تركيا تقف بكل قوتها لابقاء البرزاني في الرئاسة وعندما فسحت المجال امام البيشمركة للعبور من اراضيها للدفاع عن مدينة عين-العرب (كوباني) في سوريا ضد تنظيم الدولة وﻻ نقاش بان ذلك كانت موقف تاريخي لتقوية البرزاني داخل البيت الكردي، وكما أوصت نواب التركمان في برلمان الاقليم بالوقوف مع تمديد وﻻيته.

ضغط طهران لتغيير الرئيس في اربيل ودعم أنقرة بابقائه يدفع الى الانفصال من خلال ظهور إدارتين بقيادتين منفصلين و تبقى (اربيل ودهوك) بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني(KDP) بزعامة مسعود البرزاني الحليفة مع تركيا، وتذهب (السليمانية و حلبجة) لإتحاد الوطني الكردستاني(KYB)بزعامة جلال الطالباني الحليفة مع ايران.

كركوك هدف اللعبة

ايران تبذل جهداً كبيراً عن طريق حزب الطالباني لتقوية حلفائها في كركوك لربطها مع السليمانية وجعلهما إقليما تحت تحكمها في المستقبل القريب،

و التقسيم السياسي لادارتها تكون بين الاتحاد الوطني الكردستاني و حركة التغيير الكردية، كما كانت اربيل للبرزاني و السليمانية للطالباني بعد الاتفاقية بينهما عام 1992 ولحد الان. والان سوف تكون السليمانية لحركة التغيير(كوران) بعد التقدم الحاصل و كركوك للاتحاد الوطني(KYB)
و يربط معهما طوزخوماتوا في المستقبل البعيد بعد ان تكتمل إجراءاتها لتصبح محافظة. وتصبح هذه الشريط من نفوذها بين وسط النفوذ التركي من كركوك و اربيل و موصل.

و في الانتخابات الأخيرة ساهمت طهران بتشكيل قائمة تركمانية موالية لسياستها في بغداد لخوض الانتخابات العامة في كركوك، كانت تهدف لفوز القائمة بمقعد واحد لتغيير معادلة مصير كركوك او على الاقل كسب كمية من الأصوات لإضعاف القائمة التركمانية الأخرى الموالية لسياسة انقره باتجاه العراق.

ونجحت الى حد ما في ذلك بعد ان لم تتمكن قائمة (جبهة تركمان كركوك) سوى من المحافظة على مقعدين اللتان حصلت عليهما في انتخابات 2010 بفوز نائبين هما كل من (ارشد الصالحي رئيس الجبهة التركمانية ليكون دورته الثانية في المجلس)و(حسن توران نائب رئيس الجبهة التركمانية والذي كان رئيساً لمجلس محافظة كركوك) و كان متوقعا ان تزيد مقاعدها في الانتخابات العامة التي جرت في العام 2014.

ومن مؤشرات هذه المخطط ان اغلبية المناصب التي يشغلها شخصيات تركمانية في كركوك كانوا مرشحين في قائمة (تحالف تركمان كركوك) و بالرغم من خسارة القائمة حصل مرشحها المناصب الكبيرة في الدولة ومنهم (محمد مهدي البياتي الذي كان رئيساً للقائمة و المرشح الرقم 2 اصبح وزيراً لحقوق الانسان) و (طورهان المفتي مرشح الرقم 1 اصبح مستشاراً لرئيس الجمهورية)

وبالمقابل حصلت قائمة الاتحاد الوطني الكردستاني الموالية لها  عن طريق د.نجم الدين محافظ كركوك والقيادي في الحزب على ستة مقاعد من اصل اثنا عشر مقعدا مخصصا لمحافظة كركوك في مجلس النواب.

ولكن ﻻ اعتقد ان موضوع كركوك سوف يتم حسب رغبة طهران وذلك لروابط التاريخية والعرقية مع تركيا أولاً و لان الوﻻيات المتحدة تتابع بشكل مباشر هذه المسألة.

الحرب الباردة بين أنقرة و طهران

ايران تريد ان تأخذ كل المناطق التي من نفوذها ﻻن ما يجري في المنطقة هي الفرصة لكسب المزيد من المساحات لتوسيع خارطتها المستقبلية.
و الأقوى ليس هو من يحارب الإرهاب بل الأقوى هو الذي يسيطر على أكبر مساحة من الأرض.
كما ان امريكا شكلت التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب من الجو فقط  بينما روسيا تبسط سيطرتها على الأراضي برا عن طريق حليفتها ايران لتعيد قوتها في منطقة الشرق الأوسط.

لدى إيران سياسة قوية بإبعاد النار عنها وأشغال الدول المجاورة لها بمشاكل داخلية حتى تحافظ على استقرارها الداخلي.

بعد تراجع عدد النواب لحزب العدالة والتنمية التركي )AK Parti( الحاكم منذ 13عاما في الانتخابات التركية التي جرت في السابع من حزيران عام 2015  و عبور الاكراد مع “حزب الشعوب الديمقراطي” (HDP) نسبة 10% الحاجز للدخول الى البرلمان بنسبة 13% المتمثلة ب80 نائباً تعد الفرصة الذهبية لزعزعة تركيا التي تعد الدولة المعادية لإيران في المنطقة وعدم تطابق سياستهما الخارجية مع بعضها البعض ولهما التعارض في كثير من المواقف في المنطقة.

“وجاء تحريك اكراد تركيا في هذا التوقيت من مصلحة ايران لخوفها من تحريك اكراد ايران” بعد ان حقق الكرد مزيد من التقدم سواءً قي العراق بعد ان حصلوا على الدعم العسكري الكامل من دول الغرب لمحاربة تنظيم داعش، وفي سوريا ايضا حققوا الدعم العسكري بعد بعض من الانتصارات في مدينة كوباني، و التقدم الانتخابي الاخير في تركيا.

الى هذا دفع ايران الى التخوف من بدء الحركات الكردية في اراضيها وهو ما يؤدي إلى زعزعة استقرارها الداخلي ويؤدي ذلك إلى اضعافها في الجبهات التي تقاتل فيها. و قامت باشغالهم في العراق بالصراعات السياسية حول رئاسة الاقليم وتغيير نوع نظام الحكم. وفي تركيا بدأت استهدافات الجيش من قبل بككا لإنهاء عملية السﻻم التي على اثرها تم وقف اطﻻق النار لمدة سنتين بين الحكومة والمنظمة. وفي سوريا سكتت على دخول تركيا لمساحة 90 كم داخل الأراضي السورية مع حدودها الجنوبية الغربية وجعلها المنطقة الآمنة والتي يعد تهديداً مباشراً على انشاء منطقة كردية في سوريا متخاصمة لحدود تركيا وهو ما جاء على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حين قال “اننا لن نسمح بإقامة دولة كردية متخاصمة لحدودنا” .

“ولكن  مع  تاخر  تركيا من  تحريك  قضي ة اتراك  ايران (الازريين)  فأن  ايران  نجحت من تحريك  الاكراد  داخل  تركيا”

او حتى كانت الفرصة متاحة امام تركيا لاستغﻻلها عملية السﻻم مع الاكراد خﻻل السنتين الماضيتين و مساعدتهم لتحريك الملف الكردي في ايران.

اصلاحات العبادي في الحكومة

رغم قناعة الكل بأن الاصﻻحات كانت ضرورية و جائت في وقتها لمساعدة الدولة من النهوض بالواقع الامني والسياسي والاقتصادي.
ولكن كانت ضربة على الإتفاقية التي على اثرها  تشكلت الحكومة الحالية وأصبح بموجبها د.حيدر العبادي رئيساً للوزراء و كان من الأفضل مشاورة رئيس الوزراء الكتل السياسية المشاركة في الحكومة، ﻻن تصريحات الانتقادات من زعماء هذه الكتل يدل على اصدار القرارات منفرداً من جانب د.العبادي.

وان الاصلاحات هي عملية تصفية حسابات سياسة أزيد من كونها تهدف إلى الاصﻻحات وتحسين الخدمات في البﻻد.

ولو اخذنا الحزمة الأولى من الاصﻻحات التي شملت نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس مجلس الوزراء نجد بأن سياسة الإبعاد شملت الموالين لانقره.
فنواب رئيس الجمهورية كل من (نوري المالكي، اياد عﻻوي، اسامة النجيفي) منذ تولي العبادي رئاسة الوزراء توجد خﻻفات مكشوفة داخل حزب الدعوة التي ينتمي إليه العبادي والمالكي وحتى كتب في الصحف بان المالكي يريد اضعاف حكومة العبادي. وجاءت اعفائه من منصبه و ورود اسمه في التقرير النهائي حول سقوط موصل لتقوية ايدي العبادي في إجراءاتها داخل الحكومة . و اياد علاوي معروف بمعادياته لطهران و تقاربه مع أمريكا و تركيا، و عائلة النجيفي المعروفة بالصديق التركي الأول في العراق وبعد اعفاء اثيل النجيفي من منصب محافظ موصل جاء إعفاء شقيقه أسامة النجيفي من منصب نائب رئيس الجمهورية بحجة الاصلاحات !

ومن المتوقع بقاء نوري المالكي في منصبه كنائب لرئيس الجمهورية. ﻻن في الدستور العراقي ينص في المادتين 71-72 “بان لرئيس الجمهورية نائب واحد يحل مكانة في حال غياب الرئيس” و زيارة المالكي الاخيرة لطهران جائت لطمأنته بقائه في منصبه لكونه النائب الاول وهو اكثر حظاً لهذا المنصب.

ونواب رئيس مجلس الوزراء كل من صالح المطلك، المعروف أيضاً بكونه من القيادات السنية المعادية لطهران ، و روز نوري شاويس، القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني الموالية لسياسة تركيا و بهاء الاعرجي الذي ينتمي الى التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر.

والحزمة الثانية من الاصﻻحات التي شملت الغاء بعض الوزراء ودمج البعض منها أيضاً ﻻ توجد من ضمنها وزارات من حصة حزب الدعوة الإسلامية الذي ينتمي اليها رئيس الوزراء.