22 نوفمبر، 2024 6:34 ص
Search
Close this search box.

اغفال الحقوق يُفضي الى كوارث

اغفال الحقوق يُفضي الى كوارث

خلق الله الإنسان وكرمه على كافة الخلائق التي أوجدها على هذا الكون وميزه بالعقل والفكر واعطائه الكرامة كمفهوم مؤسس لمعنى الإنسان وجوهره، (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴿ التين۴﴾ ومعبر عن ذاته ووجوده، ومن خلالهما سخر له جميع ما تحويه الأرض من خيرات ولا يمكن التفكيك بين ذات الإنسان ووجوده وبين كرامته، (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِى السَّماواتِ وَما فِى الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَه) 20 لقمان ، وأعطاه الثروة الصناعية منها ({وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ *} [الحديد: 25]. وقال تعالى: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سبأ: 10 ـ 11)

الفطرة النقية والعقل السليم لا يمكنهما تصور الإنسان بدون هما و (الفطرة) هو المذكور في قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [الروم: 30، 31]،
ولذا يعتبر العقلاء كرامة الإنسان المظهر الأجلى للإنسانية، وبدونها لا يمكن تعريفه بالإنسان، ولهذا أيضاً يعتبر الإنسان مسألة الكرامة مسألة مساوية لوجوده وفـی الحقیقة أنّ الحکومة و النخبة من المجتمع یلعبون دوراً فعّالاً و یتحمّلون العبء الاکبر فـي ضمان الکرامة الإنسانیة المتعلّقة بالعدالة الإقتصادیة. و علی الرغم من أنّ الکرامة الإنسانیة و العدالة یمکن البحث عنها من عدّه جهات، لکن اکتسب. الجانب الاقتصادي ممّا على أهمّیة عظمی فـی هذه المباحث وهو لذلك مستعد للتضحية بوجوده الجسدي وممتلكاته المادية من أجل كرامته المعنوية والاعتبارية التي لا تتحقق إنسانيته بدونها . لقد تعددت نظريات أصول حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية عبر التاريخ، وحسب اختلاف المدارس الفكرية والعقائدية.

ان المبادئ الأخلاقية أو المعايير الاجتماعية ليست أخلاقاً ميتافيزيقية أو يوتوبية, وإنما تتمثل في الضبط النفسي, والاتزان الشخصي. وهي في نفس الوقت جوهر الواقع حيث تستمد حقيقتها منه. فهي لا تنتمي لمعالم المثل الأفلاطوني الذي فصل به أفلاطون الإنسان ،عن واقعة الاجتماعي ، المادي ، وإنما تتسق وتنسجم مع طبيعة الإنسان, وطبيعة المجتمع. بمعنى أنها لا تصطدم مع الفطرة البشرية, ولا الفطرة والتلقائية في الحياة الاجتماعية والتي تصف نموذجاً للسلوك البشري الذي يُفهم عموما بأنه مجموعة من الحقوق الأساسية التي لا يجوز المس بها وهي مستحقة وأصيلة لكل شخص لمجرد كونها أو كونه إنسان، فهي ملازمة لهم بغض النظر عن هويتهم أو مكان وجودهم أو لغتهم أو ديانتهم أو أصلهم العرقي أو أي وضع آخر. وحمايتها من قبل المنظمات القانونية في إطار القوانين المحلية والدولية.

من هنا كانت هذه المسألة من نقاط المفارقة بين بصائر الوحي والفهم البشري مفهوم الكرامة الإنسانية، ونقصد بذلك الاختلاف على مستوى الباعث والمنشأ،العقل ،والحرية ،والاختيار،هذه الركائز الثلاثة ذات العلاقة الجدلية المتداخلة، أهم ركائز الكرامة، وأبرز سمات الهبة الإلهية التي يتحقق بها معنى التشريف والتكريم، وأهم مناطات المحاسبة الإلهية، هي توفر هذه الركائز الثلاث. إنّ الإنسان هو المقصودُ غايةً وهدفاً في ابتعاث الرسل، واختيار الأنبياء، وإنزال الكتب والصُّحف، وإنّ الله سبحانه وتعالى الذي جعل آدمَ خليفةً في الأرض، اقتضت حكمته ومشيئته ورحمته بالإنسان ألاّ يخلقه عبثاً، وألاّ يتركه سدًى، وإنّما تكفّل بهدايته وإرشاده، وأخذ بيده إلى الطريق الأقوم، والمنهج الأمثل، وطمأنه منذ استقراره في الأرض أنه لن يدعه طعاماً سائغاً لوساوس الشيطان، ولن يتركه نهباً للوهم، والخبط، والضلال، والشهوات، ولن يسلمه للجهالة والحيرة والضياع، وإنما أكرمه بالهداية والرشاد بالتي هي أقوم وذاتعقل و بصير، وحرية مسؤولة، ينتج عنهما حق الاختيار الرشيد، يرتفع أساس المحاسبة ومعيار المفاضلة. ومعظم الحقوق والتشريعات المرتبطة بمفهوم الكرامة تركز على صيانة هذه الركائز، لأنها صمام أمان وجودها.
الكرامة هي حق كل فرد في أن يحترم لتكون له قيمة وأن يُحترم لذاته دون تحديد جنس أو عرق أو دين، وواقع وأصل خطاب التكليف الإلهي بالتوحيد الصرف والعبودية الحق موجه لكل إنسان دون تخصيص بزمان أو مكان، أو لهجة أو لسان، أو عرق أو لون، وتقول الآية الكريمة في القرآن الكريم: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )13 الحجرات وقد أعطي جميع البشر هذا التشريف الذي يعني أصالة التكليف المنجز في حقه بوجود قابلية التطبيق ويسر الحصول على أدواته وآلياته، وواقعية أحكامه وتشريعاته، واذا اردنا ان نميز الإنسان من الحيوان على مستوى التكوين الأساسي والشعوري، ومن هنا نجد أنّ من أهمّ ما يميّزه هو الشعور الفطري بالكرامة الّذي أودعه الله في تكوينه النفسي، وفي وسائله الدفاعيّة لاستمرار وجوده، وقد جاء في القران الكريم:”وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا “﴿۷۰﴾الاسراء،وأن يُعامل بطريقة أخلاقية و يحق لكل إنسان، بكونه إنساناً، للحصول على معاملة كرامته.
، والذود على كرامته. كحقٍ أساسي. و يمكن لانتهاك كرامة الإنسان أن يتجسد في إلحاق الضّرر بالجسد وفي التمييز ضد الفرد وإذلاله، والمساس بالحقوق الأساسية الضرورية للحياة الكريمة، نحو الحق في شروط الحياة اللائقة. وعلى المستوى العام والتّشريع والأحكام، نهىت عنه الأديان والمذاهب ويتقدمهم الاسلام عن كلّ ما ينتهك الكرامة على مختلف الصّعد، ابتداءً من السخرية والاستهزاء وظنّ السّوء،وقوله تعالى ( يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٞ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُونُواْ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَآءٞ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُواْ بِٱلۡأَلۡقَٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن لَّمۡ يَتُبۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ 11الحجرات وصولاً إلى التجسّس والظن والغيبة الّتي لا يغفرها الله تعالى حتى يغفرها صاحبها،(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (1))12 حجرات وفي هذا دليل على حرص الله عزّ وجلّ على أن يحفظ حقّ الإنسان في كرامته، ما يجعله يقف يوم الحساب مع الّذين اغتابوه، أو قلّلوا من شأنه، أو ذلّوه، ليطالبهم بحقّه.أن الاعتراف بالكرامة المتأصلة لدى الأسرة البشرية وبحقوقها المتساوية الثابتة يعتبر ركيزة أساسية للحرية والعدل و تحقيق السلام في العالم.

إن ازدراء وإغفال حقوق الإنسان أو التغاضي عنها لهو أمر يفضي إلى كوارث ضد الإنسانية، وأعمالا همجية، آذت وخلّفت جروحا و شروخا عميقة في الضمير الإنساني. ولهذا فإنه من الضروري والواجب أن يتولى القانون و التشريعات الدولية والوطنية، حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم، ولكي لا يشهد العالم والإنسانية مزيدا من الكوارث ضد حقوق الإنسان و الضمير الإنساني جميعا، وتناسي هذه حقوق وازدراها يفضي إلى أعمال همجية تؤذي الضمير الإنساني، و غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة.

أحدث المقالات