8 أبريل، 2024 8:24 م
Search
Close this search box.

اغـتـيـال الـوائـلـي

Facebook
Twitter
LinkedIn

تحكي عملية اغتيال السيد محمد مصبح الوائلي – يرحمه الله – قصة السياسة العراقية بعد عام 2003 بما فيها من عناصر مغامرة وأسرار مثيرة وفساد مروّع وحراك اجتماعي اقتلع طبقات وشرائح اجتماعية واسعة من مواقعها سواء نحو الأعلى أو الأدنى ؛ ولم تكن تلك هي المحاولة الأولى لإزاحة الرجل من صدارة المشهد السياسي البصري , فقد حدث في نيسان 2009 أن تعرض موكبه لانفجار عبوة ناسفة اتُهمت أطراف عدة بزرعها , فقد كان له أعداء كثر بحجم المصالح الاقتصادية والسياسية التي يدور حولها منذ ربيع 2003 صراع وحشي بين أطراف الإسلام السياسي .                      
ولقد قيل الكثير عن محمد الوائلي وعن شقيقه اسماعيل , وفي واقع الأمر أن السياسة العراقية الراهنة لم توفر ذمة واحد من المشتغلين فيها من التلوث والتشكيك , وذلك أمر متوقع في بلد لم يعد الفساد فيه مجرد وباء منتشر وإنما أصبح هو دولة فساد ! وللإنصاف فإن عائلة الوائلي كانت ميسورة الحال قبل احتلال العراق بغض النظر عن المشروعية القانونية لثروتها التي جمعتها بطرق ليس فيها على وجه اليقين ما يتعارض مع القيم والتقاليد السائدة في مجتمعنا .
لم يكن محمد الوائلي بعيداً عن الوسط الديني منذ مطلع شبابه , فهو قد عرف السيد محمد صادق الصدر – يرحمه الله – واقترب منه في وقت كان فيه الشيخ محمد اليعقوبي واحداً من تلاميذه , فضلا عن أن شقيقه اسماعيل كان طالباً في حوزة النجف الدينية ؛ وقد حدث بعد احتلال العراق أن ظهرت زعامات دينية مستجدة منها على وجه الخصوص الشيخ اليعقوبي والسيد مقتدى الصدر , وقد اختار محمد الوائلي الالتحاق باليعقوبي الذي أسس حزب الفضيلة ربما بحكم انتمائهما لمدينة واحدة ولسابق علاقتهما بمرجع واحد , غير أن هذا الخيار تسبب باستعداء المقتدائيين عليه لدرجة أن سيّروا مظاهرات تشهيرية ضده في مطلع العام 2008 عندما كان محافظاً للبصرة , ثم ازدادت العلاقة بينهما سوءاً حتى بعد أن ترك موقعه كمحافظ , إذ حدث أن زار مقتدى الصدر عام 2010 مدينة البصرة وهو في طريق عودته من إحدى زياراته لايران , فوقع بينه وبين الوائلي جدل كاد يصل إلى مشادة وذلك بسبب مواقف الوائلي الحازمة من جيش المهدي سواء إبان صولة الفرسان التي قادها رئيس الوزراء نوري المالكي لتطهير البصرة منهم , أو لدوره الكبير في تحجيم نفوذهم على المرافق الاقتصادية الحيوية للدولة في جنوب العراق , فقد كان المحافظ محمد الوائلي طرفاً أساسياً كممثل لحزب الفضيلة في صراعات الإسلام السياسي من أجل السيطرة على مرافق الدولة الحيوية في محافظة البصرة , فقد تلا حرب منشورات التشهير المتبادلة والتي ملأت شوارع المدينة وضواحيها , صراع دامٍ بين حزب الفضيلة وجيش المهدي على مديرية الكهرباء , ثم مع حزب اسمه ” ثأر الله ” على الموانيء , ومع المجلس الأعلى وفيلق بدر على شركة نفط الجنوب وشركة الحفر العراقية , ومصفى الشعيبة , وشركة البتروكيماويات , وشركة الأسمدة , وشركة الحديد والصلب , وشركة الغاز , وشركة الناقلات , وقد تمكن حزب الفضيلة بدعم قوة الاحتلال البريطاني التي كانت تهيمن على جنوب العراق من حسم هذه الصراعات لصالحه , فبات معظم مديري وموظفي هذه المؤسسات بل وحتى عمالها من أنصاره ! وقد لعب محمد الوائلي فيما بعد دوراً في التوصل إلى حلول وسط لم تنه هذه الصراعات وإنما أجلتها , فكان أن جرى السماح لجيش المهدي بالسيطرة على ميناء ” أبو فلوس ” الذي يتم منه تهريب النفط الخام لايران حيث يباع بسعر بخس , وبقي حزب الفضيلة مسيطراً على ميناء ” أبو الخصيب ” وعلى المنافذ الرئيسة لتصدير النفط !
بطبيعة الحال لم تكن ايران بعيدة عما يدور في جنوب العراق وبالأخص محافظة البصرة , وقد رأت في هزيمة جيش المهدي وإبعاد المجلس الأعلى وفيلق بدر عن المواقع المؤثرة سياسياً واقتصاديا , تقليصاً لنفوذها في ما تعتبره حديقتها الخلفية , وكذلك فاجأ محمد الوائلي الرأي العام العراقي في شباط 2008 باتهام القنصلية الايرانية والسفير الايراني حسن كاظمي قمي بالتدخل بالشؤون الأمنية والسياسية للعراق والبصرة بالذات وبمحاولة اغتياله وشقيقه اسماعيل , ثم فاجأ الوائلي  الناس مرة ثانية عندما تراجع عن تلك الاتهامات وقال أن القنصلية الإيرانية إنما أرادت إسداء النصح إليه فحسب , ثم وصل إلى حد الترحيب بزيارة مرتقبة للرئيس الإيراني نجاد للعراق !! وفي واقع الأمر أن سوء ظن ايران بالوائلي لم يكن من فراغ , فقد رصدت أجهزتها بدقة علاقاته وحزبه بالبريطانيين ثم محاولاته الحثيثة لجذب الأميركيين واستثماراتهم إلى البصرة عبر لقاءاته المتعددة مع مدير مكتب الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ومع الملحق الاقتصادي للسفارة الأميركية , ثم إصراره على منع تهريب النفط  من الموانئ التي يسيطر عليها حزبه الى موانئها , أما قيام حزب الفضيلة بتهريب النفط الى موانيء دولة الإمارات فهذه قصة أخرى .                    
منذ العام 2007 ومحاولات إقالة الوائلي من منصبه تتوالى , وقد أفلت في المرة الأولى من الإقالة بفضل حكم قضائي ثبته في منصبه برغم تصويت 27 عضواً من أصل 41 في مجلس المحافظة على إقالته بتحريض من نوري المالكي دون أن يشفع له أنه من مواليد قريته ” طويريج ” , ثم حدث بعد ضغوط عنيفة أن استقال عام 2009 لكنه حاول البقاء في إطار المشهد السياسي عبر الترشح لانتخابات مجلس المحافظة , بيد أن حزب الفضيلة كانت له حسابات وتحالفات ومصالح أكبر من الحفاظ على واحد من قيادييه الأساسيين , فخذله وأبعده عن قائمة مرشحيه .
…………………………..
…………………………..
جرى اغتيال محمد الوائلي وهو في طريق عودته من اجتماع مع مؤيدين بحث فيه معهم مشروع إنشاء كيان سياسي جديد قيل أنه سيكون بعيداً عن الطائفية وعن شعارات الإسلام السياسي , وفي ظني أنه بقاءه في العراق بعد أن سحب حزب الفضيلة الغطاء السياسي عنه لهو من قصر النظر السياسي والجهل بقواعد اللعبة السياسية في العراق والتي تقوم على التواطؤ بالفساد وعلى الدم في تصفية الحسابات , وكذلك سوء تقديره لحجم الضرر الذي ألحقه بخصومه والذي كاد يستأصل شوكتهم من البصرة بأسرها , و أياً كانت الجهة التي اغتالته – وهي تكاد تكون معروفة يشير لها البصريون بالبنان – فإن اغتياله مؤشر على اختلال ميزان القوى في البصرة , وينذر بعودة الصراعات من أجل السيطرة على مرافقها الحيوية – خاصة مع احتمال إقرار قانون النفط بما يستتبعه من استثمارات وعقود هائلة – وهي بلا شك جائزة دسمة تكاد عوائدها تساوي ميزانية دولة , وهي لبّ وأصل العملية السياسية التي تدور في العراق منذ عشر سنين .

* مستشار قانوني

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب