18 ديسمبر، 2024 4:53 م

قصة قصيرة
هرب من مدينته التي غيرت ملامحها الحروب واكتست جدرانها واجساد النساء فيها بالأسود وشح في دروبها الرجال وذاق صغارها اليتم الى مدينة قصية تقضي ليلها في الحانات والمراقص وتمضي نهارها نوما في الفنادق والشقق المؤجرة للوافدين الذين ينعشون اقتصادها واسواقها وبورصة العهر هناك ولم يملك من أدوات غير وسامته ولباقته ومهنة لازبائن لها في المدن التي لا يسمع فيها صوت الرصاص وازيز الطائرات الحربية .
. وصل إلى مركز المدينة في الصباح فوجده شبه مقفر الابواب مقفلة والستائر مسدلة وإعداد قليلة من المارة والسيارات يمرقون بسرعة ويختفون، بحث عن مقهى يستريح فيها ويشرب الشاي ثم يسلم مصيره إلى قدره حيث يقوده إلى ما يشاء
. طلب لنفسه شايا وقطعة كعك وعينه تراقب الشارع الخالي فرمت عليه التحية امرأة خمسينية بجسم ممتليء وعيون ملونة وبشرة بيضاء واستاذنته بأدب للجلوس معه على نفس الطاولة ودخلت معه فورا في حديث ..
. انت غريب ؟
. نعم
. متى وصلت ؟
. قبل أقل من ساعة
. سائح من دول البترول أو باحث عن عمل ؟
. انا من دول الحروب هارب من الموت والدمار باحث عن امان وعمل يسد مردوده رمقي ويبقيني على قيد الحياة
. هل لديك مهنة ؟
. نعم لكنها قد لا تنفع هنا
. ربما تكون صادق فأنت في بلد يتحرك في الليل ويخمد في النهار
. وكيف يعيش اهل هذا البلد ؟
. على جيوب أمراء البترول وتجار الحروب وسماسرة السياسة وهز الوسط وبيع الجسد وتجارة الخمور
. كلها أعمال لا انفع فيها وأمور لا اصلح لها
. تبدو وسيما وصوتك ريان وفيك لباقة وهذه أمور ذا منفعه
. وكيف يتم توظيفها ؟
. تعال معي وساعلمك
. وجد في شقتها كل أسباب الراحة وأعدت له فطورا ثم اوصلته الحمام وطلبت منه أن يغتسل من وعثاء السفر ثم ينام لساعات ليريح جسده المنهك وعند ساعات الظهيرة ستعود لشقتها ويكون بينهما حديث يرتبان فيه ما يتطلب عمله في القادم من الايام
. دخلت الشقة بهدوء رغم ما تحمل من حاجيات ولوازم رجالية من ملابس وعطور وأحذية فوجدته ينتظرها محتار لا يعرف ماذا يفعل للوضع الذي هو فيه فطمئنته وطلبت منه أن يكون هادئا ويجيب على أسئلتها بدون خوف وبدأت معه ..
. لماذا تركت بلدك ؟
. سامت الحياة هناك
. أعزب؟
. نعم
. كم لغة تجيد ؟
. الإنكليزية باللكنة الامريكية واللغة الام
. هل ترغب بأن تصبح ثريا مشهورا تتزاحم عليك الحسناوات؟
. ومن يكره هذا الحلم ؟
. اذا عليك اطاعتي من دون اعتراض أو نقاش ؟
. تحت امرك
. ساخفيك شهرا في مكان بعيد تتعلم فيه ( الاتكيت ) وفنون التعامل مع الآخرين بينما انا ارتب للوضع القادم وخلال هذا الشهر ساجهز لك جواز سفر أمريكي يختم بختم سلطات الميناء يوم الإعلان عن وصولك
. ولكن لماذا تفعلين ذلك وما مصلحتك فيه ؟
. هذا اول الأسئلة المرفوضة واعلم أن مصلحتنا واحدة وسانفق من جيبي انا ولا يكلفك ذلك شيئا
. اتفقنا شرط ان لا تعرضينني للمسائلة القانونية
. لك ذلك وساحميك من كل مايخيفك
. اخذت كل أوراقه الثبوتية وحملته بسيارتها الى مكان نائي واعلمته باسمه الجديد وشددت على أن لا يذكر شيئا من ماضيه أمام أحد ولايتكلم غير الإنكليزية بلكنتها الامريكية ثم دست في جيبه مبلغا ضخما واوصته بالتعلم السريع وعدم البخل على نفسه .
. بعد يومين من اختفاءه صرحت في أحد الصالونات المرموقة في العاصمة بأن قريبها الثري الأمريكي سيزورها من أجل القيام بمشاريع استثمارية هنا وستكون هي مديرة أعماله والمشرفة على كل أستثماراته في البلد وخلال أيام عرفت أغلب الصالونات اسم قريبها الثري وشاهدوا صوره وهيئوا أنفسهم للتعامل معه في مشاريعه المنتظرة وبعد انتهاء مدة الدراسة أرسلت من يذهب به إلى دولة مجاورة ويعيده إليها عن طريق البحر .
. استقبلته في الميناء بهيئته واسمه الجديد بسيارة فارهة وذهبت به إلى شقتها ثم أعلنت عن حفلة استقبال مصغرة دعت لها مجموعة صغيرة من الرجال والنساء وتم التعارف ورحب به الحاضرون وشربوا نخب وصوله بسلام
. بعد أيام استأجرت مكتب فخم وعينت موظفين وأعلنت عن إنشاء ناطحتي سحاب وفندق وأعلنت البيع فورا وهكذا تزاحمت المشاريع وجرت بين ايديها النقود وأقيمت الحفلات والاماسي وتزاحمت على المستثمر النساء حتى اضطرت إلى إخلاء شقتها له يقضي فيها خلواته بمن يقبل مواعيدهن وبعد مرور ستة أشهر من دون أن يظهر على الأرض شيئا توجس خيفه وشكا له وساوسه فطمئنته وطلبت من ان يبقى متماسك حتى الليلة القادمة
. في نهار اليوم التالي ذهبت به لشارع المصارف وحولت للخارج مبلغا باسمه القديم يكفيه العيش برفاهية لمئة سنة أخرى وحولت ما تبقى من مبالغ باسمها الى دولة بعيدة وعند العودة سحبت منه جوازه الأمريكي وبقية الأوراق وسلمته أوراقه القديمة وطلبت منه مغادرة البلد عن طريق الميناء فورا وبعد تاكدها من مغادرته استدعت اثنين من اعوانها وعقدت معهم اجتماع ثم اوصلها السائق للمطار وغادرت بشكل أصولي بحدود الساعة الثامنة مساء على مرأى من سلطات المطار
. في الصباح عثرت الشرطة قريبا من الشقة التي يسكن فيها على جثة قتيل مهشم الوجه تماما وقريبا منه جواز المستثمر الأمريكي وبقية أوراقه وبنفس الملابس التي شوهد فيها عصر أمس مع وجود علامات على أن الشقة تعرضت للاقتحام والسرقة فنشرت الصحف المحلية في عناوينها .. ( مقتل مستثمر أمريكي وسرقة كافة امواله بعد سفر مديرة اعماله بساعات في مهمة تخص العمل ) .