23 ديسمبر، 2024 5:11 ص

اغتيال سليماني اكبر خطأ ستراتيجي

اغتيال سليماني اكبر خطأ ستراتيجي

في محاولة بائسة من الرئيس الامريكي في كسر ارادة الايرانيين واجبارهم على التفاوض او على الاقل ارسال رسائل ترضية واذعان بطريقة ما للالحاح الامريكي على فتح باب الحوار ولو من الباب الموارب حتى وان افتقر الى الجدية؛غاب عن ترامب ان الايرانيون يدركون تماما من ان اي تقارب سواء بصورة مباشرة او بغيرها، تعزز فرصه في الفوز في معركته الانتخابية وهذا ما لايريده الايرانيون بسبب ما يلحقه بهم مستقبلا من ضرر بليغ.. في هذه المحاولة البئيسة وغير الموفقة؛ صدرت عقوبات امريكية جديدة، قال عنها الرئيس الامريكي انها قاسية وسوف تتبعها عقوبات اخرى، في حين قال عنها الايرانيون من انها ليس لها اثر اقتصادي وهي بالفعل كذالك. الضربات الصاروخية الايرانية وان لم تقتل احدا من الامريكيين كما يقول الامريكيون ولكنها اصابت اهدافها بدقة كبيرة والحقت اضرارا في قاعدة القادسية (عين الاسد) التى طالب ترامب العراقيين بدفع تعويضات او دفع كلف بناءها، عندما اقر البرلمان العراقي قرارا بانسحاب جميع القوات الاجنبية من العراق وكُلِفَ السلطة التنفيذية باجراء ما يلزم، على ما يبدوا ان ترامب لايعلم ان القاعدة تم بناءها في الثمانينيات من القرن المنصرم لمواجهة الكيان الصهيوني وحماية سد حديثة العملاق. ان الصراع بين الايرانيين والامريكيين في مرحلة ما بعد مقتل سليماني وليس ما بعد الهجوم الصاروخي الايراني على قاعدتين عراقيتين يتخذ الامريكيون منهما مقرا لتواجد قواتهم، هي غيرها ما بعد مقتل اللواء في الحرس الثوري الايراني. ان المتابعة لنوع الخطاب الايراني في هذه المرحلة التى اعقبت مقتل واحد من رموزهم العسكرية والسياسية في أن واحد وعلى لسان اكثر من مسؤول رفيع المستوى، عسكري او مدني؛ يلاحظ بلا ادنى جهد تحليلي من ان المرحلة القادمة حبلى بالكثير من التطورات. ان اغتيال اللواء سليماني كان اكبر خطأ ستراتيجي ارتكبه ترامب وغير قواعد اللعبة والاشتباك واعطى الجانب الايراني فرصة مناسبة في فضاء سياسي وعسكري، اقليمي ودولي مرتبك تمور تحته نار التحولات بتحالفات دولية واقليمية متقابلة على منصتين متعاكستين في الاهداف.. روسيا والصين وايران من جهة والامريكان ودول الخليج من الجهة الاخرى، مما يعطي الجانب الايراني قوة دفع قانوني.. واسناد سياسي ودبلوماسي في المجالين الدولي والاقليمي. الايرانيون تبنوا هدفا محددا، هو اخراج القوات الامريكية، بخطاب واضح، قالوا فيه؛ ان مقتل سليماني لايعوضه الا اخراج القوات الامريكية من المنطقة..واكدوا مرارا وتكرارا على هذا الهدف. ان الايرانيين جادون في تنفيذ هذا الهدف، لسبب جلي من انهم، ليس امامهم من طريق اخر للخروج من خوانق امريكا الاقتصادية.. او على الاقل العمل عليه بشكل او باخر. يبقى السؤال المهم؛ في اي مكان يتم استهداف القوات الامريكية وفي اي وقت؟ للاجابة على هذا السؤال علينا فحص الواقع المتحرك بسرعة على الارض؛ في العراق او في مياه الخليج او على القواعد الامريكية المنتشرة في دول الخليج العربي جميعها بلا استثناء عدا سلطنة عمان، وجود القوات الامريكية فيها، وجود متحرك غير ثابت. ففي العراق اقر البرلمان اخراج جميع القوات الاجنبية من العراق،القوات الامريكية والمستشارين الايرانيين لأبعاد العراق عن صراع الندين على ارضه. ان القانون الدولي يعاضد طلب الحكومة العراقية المستند على قرار البرلمان، وكذلك اتفاق (الشراكة الاستراتيجية) التى بموجب بنودها طلبت حكومة العبادي المعاونة والاسناد من القوات الامريكية ومن غيرها ايضا، لمحاربة داعش. لكن الحكومة الامريكية تجاوزت بنود هذا الاتفاق او الطلب، بقتلها الجنرال الايراني في مطار بغداد، وقبلها مهاجمة قوات عراقية في القائم، وهي بهذا التصرف تكون قد خرقت السيادة العراقية وبنود التفاهم بين الاثنين، مما دفع العراقيين على القيام بمهاجمة القوات الامريكية ومناطق تواجدهم فيها بالصواريخ. لذا تعمل جاهدة، الحكومة العراقية على ترحيل القوات الامريكية فقد طلبت رسميا من الحكومة الامريكية ارسال وفد لترتيب الانسحاب الامن لتلك القوات. الامريكيون ابلغوا الجانب العراقي من انهم سوف يرسلون في القريب العاجل، بناءا على الطلب العراقي وفدا ليس لترتيب الانسحاب بل اعادة التفاوض حول العلاقة الاستراتيجية بينهم وبين العراق، لكن الحقيقة هي غير هذا تماما. الامريكيون سوف يضطرون في نهاية المطاف للانسحاب الى كردستان العراق والكويت، بعد ان يعملوا على ترتيب جديد لهذه العلاقة، المالية والعسكرية والاقتصادية التى تضمن لهم، بقاء واستمرار نفوذهم. في سوريا الامر مختلف تماما، تواجه امريكا رفضا روسيا وسوريا لتواجدها الغير شرعي على الارض السورية. ففي النهاية القريبة سوف تضطر للانسحاب حين لاتجد مخرجا قانونيا (في تقابل ضدي، امام مصالح روسيا، الدولة العظمى والعضو الدائم في مجلس الامن الدولي، وهذا يعني الكثير لشرعة اجبار امريكا على الخروج تنفيذا للشرعية الدولية..)، تتحجج به للبقاء والاستيلاء على النفط والغاز السوريان في عملية قرنصة لامثيل لها في التاريخ الحديث. في السياق ان الارض السورية التى لم تزل تحت سيطرة الارهاب، هي محافظة ادلب وأخرى غيرها، تواجه زحفا سوريا بدعم روسي لتحريرها من ربقته. تجري الان تفاهمات بين روسيا وتركيا لنزع السلاح من فصائل الارهاب وتسليم المدينة للجيش السوري والحكومة السورية، سواء بهذه الطريقة او بالعمل العسكري ان فشل هذا الطريق. عندها يكون تواجد الامريكيون في شرق الفرات وفي دير الزور وبالتحديد في منابع النفط والغاز، وجودا غير مبرر طبقا للحجج الامريكية وهي محاربة الارهاب، مما يؤدي حتما وفي نهاية المطاف على اجبار الامريكيين بالخروج من سوريا كما اسلفنا في الايضاح المحصور بين القوسين. وهذا لايعني ان الامريكيين لن يقوموا باعمال تربك خطط الخصوم، على العكس تماما سوف يقومون بما يلزم من فتح جبهات مختلفة سواء بدفع عناصر الارهاب في كلا البلدين وبالذات في العراق او في فتح جبهات سياسية واقتصادية.. ولكنها لن ترتفع الى مستوى المجابهة المفتوحة على احتمالات التوسع غير المسيطر عليه..نقول ان مرحلة مابعد مقتل سليماني تختلف كليا عن ما قبلها وسوف ترسم ملامح المرحلة القادمة المختلفة عن ما فات من ملامح المراحل السابقة..