18 ديسمبر، 2024 6:27 م

اغتيال الهاشمي…جدلية الاحتمالات.. ومخاوف التصعيد

اغتيال الهاشمي…جدلية الاحتمالات.. ومخاوف التصعيد

لم تغبْ ظاهرة الاغتيالات السياسية والتصفيات الجسدية عن الواقع السياسي العراقي يوماً ، بل إنها كانت ولازالت حاضرة في تاريخ العراق والمعاصر منه على وجه الخصوص ، بيد انها أستفحلت بشكل مروّع بعد التغيير السياسي الذي شهده العراق في نيسان/ ابريل ٢٠٠٣ إبان الاحتلال الامريكي ، وباتت هي الحلقة الاخيرة لكثير من الخصومات والنزاعات السياسية والغلبة لمن يعجل على خصمه بقتله ، وما اكثر من قُتِل في العراق غيلة فقط لكونه يتبنى موقفا سياسيا او لربما قد يقتل على الظن والشبهة .
يوم امس فوجئ الجميع بخبر اغتيال المحلل والخبير الأمني والاستراتيجي ( هشام الهاشمي) امام منزله ببغداد ، في الوقت الذي تفرض فيه السلطات العراقية حظرا للتجوال بسبب تداعيات أزمة كورونا التي تعصف بالبلاد ، واللافت للنظر في مشهد مقتله ان الجناة كانوا على مستوى عالٍ من السيطرة واللامبالاة في تنفيذ مهمتهم ولم يكونوا مكترثين كما هي عادة الارتباك التي تصاحب من يرتكب مثل هذه الأفعال .
قُتِل الهاشمي في منطقة زيّونة وسط العاصمة وبدون اي ردة فعل فورية من القوات الأمنية في حينها ، وبدأت الاتهامات تترا حول الجهة المنفذة !!!
نعاه قادة العراق السياسيون ، واستنكروا الحادثة مع تعهدات حكومية بالقبض على الجناة -كما هي العادة – ، واضيفت عائلته الى قوائم اليتامى والأرامل في العراق مع الاسف وانتهى الامر بعد موارته الثرى في النجف الأشرف .
الهاشمي لم يكن رجلا عادياً ومقتله ايضا لم يكن عادياً ربما لان الرجل كان مثيرا للجدل … فالمعلومات تدل على انه كان في فترة من حياته مقرباً من الجماعات السلفية المتطرفة وله علاقات ببعض زعمائها توصف بالعميقة ،اضطر الى ان يغادر العراق بعد خروجه من سجن بوكا الى سوريا في عام 2007 ، وهذه المراحل من حياة الرجل أكسبته خبرة كبيرة بمجريات الأحداث السياسية في المنطقة مضافاً الى انه بحسب وصف المقربين منه كان ذكيا ومثقفاً ويجيد الإقناع عبر الطرح الهادئ الذي تتسم به شخصيته.
ظهر الرجل بشكل واضح في وسائل الاعلام بعد أزمة تنظيم داعش في العراق واحتلاله لأجزاء واسعة من أراضيه ،تحت عنوان خبير بشؤون الجماعات المسلحة وفي تلك الفترة أصبحت له صلات مهمة ايضا بالحشد الشعبي وفصائله كونه يمتلك الخبرة في تحليل تحركات الجماعات المسلحة ومايصاحب ذلك من أزمات .وقيل انه احد المقربين من رئيس الوزراء الكاظمي مؤخرا ، وربما يكون هذا احد أسباب اغتياله
أُثيرت يوم امس زوبعة من الاتهامات ُبعيد حادثة الاغتيال مفادها ان فصيلاً من فصائل المقاومة في العراق متهم باغتيال الرجل بعد تهديدات تلقاها هاتفيا من احد أعضاء الفصيل ، وتستند هذه الاتهامات الى ان تصريحات الهاشمي الاخيرة في وسائل الاعلام كانت تستهدف هذا الفصيل بعينه ، وتحديدا بعد ماشهدت المنطقة الخضراء سقوط عدد من الصواريخ والقذائف ، مستهدفةً مبنى السفارة الامريكية في بغداد ،وبعد أزمة اعتقال عناصر من هذا الفصيل من قبل جهاز مكافحة الارهاب ، الا ان هذا الاتهام قوبل باستنكار حاد من قبل احد قيادات الفصيل المذكور في بيان صدر عنه اليوم عزّى فيه عائلة ( الفقيد) الهاشمي وتوعد بإقامة دعاوى قضائية ضد من يُطلق التهم جزافاً ..
تنظيم داعش في منشورات على مواقع تابعة له تبنىّ عملية الاغتيال وفي اكثر من منشور مهددا بالمزيد! ولا اعلم مدى صحة هذه المنشورات من زيفها ولكنها انتشرت على اي حال …… بعض المراقبين أعتبروا عملية اغتيال الهاشمي هو جزء من عمليات ( تحجيم) نفوذ السفارة الامريكية الذي أخذ بالانتشار سريعاً بعد انتفاضتي اكتوبر وتشرين من العام الماضي .
البعض الاخر يرى في مقتل الهاشمي محاولة لارجاع العراق الى سنوات التوتر الطائفي من خلال إبراز مقتل الرجل على انه اسكات للصوت الوطني الذي يرفض التدخل الايراني الواسع النطاق في العراق وتغلغله على المستويات كافة.
كل هذا يصاحبه موقف خجول جدا من الحكومة والقوات الأمنية التي اكتفت بالاستنكار وتوعدت بالقبض على الجناة وتقديمهم للعدالة ، في ظل سخط شعبي واسع وانعدام الثقة باصلاح الواقع العراقي البائس .
بقي اخيرا ان نذكر ان هناك استعدادات لتظاهرات وحراك شعبي في قابل الايام ربما اذكى جذوتها اغتيال الهاشمي وازمة قذائف الخضراء والأزمتين الصحية والاقتصادية الخانقتين لمطالبة الحكومة باتخاذ دورها في حسم مشكلات الشارع العراقي بين امال التغيير ومخاوف محتملة لقمع الاحتجاجات في ظل أزمة هي الأعنف على الإطلاق لماتمر به البلاد و الرِهان على نجاح حكومة الكاظمي المتعسّرة.