كان ذلك في نهاية عام 2008 حين قابلت رئيس هيئة النزاهة في العراق القاضي رحيم العكيلي كمندوب صحفي حيث نشرت جريدة الزمان حينها كامل تفاصيل تلك المقابلة .
خلال تلك المقابلة التي استغرقت زهاء الساعة والنصف ، انتابني شعور خاص جدا لم أحس به خلال لقاءاتي الصحفية مع العديد من مسوؤلي الدولة بعد عام 2003 .
وجدت في كلام هذا الرجل ثقافة متطورة في فهم مجالات حقوق الانسان ، مثلما وجدت ان هذا الرجل يدرك الكثير من الحلول القانونية والمنطقية والمتطورة للتصدي للواقع الفاسد الذي تمر به كل مفاصل الدولة العراقية .
لم أجد في هذا الرجل ما نجده أو نحس به في معظم المسوؤلين العراقيين بعد 2003 وما نزال ، فالرجل فاهم لمعنى ( العدل ) وصادق في اقواله ، وأمين في مهنته ، وحريص على أداء واجباته ، ويمتلك دماغا متميزا ومتطورا يحاول به صنع وتوظيف القانون من أجل العدل ومن أجل خدمة كل أنسان عراقي دون تمييز ، فالقانون عند هذا الرجل ليس هو الهدف وأنما الهدف عنده هو العدل وحقوق الانسان وفق المنظور الحديث والمتطور ، وما القانون سوى الوسيلة المناسبة التي يجب تطويرها بأستمرار للوصول الى هدف تحقيق أقصى ما يمكن من حقوق الانسان .
خرجت من لقائي مع هذا الرجل وانا في حالة حزن كبير لم أحس به عند لقائي بأي مسوؤل سابق ، وكان جُلّ حزني يَتَرَكزُ في ما سيوؤل اليه حال مثل هذا الانسان العادل والشجاع وهو يشغل موقع المسوؤل عن محاصرة ومحاربة الفساد في دولة تتنازعها ايادي الصراعات المصلحية السياسية ، دولة مشلولة بكاملها بداء الفساد ،
حاولت بعد ذلك اللقاء البحث مزيدا عن هذا القاضي ، لمعرفة المزيد عنه وعن تاريخه الوظيفي قبل 2003 ، وكان أفضل مجال للبحث عنه هو المواطنين العراقيين الذين عمل وحكم بينهم قبل 2003 ، فوجدت ان الأغلبية تمتدح هذا الانسان وقد عمل حينها في محاكم الاحوال الشخصية في بغداد ، فهو كان القاضي النزيه والشريف الذي نادرا ما أشتكي احدا من ظلمه او من تجاوزاته .
نعم ، بعد لقائي بالقاضي رحيم العكيلي ، توقعت أن أسمع ذات يوم بخبر أغتيال هذا الرجل مع دموع مصطنعة للتباكي عليه ، الا أني أعترف لكم بأني لم يخطر على بالي بأن يتم أغتيال هذا الرجل مع الاصرار على مصادرة كل امواله المنقولة وغير المنقولة ، لا بل معاقبته بعد كل ذلك بتجويع زوجته واطفاله وحرمانهم من استلام الراتب التقاعدي الاصولي والخاص بمعيلهم الوحيد .
أغتيال القاضي رحيم العكيلي وظيفيا هو أحد الصور البارزة لكامل المشهد العراقي بعد 2003 !!