يتصاعد فعل الجريمة المنظمة بشكل سريع ومستمر,فقد اصبحت لها القدرة على التخطيط والتنفيذ والتسليح والحركة السريعة والتى تتجاوز فى الكثير من الاوقات قوة الاجهزة الامنية الرسمية. ان هذا التطور لم يأتى اعتباطا, فهى تعمل تحت وغطاء رعاية شخصيات رسمية واطار فكرى مؤدلج له صورة قاتمة وشكل محدد عن المجتمع والعالم,كما وتعمل بالمشاركة ايضا مع بعض الاجهزة الامنية. ان فرض الاتاوات, وسرقة مصارف ومحلات الذهب والمسوغات ومكاتب الصيرفة, بالاضافة الى تسليك المقاولات وفرض حصة ونسبة من حجم المقاولات وتهديد العوائل بقتل احد ابنائها المحتجزين لديها اذا لم يدفعوا بضعة الالاف من الدولارات. ان الجريمة المنظمة العراقية قد تجاوزت اسلوب عمل المافيا الايطالية العتيدة فى ثلاثينيات القرن الماضى, خاصة مع تشريع قانون منع تداول وشرب الخمور, انها كانت تشترى ضباط وافراد الامن وكذلك القضاة فى المحاكم ومدعون عامون فى الولايات, واستطاعوا بهذه الطرق ان يصبحوا ويستمروا لفترة طويلة نسبيا اسياد السوق والموقع الاحتكارى, ان المافيا العراقية لاتحتاج الى كل ذلك, انها قطاع هيكلى من نظام حكم ظهر مع قوات الاحتلال واخذ ينمو ويتطور بدون اى معوقات واصبحت اليوم قوة ضاربة تشمل فعالياتها كل محافظات الجمهورية. ان هذا الجانب يمثل ظاهرة الفساد المالى والادارى المستشرى فى جميع قطاعات الدولة.
اما الجانب الاخر فهو الجانب السياسى المتمثل بالارهاب والاغتيال والسجن والابعاد لجميع القوى التى تختلف مع الخط العام لدولة المحاصصة وفرسانها, هذه القوى, ليس بالضرورة ان يكونوا اشخاص وجماعات معارضين ويعبرون عن ذلك سياسيا و نشيطاء فكريا وتنظيميا, وانما اشخاص عاديين, مواطنين من هذا الوطن الاسير يعبرون عن ما فى دواخلهم وافكارهم بأشكال غير مألوفة, انها امكانيات وتصورات فردية تتناسب مع امكانياتهم الاجتماعية, الا انها تختلف تماما عن تصورات الوجاهة والاناقة والذوق لدى النخبة الحاكمة وتوابعها. وبما انهم يختلفون عما تدعو الية النخبة المسيطرة ويلاقون رضى وتفهم من قبل قطاعات واسعة من الناس وخاصة من الشباب, فهم يشكلون خطرا محتملا لاستمرارية النخبة الحاكمه, وعلية, ووفقا لمبدأ التجهيل والغيبيات وحملات اللاوعى المستمرة التى تقوم النخبة بالتخطيط لها, هم بذلك ضد كل جديد وجميل وتنورى, ولابد ان يقام علية الحد.
قبل بضعة سنوت, فى عام 2012 , رافقتنا “ظاهرة الايمو”,” انظر “الايمو ويوميات العنف” فى مجلة دراسات اجتماعية, العدد28 ص 184-188. كانت الايمو جماعة من الشباب ترتدى الملابس الضيقة وشعورهم الطويلة المسرحة باشكال غريبة ومختلف القصات والتزين بمختلف انواع الاساور والمحابس والزناجيل, والجلوس فى مقاهى اصبحت وكأنها مراكز لقاءاتهم. كان هؤلاء الشباب فى منتهى اللطف والوداعة, الا ان الحزن كان ماثلا فى وجوههم والخوف من المستقبل وفقدان الامل فيه. كانوا يبحثون عن امل ووطن يوفر لهم عملا وامنا يعيشون فية, يتمتعون بابسط قدر من الحرية والكرامة. وكما يبدو يبدو فأن هذه الامنيات والاحلام كبيرة جدا على دولة وحكومة المحاصصه ولا يصح التفكير بها, هؤلاء الشباب لم يشكلوا خطرا مباشرا على المجتمع والسلطة, الا ان الخطر الكبير, فى حقيقة الامر, يكمن فىى الارهاب والعنف والذى بدا بالمضايقات والاستهزاء والضحك والشتيمة والاهانة والذى اخذ يتصاعد الى الضرب ومن ثم تصاعد الى القتل والاغتيال. ان هذا الارهاب والجريمة تكتسب “شرعيتها” حينما تحصل فى وضح النهار وامام مرأى ومسمع رجال الامن, وحينما تنفى الحكومة فى شخص المتحدث الرسمى وجودهم والجرائم التى حصلت من دون ان تقوم بواجباتها فى حماية المواطن والاعتراف بحقوقه فى المواطنة والحرية فى التعبير والاجتماع.
يذكر رجال الدين دائما بـ” ان الله جميل ويحب الجمال”, اذن, ما هو الذنب الذى اقترفه الشهيد كرار نوشى ان يكون “ملك جمال العراق للرجال “فى عام 2012-2013 انه تتصرف وفقا لكلام الله وكلام الله هو السنة والشريعة, انه اطلق مشروعه دون الرجوع الى نظام المحصصة. هل يعلم رجال ونساء النخبة الحاكمة بانه فى منتصف الاربعينات قد حصل مهرجان لاختيار ” ملكلة جمال بغداد” والان وبعد 71 عاما كان كرار رائدا فى التخطيط لاقامة مهرجال لاختيار “ملك جمال العراق للرجال” اين يكمن الخطر والتجاوز فى ذلك؟؟. كان كرار حاضرا مرهفا وجميلا وجذابا, خاصة بتشكيلة الملابس التى يختارها, بألوانها البهيجة الشفافة والقبعة يبدو كأحد نجوم هوليود. ان كرار نوشى يمثل شابا عالميا حاضرا من القرن الواحد والعشرون, انه ظاهرة اجتماعية معاصرة من افرازات العولمة والتكنولوجيا الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعى العالمية وعملية الوعى والتنوير التى تتسع فى صفوف الشباب فى كل العالم, انها تريد ان تعيش وتدرس وتعمل وتحلم, هل فى ذلك تجاوزا يمثل جريمة لابد ان تنال العقاب؟؟. ان بؤس وفشل دولة المحاصصة فى جميع المجالات كان له تأثيرا كبيرا فى ظهور وانتشار مثل هذه التحديات. ان حكومتنا “الرشيدة” على عداء مع مواقع التواصل الاجتماعى, وكذلك ضد الانترنت لانها تفسد اخلاق الشباب ومتانة العائلة. يروج الان وعاظ السلاطين وبشكل منظم الى ان نسبة الطلاق المتصاعدة فى العراق ترجع اسبابها الى هذه المواقع واجهزة التليفونات النقالة, هل يريدون الرجوع بنا الى عهود سجون صدامالمنغلقة عن العالك؟؟ الا ان هذه الرغبة فى المنع لا تتحقق لان السيد المحتل قد فرضها ولايمكن تجاوز اصدارته لانها تمثل خطا احمر. ثم ما قدمت هذه النخبة, بتصنيفاتها المذهبية والقومية من فكر وسكوك وثقافة معاصرة تفاعلت, او يمكن ان تتفاعل مع تطلعات الشباب وديناميكية الثقافة العالمية المعاصرة . ان كل ما يؤكد عليه الاسلام السياسى من فكر واسلوب حياة, ليس فى العراق فقط, قد تصحر وفقد مرونته لانه حجب نفسة عن حركة التاريخ وتطور التكنولوجيا والافكار الحديثة وقد استهلك جراء التكرار والتدوير المستمر منذ قرون واصبح لايتماشى مع متطلبات الحياة ومستلزمات التطور. ان 14 عشر سنه منذ استلامهم للسلطة نجحوا فى تقويض النظام الاجتماعى وانهوا اى مساهمة للاقتصاد العراقى فى النهوض بالبلد, واشعلوا حرب اهلية دائمة منذ حوالى 8 سنوات, وحتى اذا تم تحرير الموصل العزيزة, فان الدواعش لهم موقعا هيكليا فى جهاز الدوله, دون الرجوع الى الطائفية وحزب البعث, انهم من كل الانواع والالوان وفى كل مكان.
كانت بغداد مدينة جميلة, نظيفة ومتحضرة وكانت معاصرة للمدن الكبيرة فى العالم المتحضر المتقدم مع الامكانيات المتواضعه المتوفرة انذاك بشواهدها الحضارية المعاصرة ايضا,ولكن على ايدى هذه السلطة قد تحولت العاصمة بتاريخها العميق الى مكب للنفايات والاوساخ والقاذورات, ان كل ما يمر بايدى هذه النخبة يتحول الى رماد وتحرقه النفوس المريضه. لا عجب ولا غرابة ان يقتل شاب يختلف تماما عن النموذج التى تريد النخبة المتسلطة الترويج له وبنائه, واذا كان قتل احد شباب الايمو عام 2012 من قبل الغوغاء وعلى مرأى رجال الامن, كنتيجة منطقية لطغيان الفكر الاحادى المتزمت ونشر الخرافات والغيبيات والوعى المتخلف, كعملية لم يخطط رسميا لها وتتسم بسبق الاصرار والترصد, فان قتل كرار نوشى قد كان مخطط له مسبقا وجاء بأوامر من شخصيات فاعلة فى الدولة والكتل السياسية, وقامت بالتنفيذ عصابات الجريمة المنظمة المسلحة. لقد اصبحت هذه العصابات المسلحة قوية ومؤثرة واكتسبت ديناميكية ذاتية بحيث يصعب على الجهات الحكومية المختصة مراقبتها والسيطرة عليها, انها اليوم الذراع الطويلة لقوى المحاصصه والدول المجاورة. ان مؤشرات المستقبل تؤكد على تصاعد عمليات اغتيال المعارضين من كل الاتجاهات, وذلك لاستمراروتصاعد فشل الحكومة فى الايفاء بالمتطلبات الحياتية للمواطن. ان الدول المتحضرة تهتم وترعى الفنون بكل انواعها وكذلك بالوجوه الجميلة من الرجال والنساء . لا زال الممثل الان ديلون الفرنسى له حضور ومحل احترام فى فرنسا, وكذلك جون تروفولتا فى هوليود. فى عراقنا العريز لا يهمش ويبعدا ويقتل, او يعيش فى فقر او يموت فى الغربة مشردا العلماء والفنانون والمبدعون, وانما ايضا من الرجال والنساء الذين منحهم الله سمةالجمال والوسامة. ان رجلا مثل المرحوم كرار نوشى لا يفكر ولا يخطر بباله فتاوى وتطبيقات “المتعة” و”المسيار” والزواج لعشرة دقائق بأجر. ان ذوقه ومشاعره الرقيقة تأبى ان ينحدر الى الحضيض, انه صادق مع افكاره وطموحاته. رحم الله الشاب كرار نوشى واسكنه فسيج جناته, وبئس المصير والموت لعصابات الجريمة المنظمة المسلحة.