10 أبريل، 2024 1:39 ص
Search
Close this search box.

اغتراب الذات في القصة القصيرة

Facebook
Twitter
LinkedIn

(مازلت احمل داخلي بقايا اغتراب مازلت اسأل :من أنا ؟؟؟ولا اجد الجواب). سامح عبد الهادي     ٠
تعد القصة القصيرة ظاهرة ادبية وثقافية متصلة بالعلم عبر تمثلها السردي ومنفصلة عنه بالتعبير الذاتي عن المؤلف كمنتج للنص وخالق للعوالم المتخيلة فيه ، وبعبارة ادق تربض القصة القصيرة على الحدود الفاصلة بين الفرد والمجتمع وتتحرك ذهابا وإيابا بينهما فهيه تجمع بين الواقع اليومي المعاش والأسلوب الحكاءى الخيالي والفني والاسطوري من خلال صنعها للحدث الذي يحدد غرابة الحياة وإيهامها ،اي الحدث الذي يوحي بالطبيعة العشوائية للتجارب التي هي دائماً اما تقع بسبب او بدون سبب ،مما جعل  كتاب القصة القصيرة باتصال دائم بالإحساس بوجع الاغتراب من واقع فقد الكثير من إنسانيته  وهذا الإحساس متصل بالطبيعة الإشكالية للشخصية داخل القصة والحدث كلما بدا الظرف بعيدا عن الواقع، وكما يقول نيدرياس ((ان المناخ النفسي والومضة السرية والنثر القوي هي أعصاب القصة القصيرة وروحها )) فالقصة هي العالم معبر عنه لفظيا وفنيا داخل بنية النص  ٠ تشكل مجموعة احمد الجنديل القصصية( أنا وكلبي والصقيع )واحدة من القصص القليلة التي تحاول المزاوجة مابين عوالم رمزية أسطورية وعوالم واقعية بأسلوب تهكمي ساخر يعكس مدى تشظي العالم   من خلال تشظي الذات واغترابها في دلالة واضحة على خيبة أمل الكاتب وشعورة بالوحدة من هذا العالم وهذا يتضح من عنوان المجموعة والإهداء (الى كلبي العزيز ٠٠٠٠ تقديرا لوفاءه) في إشارة لندرة هذا الوفاء في الطبيعة البشرية ، تتالف المجموعة من واحد وخمسين قصة تدور اغلبها بين عالمين عالم واقعي يصفه الكاتب ( في تلك اللحظات التي أعلن فيها عن مجانية الذبح لكل انواع العشق كان كلبي مشغولا بحشو راسي بالملح خوفا من التعفن ، خلف أسوار الجرح العراقي )وبالتالي جعل المكان الرئيسي العراق هو الحدث الأهم بكل جراحة وأحزانه شاهدا على  بوس أهله واغتراب  الكاتب عنه حين يقول ( كنت ارى الجراح تنكفى على الجراح والدماء تسيل على الدماء والخوف يلوذ بخوف أشد منه والفجيعة تغمر الأفق الواسع  ) فمشهد الحزن والانكسار في النص يعكس مدى الشعور الجمعي للعراقيين بالظلم والتهميش الذي يسيطر على ذاكرة العراقيين ولذي طالماحمله الكاتب كوجع ثقافي ونفسي مثل جرح لا يندمل باعتباره معبر عن ضمير هذا المجتمع ،  لينتقل المشهد  من المكان الرئيس الذي هو العراق الى المكان الخرافي او الرمزي وهو الغابة بما تحمله هذه الانتقالة من دلالات نفسية وجتماعية لدى المتلقي عبر محاكاة ساخرة وناقمة على الواقع وذلك عن طريق دفع  شخوص وأبطال  الغابة التي تتشكل من مختلف انواع الحيوانات الى نهايات تهكمية  ساخرة او في بعض منهامضحكة لجعل  الواقع اكثر ذاتية وميتافيزيقية  وأسطورية .ان هذه الإحالة  او الانتقال من المكان الحقيقي ( العراق)الى المكان المجازي (الغابة) هو عودة زمكانيه للحدث  تحمل بعد رمزي لبداية تشكل الوعي البدائي الاول بكل ما تحمله هذه العودة من اثار سلبية وإيجابية فالغابة وفق روية المؤلف هو المكان الأقرب لطبيعتنا وسلوكنا البدائي بكل ما يحمله هذا السلوك من مفارقات وأخطأ لذلك  اعتمد المؤلف في كتابتها أسلوب الميتاقص او الميتا سرد اي حكي الحكي حيث تتقاطع صورة  المؤلف الحقيقي الكاتب للقصة مع الراوي الضمني هو من يسرد الأحداث وهو الكاتب الذي ينوي كتابة قصة داخل القصة وهذا النص هو الذي سيشكل متن العمل والموضوع والحدث، لنكون امام خطاب ميتا سردي يتداخل فيه صوت الكاتب والراوي فكل منهما قاص كما ان صفة السرد الذي جاء بضمير المتكلم يجعل القارء يشعر بغموض وحيرة فيمن يروي الحدث لان الميتا سرد تتشظى فيه الذات الكاتبة الى اكثر من ذات :فذات المؤلف الحقيقي تتماها مع ذات المؤلف الضمني الذي هو الكلب وهذا واضح حين يقول في ؛ إيضاح (في رهبة اللحظة التي فيها ،وعلى نشيج الحرف المطارد في داخلي يحاصره سوط الجلاد في كل مكان كان كلبي يقف جانبي ، مدافعا بإسلا، يروي حكاياه ليبدد عني أشباح الرعب ويجعلني وإياه شاهدين على فصول الكارثة)ان اعتماد الجنديل على الميتاسرد أتاح  له  مساحة اكثر حرية وقدرة على خلق الحدث وتشيد عالمة وشخوص ابطالة من تفاصيل المحكي .ومن ثم إيجاد عالم وراء عالم المظاهر العادية او الواقعية يتح له اعادة انتاج معاني وقوانين بديلة لهذا الواقع الإنساني المزري وهذا يتضح في جميع قصص المجموعة التي تحاول عبر شخوصها الأسطورية كشف ما هو مضمر تحت سطح السرد من معاني  تدين القانون الإنساني وتكشف في الوقت ذاته حجم الاغتراب و الفشل الإنساني ووحشيتنا التي لا تصلح  لبناء واقع حقيقي حتى في اكثر العوالم وحشية وهي الغابة ،فحين نفشل في تحقيق الذات عبر الواقع نجعل من الكتابة وسيلة لكشف عيوب هذا الواقع ومدى اغترابنا  الروحي عن هذا الواقع المحزن ً وقد وفق المؤلف في ذلك حين حاول الوصول  بالحدث الى مستويات عدة تأخذ بعين الاعتبار نوع العلاقة بين المرسل والمتلقي باعتبار النص هو رسالة  تكشف حجم الدمار الذي أصاب الانسان من جراء أطماعه  ونزواته ،ففي قصة الفجيعة وهي اخر قصص المجموعة يفتتح الحدث( ياللهول !..ان تحل الكارثة بلا إنذار وبلا مقدمات تلك هي الفجيعة )وهو تعبير عن حتمية حدوث الفاجعة ويتأكد ذلك في موت كلبه وموت الكلب يمثل موت الرمز او الحلم بالوفاء والإخلاص  والتضحية فيقول بعد احتضانه كلبه (كي أشعره بالدفء في لحظاته الاخيرة ، بعد ما منحني إياه خمسين عاما ، لم اعرف عنه غير الحب والوفاء) وفي فقره  اخرى يقول (وداعا أيها الوفي سنلتقي قريبا ) وبذلك فقد جعل من موته الرمزي موتا إنسانيا لكل قيم الجمال والوفاء والحب في عالمنا وهو تأكيد على عدمية الحياة لدى الكاتب واغترابه عن واقعه ٠ ان ماتطرحة مجموعة (أنا و كلبي والصقيع ) من تساؤلات  وإشكاليات ثقافية واجتماعية وأدبية له مؤشر على تراجع الوعي الإنساني الى مديات خطيرة ومتدنية زاد ذلك  من حجم الشعور بالاغتراب لدى الانسان، امام واقع أخذ ينقلب علية سلبا٠
قراءة في مجموعة ( أنا وكلبي والصقيع) لي احمد الجندل

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب