نستأنف حديثنا عن الأسباب الرئيسية لاصرار السيد البارزاني في اجراء الاستفتاء الشعبي لانفصال كردستان في موعده المحدد..
لقد كان للعامل الاقتصادي اثره البالغ في تردي العلاقات بينه وبين المركز بعد ان خوت ميزانية العراق وتعذر على المركز الأيفاء بسداد حصة الاقليم كاملا منذ العام 2014 وخصوصا بعد انهيار اسعار النفط عالميا وكذلك الفساد المستشري في بغداد مما دفع الحكومة الاتحادية بالمماطلة تارة ومحاججة حكومة الأقليم بخروقاتها وتصرفها خارج السياقات والضوابط في موضوع تصدير كميات كبيرة من النفط لاتدخل وارداتها في الموازنة الاتحادية تارة اخرى.. مما احرج اربيل في الايفاء حتى بسداد مرتبات موظفيها واوقف فيها عجل الأعمار والأستثمار وقد بان اثره واضحا في الحياة اليومية للمواطنين الكرد وقد شكل ذلك سخطا شعبيا جيره البارزاني في حملة الاستفتاءّ التي تعاطف معها الاغلبية الساحقة متأملين ان الانفصال هو من سيجلب لهم العيش الرغيد وسيتخلصون من شريك ثقيل جاثم على صدورهم منذ امد بعيد !!
كذلك ففي تجربة الأستفتاء محاولة ومناورة سياسية للتغلب على منافسه حزب الوطني الكردستاني بزعامة مام جلال الطلباني واسكاته في موضوع خطير تؤجل معه كل الخلافات علما انهم يعارضوا بشدة بقاء عائلة البارزاني متسلطة على الشعب الكردي بشكل ديكتاتوري دون تداول للسلطة منذ العام 1992 وفق اتفاقات مسبقة انهت الصراع المرير بينهما وهو فعلا اليوم يحكم بدون شرعية منذ عامين كل تلك الاسباب مجتمعة وغيرها يضيق بها المقام تدفع البارزاني بالتصلب في موقفه ولن يترك الامر دون ضمانات دولية ولربما سيزيد من سقف مطالبه ليحرج الحكومة الاتحادية المهزوزة اصلا والمسلوبة القرار والارادة والساعات القادمة حبلى بالمفاجئات…
والآن ماهي المكتسبات وماهي المخاطر المحدقة بالاقليم التي سيجنيها البارزاني في حال اصراره على اجراء الأستفتاء في توقيته:
ففي حال تم اجراء مراسيم الاستفتاء والفرز واظهرت النتائج رغبة الشعب الكردي في الانفصال فستكون بيده ورقة ضغط رابحة جدا على المجتمع الدولي الذي يدعي انه مع الديمقراطية وحرية الشعوب ولن تستطيع معها الهيئات الدولية والمنظمات الأممية انكارها وستتعامل معها كواقع حال وستبدأ بعدها المفاوضات وستخف حدة التصريحات سواء من الدول العالمية او الأقليمية وحتى الحكومة الاتحادية وبذلك يكون قد خرج من عنق الزجاجة الذي حبس فيه الأكراد لعقود فسيسحب بعدها نفسا طويلا ليدأ جولة اخرى في استمالة الدول لمصالحها احداهما تلو الاخرى!!
كذلك سيحفر البارزاني اسمه في سفر تاريخ الاكراد كأول قائد كردي تحدى المجتمع الدولي وجمع شمل الأكراد وأسس لهم نواة دولتهم الحلم ..
أما ما سيجنيه الشعب الكردي من نجاح الأستفتاء والأنفصال فلا اظنه سيفرق كثيرا عن وضعهم الحالي سوى الجانب النفسي والمعنوي بالدرجة الأولى ..
للنتقل الى الوجه الآخر من الآثار العكسية للأستفتاء والأنفصال الكردي عن العراق ::
فان اتحدتا كل من ايران وتركيا التي تلتقي مصالحهما في عدم السماح للبارزاني بالانفصال لما يمثله من تهديد امني وقومي لبلدانهما ضد ذلك الكيان الصغير ونفذتا على اقل تقدير حصارهما عليه فهنا ستحل الكارثة من الناحية الاقتصادية اولا اما اذا تطور الأمر لأي تحرك عسكري مسنودا بالمليشيات والحشد الشعبي(الشيعي) فلا اظن ان الأسايش وبيشمركة الاقليم القدرة على المطاولة ,,ونحن هنا نتكلم عن المناطق الحدودية اما موضوع كركوك فلها شأن خاص وربما ستكون شرارة حرب اقليمية تأكل معها الأخضر واليابس..
ولنتحول آخيرا الى موقف الحكومة العراقية ولماذا يقفوا بالضد من حلم الأكراد بالانفصال وتشكيل دولتهم ومالذي سيفرق لهم ؟؟
ففي حقيقة الامر فان اضعف الحلقات في مشهد الاستفتاء والانفصال هي الحكومة العراقية الحالية لان البارزاني يعتبرهم تبع ومواقفهم نابعة من توجيهات المرشد الاعلى الخامنئي ولا يعير لهم اي اهتمام ورغما لمشاركة الاحزاب الكردية في تثبيت دعائم الحكم في بغداد ودورهم المعروف في تغليب مصالحهم اولا وهي فوق مصلحة العراق وهم كانوا السبب الرئيسي لما وصلت له الامور من تردي ولا يحق لهم اليوم ان يرموا باقي الاطراف بالفساد والطائفية لانهم شريك في كل ذلك وجميع من ساهم في هذه العملية العرجاء المشبوهة يقع تحت طائلة الاتهام والمسائلة لاحقا فلا يحق اليوم للسيد البارزاني وحزبه وحزب الطالباني ان ينسلوا مما اقترفوه بحق العراق ويستعاروا الان من حكومة بغداد رغما انها مجلبة لكل خزي وعار لانه حسب وصف البارزاني مؤخرا لها انه اكتشف انها عنصرية وطائفيه ولا يشرفه الاستمرار معها!!
ولكون ان العملية السياسية في العراق بعد احتلاله بنيت بطريقة تفتيت البلد لا توحيده والنهوض به فقد جائت جميع خطوات بريمر وقوانينه ودستورهم المسخ لتخدم الهدف التدميري لتحويل العراق الى كاتونات ينحر بعضهم بعضا..
فبعد ان اخرج السنة من معادلة التحدي للمشروع الايراني فلن يتوقف الصراع وينقشع الغبار حتى يتم تهيئة الساحة لتطاحن مرة اخرى لكن هذه المرة صراع شيعي كردي !!
اما لماذا يقف السيد العبادي وحكومته بالضد من توجهات شريكهم الكردي بتحقيق حلم شعبه فذلك لا ينبع اصلا من الخوف على وحدة العراق واحترام سيادته فهذا الكلام هو للتسويق الأعلامي والا فانهم اول من جلب المحتل للعراق ودخلوا اليه فوق الدبابة الالمريكية واخترقوا سيادته فالامر حقيقة في تضارب المصالح و يتعلق لمن يحقق سبقا ويسيطر على آبار النفط والمنافذ الحدودية ويبسط نفوذه على اكبر مساحة من الاراضي العراقية والمنافذ الحدودية!!
والا فما الضير من ان يتحول الاقليم الى دولة ويعلنها رسميا في حين يعلم الجميع بما فيهم السيد العبادي ان واقع الحال الذي تتعامل به حكومة اربيل مع بغداد هو كتعامل دولة ند مع دولة ..
فلهم علمهم وبرلمانهم ووزرائهم وجيشهم ومنهجهم الدراسي والثقافي ومطارهم وقضاءهم وجميعها خارج سيطرة بغداد بل ان العبادي نفسه ليس له صلاحية تعيين ونقل ابسط موظف في قصباتها !!
فعن اي سيادة تتكلمون وتحذرون وتخشون فقدانها ياسيد العبادي؟؟؟
بل على العكس حري بكم ان تعينوا البارزاني على انفصاله برغبته ورغبة شعبه (( على ان يكون لكركوك وضع اممي خاص)) يجنب المنطقة الكوارث ..
وربما قد يكون فيه مصلحة له ولكم فستتخلصون اولا من عبئ ثقيل ينوء بكم من كل عام في استقطاع الحصة المقررة 17% من الميزانية لتصرف على مناطق العراق المدمرة بدلا من ذهابها لجيوبهم الخاصة كما تدعون !!
كما انه سيترشق الجهاز الحكومي من المناصب العليا الكردية وحماياتهم ومكاتبهم وقصورهم وبعدها تستطيعوا التفكير مليا مع شريككم الوحيد السني العربي في رسم خارطة طريق بعيدا عن التبعية والطائفية في النهوض بالعراق …
فمن يرغب بالانفصال فلابد له يوما ان ينفصل فلا داعي لغلق الباب عليه فلن يكون عندها شريكا مريحا منتجا!!
واللبيب تكفيه الاشارة دون العبارة وجنب الله العراق الويلات والآهات فلم يعد في القوس منزع…