لعب الاعلام المقروء والمسموع والمرئي خلال عقد الكوارث (2003- 2013) دورا مهما جداً في عملية التعبئة الايديولوجية والسياسية والتلاعب بالعقول. فكان من جهة الراصد للحدث وجعله خبراً مقروءاً او صوتاً مسموعاً او صورة مرئية، والناقد للتطورات السياسية والامنية وما يستتبع ذلك من اوضاع اقتصادية واجتماعية وثقافية. ومن جهة اخرى كان الاعلام عائقاً امام الاحزاب والميليشيات، يفضح مشاريعها واختباءها وراء شعاراتها وايديولوجياتها الكاذبة. ولهذا السبب سعت الجهات – احزاب وميليشيات- الموجودة على الساحة العراقية الى الاستيلاء اولاً على اعلام الدولة وان يكون لها اعلامها المقروء والمسموع والمرئي، وفي الوقت نفسه ضمن الاعلام الحر والصحافة عن طريق التهديد واجبار الصحف على تبني مواقف معتدلة او منحازة لها او اغتيال رؤوسائها ومحرريها او دفعها الى التوقف القسري .
واكب تراجع دور الاعلام الرسمي نتيجة الانقسام السياسي والمناطقي وضعف الدولة في الامساك بمجتمعها وقواه السياسية، الظهور التدريجي لوسائل الاعلام المنشورة والمسموعة شبه الشرعية، وكذلك المرئية، فظهرت حاجة ماسة لدى المواطنين للاطلاع على مختلف الاذاعات سواء ممولة او مستقلة او ميليشياوية لاستقصاء الاخبار والهموم حول الوضعين الامني والسياسي بغض النظر عن التبعية السياسية لها. لذا، شكل هذا الاعلام وسيلة فعالة ذات حدين: رفع المعنويات ومساعدة الفريق الحليف على الصمود، والدعاية وشن الحرب النفسية على الفريق الآخر.
وكان هذا الاعلام سلاحاً استراتيجياً اكثر منه وسيلة اعلام يتم من خلاله سلب الدولة اهم وسيلة للتواصل مع شعبها وترويج القيم الاخلاقية وروح المواطنة فتتمكن القوى الميليشياوية والحزبية عبره الدفاع عن خطها السياسي وبث الحرب النفسية ضد الخصم وتمرير ايديولوجيات وسياسات طائفية وحزبية ومناطقية بغايات دعائية لاستقطاب المواطنين والتعبئة وتقوية الشحن النفسي ضد الآخر، والارتداد على كل ما هو وطني. ومما ساعد على ذلك انكفاء الاعلام الرسمي وتمكّن الاعلام الحزبي الميليشياوي الخاص من استقطاب اعداد وفيرة من الاعلاميين والفنيين والاداريين المتخصصين مستفيداً من الازمة الاجتماعية المعيشية ومن مرتباته المرتفعة، فأدى هذا الى توفير المورد البشري المتخصص لاعلامه مما افسح المجال امام توالد المطبوعات والاذاعات والفضائيات شبه الشرعية ولعب دور رئيسي في ترويج ايديولوجياته وثقافته وسلوكياته وقيمه في آتون الصراع السياسي الميليشياوية.
ضمن الحرب النفسية المتبادلة بين طوائف المجتمع العراقي عملت الصحافة العراقية الشرعية وشبه الشرعية والاذاعات والفضائيات الحزبية والميليشياوية… على ترويج الاخبار المختلفة وتغذية التناقضات والنعرات بين العراقيين وتضخيمها والتركيز على الفروقات والنواحي الخلافية بينهم، كلُّ من اجل تعبئة شارعه خلفه، فشكلت المساجلات بين شخوص الطوائف العراقية، وامتيازات هذه الطائفة التي يعارضها الطرف/ الاطراف المقابلة، وشعارات الغبن والحرمان واللامساواة التي رفعها هذا من دون ذاك، والغاء الطائفية السياسية، وتطبيق العلمنة والمشاركة في الحكم، وصلاحيات رئيس الحكومة، والاصلاحات الدستورية، والديموغرافيا الطائفية، وعدم التماثل الطبقي الاجتماعي، والهوية والعروبة والقومية العربية والامة العربية والقومية العراقية والخصوصية والامة الاسلامية والعراق الواحد الموحد، والعراق الفيدرالي واللامركزية… موضوعات نقاش بوب في الاعلام، شدت اليها بعض المواطنين القابعين في منازلهم، كما لم تخل نشرات الصحف وبرامج الاذاعات والتلفزيونات من اللعب على الاختلافات الدينية بين الطوائف العراقية وصولاً الى زيادة الفرقة ومنع التلاقي.
وبفضل هذا الاعلام اصبح للمواطنين صورتان متناقضتان عن كل طائفة حول الحياة الاجتماعية لدى الطائفة الاخرى او تطلعات الحزب/ الفريق القابع هناك، فمن خلال عرضها لمظاهر العنف المختلفة على صفحات الجرائد او بثها عبر الاذاعات والفضائيات، كانت وسائل الاعلام في الواقع تدغدغ افكار الناس واحلامهم وتثير نعراتهم الطائفية وشهواتهم ورغباتهم الدفينة خصوصاً لدى الشباب منهم.
ومن خلال المانيشيتات الاستفزازية واختيار صور الغلاف ومطالع النشرات الاخبارية والتعليقات ونقل الخطب السياسية والحزبية والميليشياوية والتصريحات المتطرفة والمواعظ الدينية المفرَّقة والكاريكاتير السياسي والتركيز على المناسبات الاحتفالية الدينية والسياسية، كانت تسهم في تعبئة النفوس بنيران الحقد والثأر وفي تعميم دعوات العنف وبث ثقافة الخوف البيولوجي والهلع والرعب عبر الصور التي تُبث لما تسببه السيارات المفخخة وعمليات الخطف والاغتيالات والتفجيرات.
عملت الصحف اليومية على طرح الموضوعات من وجهات نظر سياسية وايديولوجية معينة للتلاعب بعقول القراء تحقيقا لاهداف الاحزاب والميليشيات الممولة لها.ويتبين من دراسة هذه الصحف التي صدرت بعد 9/ نيسان/ 2003 بداية عقد الكوارث، ان عناصرها الايديولوجية دارت حول (نحن وهم) وطغى عليها كل ما يتعلق بالكيان العراقي ومكوناته الاجتماعية. وقد اخذت القيم الدينية حيزاً ملحوظا في النزاع في وسائل الاعلام، وفي مجتمع منقسم على نفسه طائفياً ومذهبياً، كان بث هذه القيم واظهار تفوقها وسموها على القيم الدينية للفريق الآخر الى درجة احتقارها، يؤدي الى تدعيم الانتماء الى هوية الطائفة او المذهب وتذويب الكيان الوطني الذي ينبغي عليه ان يحتضن الجميع.
من المؤكد، ان وسائل الاعلام المرئية هي الاكثر تأثيراً في المشاهد ذلك لانها تواكبه صورة وصوتاً وتفعل به من ناحية التوجه السياسي والايديولوجي الذيتهدف اليه.
من هنا بدأت الاحزاب/ الميليشيات تهتم بامتلاك هذه الوسيلة الاعلامية خدمة لاغراضها. وقد اخذت هذه الفضائيات تتوالد في العراق على قاعدة الانقسام الطائفي/ المناطقي، السياسي، الايديولوجي.
وعبر الصوت والصورة حاولت الاذاعات والفضائيات الحزبية/ الميليشياوية… الدعاية لنفسها وبث كل ما يفرق بين العراق من نواحي السياسة والدين والثقافة والهوية ووحدة العراق وصولاً الى المصير المشترك، فتحول الشاشة الى وسيلة تجاوزت هدفها الاعلامي المجرد الى هدف يقوم على:
– ضبط سلوك المواطنين في الحيز الجغرافي واعادة تربيتهم وفق سياسات وايديولوجيات معينة وتجييشهم.
– بث الدعاية الموجهة الى الطرف الآخر لتمرير ايديولوجيات وسياسات لغسل الافكار والتأثير في المواقف او التأثير النفسي السلبي في معنويات مواطني الجانب الآخر. وكان هذا يتم عبر بث التقارير المصورة عن الخراب في الشارع العراقي من وجهة نظر وسيلة الاعلام وعرض مشاهد واخبار منتقاة فضلاً عن الصورة والبرامج التي تظهر التفوق على الآخر في قدراته او في ثقافته وحضارته وتاريخه.