23 ديسمبر، 2024 1:20 ص

اعلاميون ضائعون في عالم الترند

اعلاميون ضائعون في عالم الترند

انتشرت القنوات الفضائية و الاذاعات واصبح العمل الاعلامي وتحديدا في الشاشة و الاذاعة هو “الترند” او الاكثر طلبا بعد عام ٢٠٠٣ ومع ضياع الضوابط و المؤهلات و غياب المحاسبة عن الاخطاء والمحتوى من قبل جهات رقابية دخل كم هائل من غير المؤهلين بالظهور بالشاشة او الاذاعة واصبحوا بفعل الواسطات والادارات الطارئة على المهنة “مذيعون” بل لم يكتف هؤلاء بهذا المسمى الوظيفي بل خلال اشهر صاروا يطلقون على انفسهم “اعلاميون” والذي دعم هذا الوهم الذي يعيشونه هو مؤسسات تسمى “اعلامية” عززت لهم هذا المسمى.

ومن المؤسف ان مهنة الاعلام المهمة والمؤثرة على عقول الجماهير وصانعة الراي العام ومحركة تمت الاساءة لها بسبب الداخلين على المهنة والذين اعتمدوا اسرع اسلوب للشهرة وهو “الخروج عن المالوف و عن الاخلاق” لكي ينتشر اسمهم بين العامة، ومع تكرار هذا الاسلوب تمت الاساءة الى مهنة الاعلام بشكل كبير جدا.

لم يتوقف المسيؤون للمهنة في عالم الاعلام فقط بل انتقلوا الى مواقع التواصل حيث وضعوا لقب “الاعلامي او الاعلامية” ونشروا محتوى “عشوائي همجي غير مفيد مخجل” ليصلوا الى “الترند” او الانتشار وهو قمة طموحهم ومابعده الطوفان.

الكثرة تغلب الابداع

مع ازدياد عدد الداخلين على مهنة الاعلام و اساءتهم لها على المستويين الاعلام الاصيل و البديل “مواقع التواصل”، ضاع المبدعون الاعلاميون الذين يعملون ضمن الضوابط و الاصول المهنية والتي تفرض عليهم تقديم اسلوب مهني متقن منضبط صحيح غير منحط كما تفرض عليهم المهنة التصرف امام الشاشة وفي الاذاعة وفي مواقع التوصل الاجتماعي ضمن اطر محددة لا يمكن الخروج عنها من اجل “الترند” او “الطشة” لتحقيق الشهرة، وضياع المبدعين الحقيقين ليس في المؤسسة بقدر ماهو ضياع اسماءهم لدى الجمهور المتابع، فبدل ان يقال الاعلامي الفلاني كان رائعا يقال ان الاعلامي الفلاني سب وشتم و تصرف باسلوب وقح مع الضيوف.

مواجهة الترند بالترويج

ان العمل لمدة طويلة بشكل صحيح و الحصول على خبرة عميقة في المهنة و التميز و الابداع فيها يولد مسؤولية اضافية لكل اعلامي وهي “ان يكون مدافعا عن مهنته وان يواجه الباحثين عن “الترند” او الداخلين على المهنة، لكي يكون هو المنارة المضيئة للاجيال الجديدة من الباحثين عن “مُلهم في العمل الاعلامي لكي يسير على خطاه او يقرا عن سيرته او يتواصل معه لكي يستفيد من خبراته ومهاراته”.

ولكي يواجه موجة الاساءة للمهنة و الباحثين عن الترند يكون الحل في “الترويج لنفسه” باقصى ما يمكن وبكل الاساليب “الصحيحة” لكي يكون اسمة مضيئا في عالم العشوائية المظلم.

اما اساليب الترويج هي

١ ان يكون حاضرا على كل وسائل التواصل الاجتماعي وبقوة وان يمارس نشاط النشر و التفاعل، مثلا تاسيس صفحة فيس بك ونشر اخباره و كتاباته و عمل الاعلامي عليها، او حساب تويتر وانستغرام و سناب و غيرها و استمرار النشر بشكل دوري.

٢ ان يروج “ماليا” لصفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو امر طبيعي جدا ان يمول اعلان مدفوع لكي يسهم في انتشاره بسرعة وبشكل كبير، فالطرف الاخر المسيئ للمهنة يفعل كل ماهو غير اخلاقي وممنوع لكي ينتشر، لذلك ليس من العيب او الخطا ان يمول المبدع اعلانا لكي ينتشر هو الاخر.

٣ موقع الكتروني رسمي، وهو من الخطوات المهم جدا وقد لا اضعه ضمن مواقع التواصل الاجتماعي لان الموقع الالكتروني هو “ملك حصري لصاحبه يمكنه من التحكم بمحتواه كما يشاء” وليس كما في حسابات مواقع التواصل التي تجعلك تحت مضلة الشبكة الاجتماعية و التي قد تغلق صفحتك لسبب او لاخر ويضيع معها وجودك في العالم الافتراضي، الموقع الالكتروني لايمكن ان يغلق بسبب جيش الكتروني او منشور لايعجب البعض، بالاضافة الى ذلك هو مرجع رسمي لكل تاريخ الاعلامي منذ دخوله المهنة، ففيه سيرته و تاريخه و ماذا قدم و اين يعمل وتجاربه و الكثير من المعلومات المهمة التي يبحث عنها الداخلون الى المهنة، كما ان الموقع الالكتروني يسهل الوصول الى اسم الاعلامي في محرك البحث بالتالي يسهم في شهرته وانتشاره لدى الجمهور.

٤ ان يكون منتجا في مجاله، اي يكون كاتبا للمقالات في الصحف العربية و المحلية و ان ينشرها في حساباته ومعها صورته لكي يتعرف عليه القارؤون، ان يحضر المؤتمرات و الندوات ويعرف عن نفسه كاعلامي، ان يبني علاقات بشكل مستمر مع الاعلاميين الاخرين او اصحاب المهن الاخرى، ان يقدم دورات ونصائح لمن يود الدخول الى المهنة، ان يؤلف كتابا ويسوقه ويروج له وغيرها الكثير من النشاطات التي تبرز اسمه اكثر.

الشاشة و الاذاعة لم تعد كافية

مع انتشار الشاشات و الاذاعات لم تعد قدرة الجمهور و الداخلون الى المهنة كبيرة على تذكر كل اسماء العاملين في هذا المجال، كما هو في السابق عندما كان في العراق مثلا قناة واحدة لتصبح اثنتين وثلاث، وهو اقصى عدد لقنوات يصلها العراق قبل ٢٠٠٣، ففي ذلك الوقت كانت الاسماء معروفة لانها معمرة في الشاشة وهناك ضوابط كبيرة لاختيارها بالاضافة لكفاءتها و خبرتها و غيرها الكثير من المؤهلات التي تتمتع، اما زمننا الحالي فالاعداد كبيرة والقنوات تغلق وتفتح واحدة في كل مدة، لذلك يفضل ان يعزز الاعلامي اسمه بالترويج المستمر في النواحي الاخرى غير الشاشة و الاذاعة لكي ينجو اسمه من امواج التشويه و لكي ياخذ مكانه الحقيقي اجتماعيا بعد ان قدم جهدا مميزا وعملا ابداعيا لسنوات طويلة.

مثال خارج عن موضوع المقال لكنه ضمن الموضوع

ينطبق المقال على كل المبدعين في مجالهم ومن الامثلة الرائعة على الترويج الذاتي هو الدكتور “خزعل الماجدي” المختص في علم الاديان المقارن و التاريخ و الحضارة، فهو يقدم محاضرات متخصصة بعلم مقارنة الاديان واصولها و تطور الحضارات و الفكر الانساني، ورغم ان الجمهور الباحث عن هذه المواضيع “نوعي جدا” ولديه “افاق فكرية وثقافة كبيرة جدا” لكن د. خزعل الماجدي نجح بقوة في جمع هذا الجمهور من عدة دول و جنسيات و اكتساب جمهور جديد ادخله الى عالمه ومواضيعه، بل واستطاع ان يثقف ويغير افكار كثير من المتابعين ليس فقط عن طريق كتبه بل عن طريق الترويج لعلمه ومعرفته في قناته على يوتيوب والتي حصدت اكثر من ٧٠ الف متابع والاف المشاهدات لمحاضراته الممتدة بين ١٠ دقائق و ٣ ساعات، وانا احد الذين اكتشفته بالصدفة وعند متابعتي له ادخلني على هذا العالم والعلم واثر بافكاري كثيرا وصرت احد متابعيه، حتى انني اخصص وقت للاستماع لمحاضراته، لو ان د. خزعل الماجدي لم ياخذ بنفسه خطوة الترويج لما عرفته شخصيا وقد يكون جزء صغير من ٧٠ الف متابع على يوتيوب قد عرفوه واثر بهم، كان هذا مثال خارجي لكن ضمن موضوع المقال يدل على اهمية الترويج للذات.