موضوع الفساد واحد من أهم المواضيع التي يعاني منها العراق في الوقت الحاضر رغم كل الجهود للقضاء عليه ويعيش كواحدة من اهم أزماته الكبيرة وعلى مختلف الأصعدة، ويحتاج الى آفاقاً جديدةً للتعاون مع المُؤسَّسات الدولية، لا سيما برنامج الأمم المُتَّحدة الإنمائيِّ (UNDP) ومُنظَّمة الشفافية الدوليَّة لمساعدته للخلاص منه والتي تراكمت بسبب الحروب التي خاضها، وحجم الفساد في الدولة العراقية وكما نقلت بعض المصادر، بلغ مستويات قياسية خطيرة وأرقام مهولة، فمنظمة الشفافية العالمية صنفت العراق من ضمن الدول الأكثر فسادًا في العالم ” في عام2017 حل العراق في المركز (169) بين (180) دولة على مؤشر الفساد الذي نشرته منظمة الشفافية الدولية. ويعتمد مؤشر إِدراك الفساد في البُلدان والأقاليم على أساس مدى فساد قطاعها العام “،وهناك 13 ألف ملف معطل منذ 2003 للفساد في العراق لم يتم تحريكها واتخاذ إجراءات بحق المشاركين فيها منذ ذلك التاريخ .هذه المشكلة المتفاقمة تثير غضب واستياء الشارع العراقي الذي يخرج بمظاهرات حاشدة مستمرة تطالب بتوفير الخدمات ومحاسبة المفسدين .
من المعلوم ان من خلال ثقافة الفساد يتمُّ إفساد “المفاهيم” أولا بُغية إفساد الأفكار وقلب الحقائق، في تُقدّم الرشوة في بنية مفاهيمية تحمل دلالة الذكاء وحسن التدبير كما يعتقد فاعلها، وتُروَّجُ قيم الخداع والمراوغة والغش والنصب والاحتيال والتحايل والعنف كأخلاق ثابت وواقعي لهذه العناصرالملوثة للمجتمع تحتاج الى التأديب القانوني والاجتثاث في حالة التكرار بعدها .
ان الكثير من المسؤولين في العراق يبحثون عن مصالحهم ومن هنا اصبح الفساد ظاهرة عامة موجودة في اجهزة الدولة اليوم ما في شك ولايمكن انكاره بوجوده في سلوكيات الكثير من الناس وفي القطاعات الاقتصادية المختلفة والاحزاب كماهي موجودة في القطاع الخاص وفي المكاتب الاقتصادية للاحزاب السياسية ، فالفساد في البلد اصبح عام ومنبعه الفساد في القيم الحقيقية التي غابت عندهم ، فعندما تحل قيم المنفعة والمصلحة محل قيم المبادىء والمثل بالتأكيد يتحول الانسان الى عبد لنزواته وتتفسخ لديه الكثير من القيم الايجابية الى قيم سلبية سواء كان هذا الفرد داخل الاسرة او الادارة او الحزب فان نهجه هو تحقيق قدر اكبر من المنافع ولو بأحط السبل والاساليب وبخاصة في عصر اصبحت قيمة الانسان فيه تتحدد بحجم ما يملك ، أي ان فساد القيم يترجم بفساد في السلوك والممارسة والفساد داخل الاحزاب يترجم في صراعات وانشقاقات والفساد في الادارة يتجسد في سوء استخدام الموقع الاداري . والفساد يمكن أن يعرف بالسلوك والممارسات القانونية في استغلال القانون والغير القانونية اي العبورعلى القانون و التي تعكس الضرر على مصالح المجتمع بالكامل و أحياناً عندما نعرف الفساد في إطار مفهومه القانوني يعني أن هناك بعض التشريعات والسلوكيات والممارسة وفق إجراءات حكومية تولد الضرر على المجتمع وتستغل من ضعاف النفوس نتيجة لممارسة هذا الإجراء لما يلحق الضرر على الافرد و المجتمع وعلى اسس الدولة نفسها؛ وأحيانا هناك سلوكيات وممارسات تمارس من قبل المسؤولين خاصة النافذين الذين يملكون مشاريع ومؤسسات مختلفة فهم يستوردون ويتاجرون ويستثمرون دون أن يدفعوا ضرائب او كمارك وهذه ظاهرة من ظواهر الفساد منتشرة بشكل كبير الى درجة ان هذه الفئة تسيطر على اكثر من ثلثي الاقتصاد العراقي فمن المفروض ان يحرم على المسؤولين في ممارسة أي نشاط تجاري وهم في الدولة لانهم وبلاشك يستغلون موقعهم في الاثراء واختراق القوانين والانظمة ، واهدار امكانيات الدولة ويتم ايضا من خلال رصد ميزانيات مشاريع وهمية والتي انتشرت خلال السنوات الماضية باشكال ملفتة غريبة وعجيبة دون حساب او رادع وخاصة بين اعضاء مجالس المحافظات او ميزانيات صرفت كانت مبالغ فيها جدا ووصلت الى اضعاف التكلفة الحقيقية لتلك المشاريع . إن مواجهة الفساد والحد منه يعد التزاماً على الحكومات الصالحة بل وعلى المجتمعات ذاتها ولكن هل الحكومة الحالية تستطيع كبح هذه الظاهرة ..؟ فلا اعتقد بانها قادرة من ان تعمل ذلك ولكن تتشبث بها وهي اليوم مهدد بالتغيير لانها عجزت منذ ان باشرت بعملها في الاشهر الاربعة الماضية على ان تخطو خطوة واحد للامام وللحد من هذه الظاهرة او على الاقل تقليصها ،
لابد وأن تبذل الجهود سواء على مستوى وضع السياسات أو تطبيقها ، كما أنه يجب أن يتم استحداث الآليات الفعالة لمواجهته ، لكي يعد ذلك مؤشراً على الحكومة الجيدة والشفافة فى إدارة شؤون الميزانية العامة واحترام حقوق الشعب وحماية حقوق الإنسان ووجود التزام سياسى بمكافح من يمارسها باعتباره يمثل ظاهرة متشعبة وخطرة ومعقدة ولذلك يصعب وضع سياسات محددة وعامة التطبيق لمواجهته انما يحتاج الى سياسة محكمة وحكومة قوية في المحاسبة والادارة بمشاركة شعبية مدروسة ، ذلك أن هذه السياسات ترتبط بشكل كبير بسلوكيات وليس فقط بقرار ، إضافة إلى أنها تتشابك مع مؤسسات وجهات رسمية وغير رسمية عديدة ، وهو ما يتطلب بالضرورة إدخال وإشراك العديد من الجهات الامنية والاستخبارية وفى التوجهات التى تعمل على وضع السياسات لمكافحته . ووجود توافق وطنى يهدف إلى تطوير رؤية إستراتيجية واضحة لمكافحته وتبني خطط لتطوير البنية التشريعية ومواءمتها مع الواقع السياسي والاقتصادي للبلد . من خلال إنشاء لجان قانونية وتحمل المسؤولية الوطنية والصلاحيات القانونية للتنفيذ الفوري قبل هروب الجناة او المشتبه بهم ، ووضع خطط تتناول كل جوانب ومظاهر الخلل والعلل ، بالإِضافة للتطبيق القانوني السليم الحاجة الى وعي فكري منهجي تجاه هذه الظاهرة مِن المسؤولين والمواطنين على حدٍ سِواء ووضع أسُس ومعايير واضِحة تضمن حسن تطبيق القانون بصورة تُسهل على الجميع كشف مواطن الفساد والتبليغ عنه ومعاونة أَعضاء الهيئات الرقابية والقضائية للوصول إِلى الحقائق التي تؤَدي إِلى مُعاقبة المفسدين وحماية العدالة الاجتماعية. نهاية القسم الثاني.