المتتبع للشأن السياسي ، قد لايجد اي خطاب عدائي ضد اياد علاوي ، سواء من المرجعيات الدينية الرشيدة في النجف الاشرف ، أو الجانب الرسمي الايراني ، الجبهتين ( الداخلية والخارجية ) اللتين يفترض ان يستمد منهما الخطاب الطائفي العدائي شرعيته وقوته ، استنادا الى حجج اعداء الرجل .
الاكثر من ذلك ، ان قيادات مرجعية لا تخفي في مجالسها الخاصة ، وحتى في العلن ، تقديرها الشديد لعلاوي الذي جنبها ، اثناء رئاسته الوزارة الاولى ، حرج الانغماس بتعقيدات وظائف الدولة التي تكفلتها المؤسسات الرسمية على اتم وجه اذبان عهده ، موفرا على المرجعيات التدخلات التي تضعها ازاء واحدة من تهمتي الافراط او التفريط بحقوق الطائفة ، الحاصلة مع الحكومات اللاحقة . الامر ذاته ينسحب على الموقف الرسمي الايراني ، الذي حاذر ، رغم وجود خلافات عميقة بين الطرفين ، من التهجم على شخص الدكتور علاوي ، مستحضرا ، ربما ، تصاعد وتائر التعاون السياسي والاقتصادي والامني والتنسيق في مكافحة الارهاب بين البلدين ، ورفض الاخير لإي عدوان على الجمهورية الاسلامية ، بل واصراره اثناء رئاسته على اشراك ايران في مؤتمر شرم الشيخ ، رغم سعي الادارة الامريكية على استبعاد ايران من اية ترتيبات سياسية وامنية في المنطقة .
الخطاب السياسي المتشنج والمغالط لهذا المعسكر من اعداء علاوي ، بذريعة الدفاع عن مصالح الطائفة والمذهب ومواقف ايران الداعمة لشعب العراق في مواجهة الارهاب ، يناقض المواقف الموصوفة للمرجعية الدينية وايران من جهة ، ويتبنى التزوير والتأويل بنسبة اقوال ومواقف للسيد علاوي لم يتبناها يوما إن لم يقف على الضد منها ، في ملفات كالبعث ، والارهاب ، والحشد الشعبي ، والعلاقة مع دول الجوار ، والتحالف الدولي ، من الجهة الاخرى .
ربما يحتج البعض من هؤلاء الغلاة على ان صمت المرجعية وايران على مواقف علاوي نابع من انعدام وزنه السياسي والواقعي كما يروجون ، وهو قول مردود لجهة ان علاوي ظل محورا رسميا وسياسيا ، كرئيس لمجلس الحكم ، فرئيس لاول حكومة ، ثم رئيس اكبر كتلة فائزة في انتخابات 2010 ، ثم نائبا لرئيس الجمهورية ورئيس الكتلة النيابية الوطنية ، أكبر كتلة مدنية عراقية في البرلمان .
استهداف علاوي لايقف عند حد ( عداواته ) ، اذ يتجاوزه الى الطعن والتشكيك ب ( صداقاته ) ، وعلاقاته الدولية والاقليمية ، واتهامه بالتآمر والتبعية ، لامريكا والسعودية وقطر وتركيا ، وهو منطق غريب يتغافل عن تشابك العلاقات والمصالح والقضايا العالمية في هذا العصر من جانب ، ويعجز عن اثبات تلك الاتهامات من جانب آخر . ان هذه العلاقات كمؤشرات على الحيوية والبراغماتية السياسية كانت ولازالت تصب في مصلحة العراق وشعبه ، وتعمل على ادامة الحوارات ، وادارة الازمات وتفكيكها خدمة لاستقرار الاقليم وامنه ، عدا عن ذلك فاننا لم نلمس من هذه الدول مواقف داعمة او منحازة لعلاوي كما حصل مع غيره ! .
قد تمثل ضبابية المشهد العراقي وسرعة حركته وتعدد لاعبيه وتداخل اجنداتهم بيئة مثالية للصراعات والسجالات والتجاذبات ، الا ان اللعبة تخرج عن قواعدها وتتمرد على ايقاعها تماما عندما يتعلق الامر بالدكتور اياد علاوي ، اذ يصبح المحاربون ملكيين اكثر من الملك في دفاعهم المفتعل عن المذهب او ايران ، وهم بذلك يؤججون الفتنة ويعرضون مصالح شعبهم وطوائفهم واصدقائهم للتهديد ادركوا ذلك ام لم يدركوا ، عدا عن انهم يطيلون عمر الصراع ويزيدونه اتساعا .
علاوي لم يدافع عن البعث فكرا او ممارسة ، فهو اول من تصدى لدكتاتوريته مثلما كان اول ضحاياه ، وعلاوي يقف في خندق مواجهة الارهاب وداعميه وحواضنه ، وهو بالنتيجة يتمترس مع الجهد الوطني المخلص الذي تمثله قواتنا المسلحة الباسلة من جيش وشرطة ، والحشد الشعبي الابطال والبيشمركة والعشائر الكرام ، ومع اقامة علاقات متوازنة تنهض على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشان الوطني مع جميع دول العالم والمنطقة بما فيها الجارة المسلمة والمهمة ايران ، التي يثمن دعمها بالمشورة والسلاح والذخيرة ، وبما لايتعارض مع تأكيد المرجعية الرشيدة على اعتزاز العراقيين ” بوطنيتهم وهويتهم واستقلالهم وسيادتهم ” وعلى حماية ارواح وممتلكات سكان المناطق التي تقع في دائرة العمليات العسكرية ، وتشديدها على اللحمة الوطنية بين جميع العراقيين والتي تبرز الحاجة الملحة الى المصالحة الوطنية دون اغفال حقوق الضحايا والاقتصاص من المجرمين وفتح صفحة جديدة في التاريخ الوطني استنادا الى قيم المساواة والعدل والحرية في ظلال دولة المؤسسات وحكم القانون .