عندما ننظر بتمعن شديد وعبر مراجعة استراتيجية لواقع منظماتنا العربية تحديداً، نجد أننا بحاجة لعملية استراتيجية متكاملة من عملية المراجعة الدقيقة للظروف التي توقف عملية التوجه المتسارع ليس فحسب لمواكبة التطورات العالمية في العلوم والمعارف والنهضة بل والمنافسة في تلك العملية وصولاً للريادة والتتويج الحضاري.
إن من أبرز سمات التطورات الراهنة الحالية هي تنامي التطورات في المعارف الإنسانية، وما ترتب على ذلك من تبني ثقافة التغيير المستمر في أساليب أداء الأعمال، لمواجهة الطموحات المتنامية للمؤسسات بأعلى درجات ومعايير الجودة الشاملة، الأمر الذي يستوجب على قيادة المؤسسات العربية أن تقوم بعمليات سريعة من أجل التحليل والتطوير المستمر، وإعادة هندسة نظم الأعمال القائمة ونماذجها، إضافة للتنمية المستمرة للموارد البشرية، لمواجهة عمليات التحسين والتطوير والتكيف مع التحديات الواقعة، ولن يتأتى ذلك إلا بالتوجه نحو التميز كأسلوب حياة.
وهكذا نجد أن اعتناق التميز ضرورة من ضرورات التطوير الإداري في مؤسساتنا العربية لرفع مستويات الأداء والكفاءة من خلال توافر مقومات عدة أهمها توافر الخطط الاستراتيجية، وجود منظومة متكاملة من السياسات التي تحكم وتنظم عمل مؤسساتنا، واعتماد المرونة، والعمل وفق نظام متطور للجودة، نظام متطور لتنمية الموارد البشرية.
إن تبنى التميز كأسلوب حياة هو بمثابة منارة الخلاص من كل الأزمات والأمراض التي تعصف بمنظماتنا العربية، لنصل إلى مرحلة النهوض الحقيقية وتخطي الصعوبات وإحداث تفوق وتطوير في الأداء للوصول إلى القدرة على البقاء والمنافسة في بيئة تتحول فيها الأساليب والاستراتيجيات وتتطور التكنولوجيا وتتغير فيها العمليات بسرعة.
عندما ترتقي الأمم وتعتلي منصات التتويج الحضاري في مختلف ميادين الحياة؛ نعرف جيداً لحظتها أن هناك منظومة عمل متكاملة، أسست لهذا التميز كأسلوب حياة، وبذلت جهداً نوعياً احترافياً في ميادين العلوم المختلفة وعبر عمل متواصل وجهد مخطط دقيق.
إننا نقصد باعتناق التميز كأسلوب حياة في المؤسسات العربية هو الوصول لحالة من التفرد والتفوق في مجال العمل وظهوره بالصورة التي تميز المنظمة وتبرزها وتعلي شأنها بالنسبة للمنظمات الأخرى، وهذا الأمر يحتاج إلى توافر مقومات رئيسية ضمن هذه العملية الهامة، حيث أن وجود تنظيم فعال تسوده روح الفريق، والابتكار، والمبادأة، والمنافسة بحيث يشعر كل فرد من الأفراد العاملين بأن المنظمة ملكًا له، إن هذا الشعور يدفع العاملين إلى بذل طاقاتهم وجهودهم كافة وإعطاء كل ما لديهم من أجل تميز المؤسسات وتفوقها.
إن هذا المنظور الشامل يجب أن يدفع مؤسساتنا العربية إلى الارتقاء بمستوى أداءها لتمكينها من مواكبة التطورات المتلاحقة، وتعزيز قدراتها على تطبيق مفاهيم إدارية حديثة تشجع روح الإبداع وإطلاق الملكات والقدرات لبناء ودعم استراتيجية التميز كأسلوب ومنهج حياة متكامل، حتى يتم إحداث نقلة نوعية وحقيقية في مستوي أداء تلك المنظمات، من خلال توفير حافز معنوي وظروف عمل تشجع التعاون البناء وروح المنافسة الإيجابية في القطاعات المختلفة، ونشر مفاهيم التميز والإبداع في مختلف النواحي والجوانب، وتحسين الإنتاجية ورفع الكفاءة وترشيد الإنفاق وتقديم خدمات عالية المستوى.
عبر هذه الرؤية تتجه مؤسساتنا العربية إلى السير على خطى الريادة والمنافسة والنهضة وصولاً إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية عبر فضاءات التميّز والإبداع، كذلك سعيها إلى استكشاف الطاقات الإبداعية، ودعم الأفكار والمشاريع الخلاّقة، وتكريم المتميّزين، وإبراز النماذج المشرّفة، ما من شأنه تعميم الفائدة ونشر ثقافة التميز أسلوب حياة.
إن تبنى فلسفة التميز كأسلوب حياة هو استجابة منطقية للعديد من التغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والتقنية والتي فرضتها التحديات الداخلية والخارجية للواقع المعاصر، حتى يتم تعزيز القدرات التنافسية ومواكبة المستجدات والتطورات العالمية في القيادة والتخطيط وتحسين جودة الخدمات والموارد البشرية، إنه الاختيار المهم الذي لا بد منه لمواجهة تحديات البيئة الراهنة.