19 ديسمبر، 2024 1:16 ص

اعتصامات أمّهات الشهداء!

اعتصامات أمّهات الشهداء!

الأمّ هي المخلوق الأوحد التي لا يمكن لكلّ المخلوقات أن تنافسها في حبّ أبنائها والعناية بهم ورعايتهم والعطف عليهم.
ومع أوّل صرخة لطفلها نجد أنّ الأمّ تنسى كلّ آلام الحمل والمخاض، وتحتضنه بلهفة وكأنّها فازت بجائزة سماويّة لا تعدلها كلّ الجوائز الذهبيّة أو التقديريّة.
ولتبدأ بعدها مراحل رعايّة الأمّ لهذا المخلوق الضعيف ليكون طفلاً سليمًا، ثمّ شابّاً يافعاً ثمّ رجلاً عاقلاً، وكلّ ذلك، بعد رعاية الله، بسبب عناية الأمّ وحرصها وسهرها!
تنظر الأمّ لهذا الكائن على أنّه غرسها في أرض الله تماماً مثل الفلاح الذي يترقب شجرة في بستانه، وهذا هو الحال الطبيعيّ في أرجاء الدنيا!
الأجواء الملبّدة بالسُحُب السوداء ضيّعت الحقوق، وشجّعت القوى الحاقدة للعبثّ بحياة الناس وأحوالهم وكأنّهم يلعبون لعبة إلكترونيّة دون أن يكون هنالك أيّ خوف من الله، أو القانون، وهذا ما يحصل في العراق منذ سنوات، حيث تستمرّ القوى الخطيرة بنشر سمومها القاتلة، ومن بينها جريمة اغتيال الناشط إيهاب الوزني في كربلاء فجر التاسع من أيّار/ مايو 2021.
وقد وعدت الحكومة حينها بمتابعة القضيّة للامساك بالقتلة ولكنّها لم تفعل تماماً كما وعدت مع قتلة هشام الهاشمي ورهام يعقوب وفاهم الطائي وغيرهم من المغدورين الذين خرجوا بحثا عن وطن، أو بعض حقوقهم.
وبعد جريمة الوزني أعطت والدته مهلة للحكومة للكشف عن قتلة ولدها، وبالذات بعد تلقّيهم تهديدات مباشرة باغتيال الوزني من القيادي في الحشد الشعبيّ قاسم مصلح الذي اعتقل لأسبوع واحد، وأطلق سراحه لعدم كفاية الأدلة، وبعد أن حاصرت بعض فصائل الحشد منزل رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، ووكيل وزير الداخليّة أحمد أبو رغيف!
وبعد هذه التسوية بين الحكومة والحشد عادت قضية الوزني للواجهة من جديد بعد أن تصوّرت عائلته بأنّهم سيقاضون قتلة ابنهم!
ومن جديد صارت عائلة الوزني في مواجهة مفتوحة مع الحكومة!
حاولت والدة الوزني يوم الأحد الماضي نصب خيمة اعتصام صغيرة أمام محكمة كربلاء بعد انتهاء المهلة التي حددتها للكشف عن قتلها ابنها، قبل 40 يوم تقريباً، إلا أنّ أجهزة الأمن منعتها، وحاولت الاعتداء عليها!
وللتاريخ أقول بأنني لم أرَ في العراق امرأة أشجع وأقوى من والدة الوزني، والتي ربّما ستحاول القوى الخبيثة تصفيتها، وهذا ما أكرّر التحذير من وقوعه!
قضيّة الوزني اليوم هي قضيّة رأي عامّ، وقد سلّطت العديد من القنوات والوكالات المحليّة والدوليّة الضوء على موقف والدة الوزني ومناشداتها المتكرّرة!
التفاعل الشعبيّ مع والدة الشهيد دفع شباب العراق في تويتر لرفع هاشتاك (كلّنا أم إيهاب)، وشجّع شباب مدينة النجف للخروج في مظاهرات مؤيّدة في وسط مدينتهم.
هذه التطوّرات ربّما تدفع لأسلوب جديد في العمل الرافض للحالة القائمة، ولعلّه من الضروري السعي لتطوير مظاهرات تشرين إلى (اعتصامات أمّهات الشهداء) وذلك عبر الآليّات الآتية:
– تحفيز أمّهات الشهداء والمغيّبين والمغدورين في كلّ محافظة على حدة للمشاركة في (اعتصامات أمّهات الشهداء)!
– يكون مكان التجمّع أمام بوّابات المقار الحكوميّة في المحافظات والأقضية، ولا تتوقّف إلا بتقديم قتلة المتظاهرين للمحاكم كلّ حسب مدينته!
– ترغيب المنظّمات الإنسانيّة لنصب الخيام، وتقديم الدعم اللوجستيّ لاستمرار هذه الاعتصامات حتّى تحقيق أهدافها الإنسانيّة والقانونيّة والإصلاحيّة.
– حثّ كافّة المثقّفين والخطباء والإعلاميّين والصحفيّين والنقابات المهنيّة والثقافيّة لمساندة موقف أمّهات الشهداء.
– الدعوة لإضراب شامل ومحدود في جميع الدوائر الحكوميّة عدا الدوائر الخدميّة وذلك للضغط على الحكومة للإسراع في حسم هذه الملفّات التي لا تتفق مع مفهوم الدولة.
هذه الخطوات ستشعل الغضب الشعبيّ لأنّ العراقيّين من الشعوب العربيّة المعروفة بغيرتها ونخوتها، ولهذا نتوقّع أن ينضمّ لهذه الاعتصامات آلاف الرجال والنساء.
يمكن لهذه الاعتصامات أن تكون المسار الأسرع والأسلم لتلاحم أبناء الوطن، والخلاص من القوى غير المنتمية للعراق ولإنهاء حالة اللادولة، وأن تكون الأداة الفاعلة للضغط وتحصيل الحقوق لأنّها اعتصامات محرجة للحكومة، ومحفّزة للتكاتف الشعبيّ والإنسانيّ.
إنّ الصمت والخنوع والانهزام أدوات المنتفعين من استمرار الخراب، والتكاتف والتلاحم والمناصرة من عوامل القوّة للحفاظ على الإنسان والوطن، والشعوب التي لا تتظافر جهودها، ولا تنصر الضعيف، والمظلوم ستجد نفسها بمرور الزمان أمام ذات المصير المليء بالقتل، والتهجير والظلم والضياع.
لنقف مع أمّهات الشهداء قبل ألا نجد من يقف معنا ويناصرنا!
dr_jasemj67@