لست ممن يغمض عينيه ولست ممن يغلق فمه عن المفاسد والماثم … بهذه العبارة التي وصف الصدر بها نفسه وال الصدر و التي ابتدء بها خطابه الاخير بعد قرار الاعتزال السياسي فان هذه العبارة الممزوجة بين لوعة الالم واشراقة الامل تفتح نافذة جديدة لبدء مرحلة مقترنة بشيء من الصعوبة ,فلو تاملنا هذه الجملة بروية نجدها تحتوي الكثير من المدلولات وتحتاج الى وقفة تأمل لتستوفي حقها , فبعد بيان الاعتزال الذي اصدره السيد الصدر تباينت ردود الافعال بين مؤيد مستبشر وبين مصدوم وبين من تقبله على مضض , فكل تلقى قرار الانسحاب حسب ظروف بيئته النفسية وبنيته الفكرية وكل تعامل او سوف يتعامل مع هذا القرار مستندا الى خلفيات بنى عليها ايمانه في الانتماء او النشوء في التيار الصدري فالصدريون الذين اتبعوا خط ال الصدر بايمان وعقيدة وعاصروا زمن الشدائد والمحن لايخاف عليهم من أي قرارا مهما كانت شدته بل انها فرصة ذهبية لاعادة بناء الذات وصقل الايمان وتصحيح المسار , اما المهزوزين والمهزومين الذين نفذوا الى داخل التيار الصدري من ابواب المصالح ونخروا بعض من اجزاء جسمه بمخالب الفساد والشقاق فهم ايضا امام فرصة للتخلص من تبعات سوء اعمالهم والبدء من جديد لادراك حسن عاقبة قد لاتتاح لهم من جديد .
اراد الصدر بقراره هذا ان يحدث صحوة ضمير ليس فقط للصدريين بل لعامة العراقيين فالبلد مقبل على دكتاتورية ناعمة لو صح التعبير هي فقط بحاجة الى مزيد من الوقت لتظهر مخالبها فالمؤشرات تدل على ذلك والفتنة الطائفية تقف على الاسوار وبعض الاحزاب ارتضوا بان يكونوا ادواتها واغلب المجتمع مع الاسف اما لايعلم بحقائق الامور واما لايريد ان يتعب نفسه ولو بالتفكير المعمق في نتائج هذا الامر فالكثيرين ممن انشغلوا بالملهيات غير مدركين بما تحيط بالبلد من مؤامرات ستاكل الاخضر واليابس معا , اما الفساد والمفسدين فنجدهم قد اصبحوا ارهابا ابيض جعل من ثروات البلد مقسمة بين جيوب السراق والهدر وتوزيعها بين المتنفذين بقوانين صاغوها وفق مقاساتهم .
في زمن الظلم اعتاد العراقيين الالتفاف حول ال الصدر ضد الطغيان والجبروت واليوم ال الصدر لايريدون ان تصل الامور الى ما وصلت اليه في غابر الزمان من المواجهة الحتمية بل لتوقي الشر المخبوء , لكن قل السامعون ولاينفع التانيب والندم بعد حين , الصدر لايريد قلب نظام الحكم ولا اسقاط العملية السياسية كل الذي اراده ان تكون هناك ديمقراطية حقيقة وليست مسخرة من قبل الاحزاب واراد الصدر قضاءا مستقلا نزيها لايخشى ولا يطمع .
ان السيد مقتدى الصدر اعتزل العمل السياسي لكنه لم يعتزل عقيدته ونهجه وخطه الرسالي اراد من دخوله في السياسة ان يجعلها متناغمة مع ما يرفعه السياسيون من شعارات وانتماءات الا انهم قد اتقنوا لعبة سياسة الغرب في الانتهازية واستغلال المشاعر من اجل السيطرة والتمدد واعتادوا لبس الاقنعة وتدبيلها مع كل موسم وحسب مقتضى الحاجة , فتارة تراهم من اتباع المرجعية وتراة اخرى يفصلون السياسة عن الدين واحيانا تراهم يدعون الى الوحدة وافعالهم تدعو الى التشتت .
التيارالصدري اليوم امام تحد كبير ومرحلة خطيرة فهو اليوم مدعو الى توحيد صفوفه ذاتيا وشعبيا اليوم الكل مدعو الى نبذ كل ما يفرق ونسيان كل خلاف .عليهم الالتفاف من جديد حول السيد مقتدى الصدر لكن بالروحية التي التفوا بها حول ابائه .
انهم بحاجة الى استحضار تاريخهم الذي ليس ببعيد وملاحمهم التي سطروها ضد اعداء العراق الداخليين والخارجيين وتضحياتهم الصدريون مدعوون الى اثبات وفائهم لال الصدر ووفائهم هذا لا يتمثل فقط في صلاة الجمعة وغيرها بل تقع على عاتقهم حمل هم المجتمع والسعي الى خدمته بكل استطاعة فهل سيستطيعون اثبات ذلك في قابل الايام ؟ .