عندما يكون لديك جمهور بمساحة كبيرة على طول الوطن، والتزام وعهود بتأمين احتياجاتهم ومتطلباتهم، لرفع الحيف والظلم عنهم، فأنت ملزم وبكل الظروف، بالبقاء مقاتل ومضحياً في هذا الطريق، للوصول الى الغاية المنشودة.
إن الانسحاب المفاجئ لمقتدى الصدر من العملية السياسية فسره البعض على انه تحشيد للجمهور الصدري، ودافع وزخم للمشاركة والانتخاب، بعد ان بينت كل استطلاعات الرأي نجم الصدريين بدأ بالأفول، وأركان التيار ممن ملئوا شاشات التلفاز بتصريحاتهم النارية، وهم يتهمون الحكومة بالفشل والتقصير، كانوا في مقدمة الشخصيات التي فشلت في إدارة وزاراتهم.
الانسحاب لم يكن أمراً ارتجالياً اتخذه الصدر في وقت ضيق، بل جاء بتخطيط خارجي ممنهج، يضمن تقليل صدمة ما هو غير متوقع في الانتخابات البرلمانية المقبلة، ويسحب البساط من تحت أقدام البرلمانيين الحاليين من التيار الصدري، وخصوصا ممن صوت لصالح قانون التقاعد بامتيازاته، إضافة الى رفضهم الالتزام بالكثير من قرارات مقتدى الصدر، الذي أصبح في نظر الكثيرون من سياسي التيار عبأ على مطامعهم وطموحاتهم، فخيبوا بذلك أمال قواعدهم الشعبية المنهكة وجعلوا مقتدى الصدر في موقف محرج.
ما زلنا نبحث عن نهاية مسرحية اعتزال الصدر! وازدادت التساؤلات، أين ستحط رحالها أصوات الصدريين؟ الصدريون بطبيعة حالهم متقيدون بمرجعية وعمامة وبرانيات، وما موجود على ساحة السياسة لا ينسجم مع تطلعاتهم، إلا بالارتماء في أحضان كتلة المجلس الأعلى “المواطن”، وما يمثله عمار الحكيم من رمزية وارث لعائلة دينية، لها نفس الطريق والمسار مع آل الصدر، لذا فالمتوقع ان تتركز أصواتهم في 30 من نيسان المقبل نحو قائمة المواطن، وتبتعد عن خانت دولة القانون، خشيتاً منها عودة السيد نوري المالكي لرئاسة الوزراء، ومواصلة نجاحاته وغياب التيار عن المشهد السياسي كلياً.
دولة القانون لا تعول كثيراً على أصوات الصدريين، بل تعتمد كل الاعتماد على قاعدتها الجماهيرية وجمهورها العريض، الذي يقتنع بأن عودة رئيس الوزراء لولاية ثالثة سيحقق النجاح، ويعوض ما مرت به حكومات التوافق الوطني، ويعيد الأمن والاستقرار المتراجع في المرحلة الحالة الى سابق عهده.
ان ما جرى من اجتماع سري بين عمار الحكيم، ومقتدى الصدر، مع السيد محمد رضا السيستاني، لا يشكل أهمية تذكر في سحب الثقة وعدم التجديد للسيد المالكي، بل على العكس قد يكون عودة للتحالف الوطني، لاستعادة دورة الذي فقده، بسبب التقاطعات والسياسات المتجاذبة، واستنفار البعض لطاقاته لتسقيط الأخر. شهرين تفصل الوضع العراقي عن مفترق الطرق، وترك الساحة والانعزال، وتغيير أركان القوى، أمر لا يعود بالنفع والفائدة على الجميع، فكيف إذا كان الحال بثقل التيار الصدري فسيكون التأثير أكبر بالتأكيد.