23 ديسمبر، 2024 4:59 م

اعتراف السلطان الخطير

اعتراف السلطان الخطير

قلّ ان يعثر الباحث على نصوص تشفي الغليل، يعترف فيها الحكّام بسلبياتهم، ونكوصهم عن امتلاك نواصي العلم والثقافة الرحبة ..!!
مع أنَّ غالب من تقلّد زمام الحكم، هم ممن لايملكون شيئاً يرجّح كفتهم اذا حضرت الموازين ..!!
أخذتهم العزة بالاثم، واكتفوا بسوط السلطة وجبروتها، ولم يكفّوا عن احتلاب المغانم واقتراف الجرائر والمظالم .
-2-
ومن النصوص القليلة التي ضمّت اعترافا خطيرا لأحد السلاطين من بني أمية، وهو الوليد بن يزيد – أوردت بعض المصادر النص التالي :
(علي بن عياش قال :
اني عند الوليد بن يزيد في خلافته ، اذ أُتي بابن شراعة من الكوفة، فو الله ما سأله عن نفسه ولا سَفَره حتى قال له :
يا ابن شراعة :
اني والله ما بعثتُ اليك لأسألك عن كتاب الله ولا سُنّة رسوله .
قال :
فو الله لو سألتني عنهما لألفيتني فيهما حِماراً
قال :
وانما أرسلتُ اليك لأسألك عن القهوة {وهي الخمرة}
قال :
دهقانها الخبير ، وطبيبها العليم {الدهقان : التاجر}
……. } العقد الفريد /8/49
المهم ان السلطان هنا يكشف كل أوراقه، ويعترف أنه لايريد البحث عن مسائل الدين وأمور المسلمين ، وانما يريد سؤال الخبير عن الخمرة والاطعمة والأشربة، فحين سأل الوليد ابن شراعه قائلاً :
ما تقول في الخمر ؟
قال :
اوه ، تلك صديقة روحي !
فقال الوليد :
وأنت والله صديق روحي ..!!}
فالسلطان هنا يعترف بمروقه عن الدين ، وصداقة الفاسقين المفسدين ،وهو اعتراف خطير ، لان علماء القانون يقولون :
{ الاعتراف سيّدُ الادلة }
ومن يعترف بلسانه، يغنيك عن تجشم عناء البحث عن كل وسئل الاثبات الدالة على ما اقترفه …
والسؤال الآن :
اذا كان بعض سلاطين الكيان الأموي الغاشم، يعترفون بما هم عليه من الفسوق فما بالُ مَنْ يدّعون الالتزام –في العراق الجديد – لايعترفون بما جنوه علينا من مصائب وويلات ، وتقصيرات وسوء خدمات ، وانتهاب للثروات ؟!!
واذا كان الاعتراف بالخطأ فضيلةً، فلماذا لايبادرون الى ان يكونوا من أصحابها ؟
انَّ الألتواء ، والتقعر ،والادعاءات العريضة التي ما أنزل الله بها من سلطان، والمغالطات القبيحة ، والإصرار على الأخطاء ، والعزوف عن الاستماع الى الحقائق الناصعة ، والألسنة الصادقة ، لن يزيدهم إلاّ بُعداً ، لا من الله سبحانه فقط ، بل من وجدان الجماهير ، وضمائر الأحرار، وسيكتب التاريخ عن صفحاتهم السوداء ، وصفقاتهم النكراء ، وكل ما اتسموا به من مغالاة وغباء ، ما يجعلهم مَثَلاً سيئاً على طول المدى ….

[email protected]