كانت مقولة “الاخرون هم الجحيم” لجان بول سارتر هي احدى المقولات المتداولة على لسان جيلي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي حيث الوجودية في قمة زهوها انذاك. ولم تكن تنافس هذه المقولة سوى مقولة هاملت ” اكون او لا اكون .. تلك هي المسالة” بطل مسرحية وليم شكسبير الشهيرة “هاملت” .. تلك المسرحية التي نقلها الى العربية مع روائع شكسبير الاخرى “ماكبث” و “الملك لير” و”عطيل” و”روميو وجوليت” و”يوليوس قيصر” الاديب والمترجم العربي الكبير جبرا ابراهيم جبرا رحمه الله. ولم تكن تتنافس مع مقولتي سارتر وشكسبير الانفتين سوى عبارة صاموئيل بيكيت “لا شئ يحدث .. لا احد يجئ .. ياللهول” في مسرحيته “في انتظار غودو”.. كان ذلك بالطبع في اوج موجة مسرح العبث واللامعقول ايام الستينات والسبعينات من القرن الماضي مع ان تلك الموجة كانت قد سبقتنا بوقت طويل في اوربا. لم يكن ماركيز قد وصل بعد وان كانت مقدمات وصوله قد بدات تباشيرها تلوح في افق تلك الحقبة الذهبية على صعيد القراءة والكتابة والمعارك الادبية والثقافية التي كانت احد اهم مصادر الاثراء المعرفي والثقافي. لكن ما ان نزلت الى الاسواق روايته “مائة عام من العزلة” التي حصل عليها جائزة نوبل للاداب حتى صارت الواقعية السحرية شغلنا الشاغل. ولان ذاك الزمن كان بالفعل زمن القراءة الذهبي فاننا كنا ننتظر السلاسل المعروفة ومنها سلسلة عالم الفكر الكويتية بفارغ الصبر. وفي هذا المجال اروي الحادثة التالية التي يتذكرها بالتاكيد الصديق صفاء صنكور. ففي احد ايام اواخر السبعينات كنا نجلس انا وصفاء في مقهى “البرلمان” في شارع الرشيد قبل ان يتحول الى مطعم حيث كانت توجد “بسطية” كتب على قارعة الطريق قبالة المقهى. توقفت سيارة الدار الوطنية للتوزيع امام البسطية وانزلت 7 نسخ من كتاب “الوجودية” لسارتر. وما ان خرجنا انا وصفاء لكي نقتني نسخنا من هذا الكتاب حتى فوجئنا بوقوف مجموعة من المواطنين “سرة” على الكتاب ولم نتمكن من الحصول الا على نسخة واحدة تبادلنا قراءتها انا والصديق ابو سدير. وفي تلك الحقبة ايضا كان ادونيس حاضرا بقوة انذاك سواء في شعره الذي سحر الجيل السبعيني او ترجماته او رؤيته للتراث وشغفه بالنفري لاسيما كتابه “المخاطبات” والتي استخرج منها العبارة التي بقينا نرددها ردحا طويلا من الزمن ” كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة”. ومع وجود ادونيس الطاغي كان السياب هو الاكثر اثارة للجدل سواء مع نهره الخالد “بويب” اومومسه العمياء او قصائده الكبرى “انشودة المطر وغريب على الخليج والنهر والموت ومدينة بلا مطر والمخبر” والاخيرة سحرنا منها هذا المقطع ” أنا ما تشاء أنا الحقير ..صبّاغ أحذية الغزاة و بائع الدم و الضمير” . وانا الفقير العبد الفقير لله انتهز هذه الفرصة لاعتذر من سارتر لانني في مقال الاثنين الماضي بالمشرق جعلت مقولته “الجحيم هم الاخرون” لشكسبير بينما هي لصاحب .. “دروب الحرية وسيمون دي بوفوار”.