23 ديسمبر، 2024 2:45 ص

اعتذارات متأخرة جداً(3)

اعتذارات متأخرة جداً(3)

ابو بدر-علي جاسم شبيب

عزيزي ابا بدر ها أنت تلج السنة الثالثة بما اصطفيته رحيلاً ابدياً انسللت فيه منا نحن محبيك خلسة، بذات الروح الشفيف الذي كنت تحل به و تغادر المكان اي مكان دون ان تترك جلبة.. تنير محياك تلك النزعة المتسامحة التي لم تفارقك و بما عرفناه عنك مثقفاً رفيعاً مشجعاً للقراءة، متفحصاً، و عيناً نقدية، و السجية الأهم الألفة مع الشباب متجاوزاً حاجز العمر وذاك الدفء والصدق في الجدال و النقاش.

ها انت يا علي تترك كل ذلك وراءك و ترحل، وحيداً، حزيناً بذات حزن لحظة ولادتك و تزامنها يوم التاسع عشر من رمضان(ضربة الأمام علي) و من ذاك التاريخ اضحيت سمياً لصاحب المناسبة، اسماً و حزناً، و مكابدات على امتداد عمر عشت معظمه انكساراً و خيبات بالأخرين و منهم على الرغم من بقائك قنديلاً ينير ظلمة زوايا المكان الذي تشغله فكنا معك حتى في عزلتك التي اسماها شقيقك الناقد الأستاذ جميل الشبيبي عن حق (عزلة منتجة متفردة) فها انت تكتب لصديقك جورج من أن الحياة(في عزلتك ليست رتيبة) فأنت تقرأ و تكتب و تذهب إلى البار في الظهيرة مقرراً البقاء هناك طالما بقي الغيم الأسود يلف البلاد طولاٍ و عرضاٍ و كل ذاك التعب (من الوطن و الجماعة و العائلة و وسخ البلاد و حكامها) و تنبؤك بدنو الأجل(انا وحدي سأنشغل مع ذاتي أواخر العمر) متوجاً كل ما مر بك بصبرِ بهيج.

 

فهذا الصبر يا ابا بدر لم يأتِ من فراغ إنما هو من تراكم القسوة و الجسارة و قوة الروح في بشت اشان و قبلها قاعدة هيركي الركيزة الأهم يوم توسطتم ما بين بهدينان و سوران انتم (الهراكنة الأوباش) كنيةً اطلقوها عليكم تحبباً انتم ال25 رفيقاً من الذين التقيتم على غير ميعاد مكونين مجموعة مجنونة بالقراءة و الأمل، دون التهاون في تأدية المهام القتالية و الحزبية و الصلة مع المجتمعات المحلية و السهر على القاعدة كمحطة مهمة و ستراتيجية لأستقبال الرفاق و الأسلحة من سوريا في رحلتهم المحفوفة بالمخاطر عبر الأراضي التركية لمناطق كردستان حاملين الأسلحة بكل ثقلها على الظهور في مسيرات راجلة قد تمتد لأسابيع ضمن تضاريس وعرة و بيئة قاسية لم يألفها شيوعيو البصرة و الناصرية و العمارة و السماوة و لا رفاق الفرات الأوسط و بغداد لكنكم واجهتموها عن طيب خاطر و بتحدِ مدفوعين بحب شعبكم فقاعدة (الهراكنة الأوباش) ظلت تفيض عطاءاً و تفان و نكران ذات لكل نصير مر بها.

فمن اين لك يا ابا بدر و رفاقك كل تلك العزيمة و انتم تعالجون ضحايا الطبيعة القاسية بثلوجها و بردها القارص و صراعكم غير المتكافئ ضد غرغرينا على وشك اختطاف رفيقيكم ابو شرارة و ابو نتاشا فشجاعتكم لازالت شاخصة و انت تشد من عزيمتهم ((بأعتبارك الأعلى حزبياً في القاعدة)) و تطلب منهم ترك اليأس و النواح و مواجهة الأمر الأهم فبوسائلكم البدائية تقصون التالف من اللحم و الأنسجة اولاً بأول على مدار ايام و ليال و لا تملكون غير علبتي اسبرين و سبع أنبولات أمبسلين لا غير كل ذلك بعزيمة العارف المتمرس رغم انهٌ لا جامع لكم مع مهنة الطب او التمريض مصممين على انتشال رفاقك من موت محقق هذا هو جزء يسير مع تفصيلات اخرى كثيرة و مهمة بنيت عليها صبرك البهيج أنت ابو الخسارات و الخذلان (حتى ممن احببتهن) على ان لا يثنيك ذلك عن مرحك و تفاؤلك و كبرياؤك.

ابا بدر لا ادري اين اضعك بالهدوء الذي لمحتك به قادماً للبصرة قانعاً، مشعاً، شفيفاً.. ابداً لم اتخيلك انت الأتي من أيام القسوة تلك و لا كأنك كنت سليل اولائك الهراكنة في صمودهم البطولي ضد فاشيست البعث أنها قوة الروح يا رفيق.

و هنا علي ان اعترف و اقر بمشاركتي او تواطئي او على الأقل سكوتي و غض الطرف على التعايش مع روح الكراهية و التنفير التي كانت تطفو من البعض تجاه من يفترض أنهم رفاقاً لهم قادمين تحدوهم رغبة المشاركة في العمل ما بعد 2003 سواءاً بسواء تجاه الأدباء و الفنانين و عموم المثقفين.

معذرة فقد تركناك تجتر أحزانك وحيداً في تلك الشقة البائسة قرب عمارة الحمزة لتنسل منها نحو مقهى في سوق البصرة القديمة او مقهى السيمر بأحسن الأحوال و ها نحن كما ترى نجتاز السنة الثانية لرحيلك بالنسيان المعهود و المخجل دون استذكار حتى لنصير (يا ما ساهم) في صياغة البلاغات العسكرية عن حركة الأنصار في مقر المكتب السياسي في بشت اشان و عمل في إصدار صحيفة نهج الأنصار (ريبازي بيشمركة).

اعتذر فأنت لم توفَ حقك مع الأسف.