18 ديسمبر، 2024 9:42 م

اعتدال الامام الرضا ديدن العلماء العاملين

اعتدال الامام الرضا ديدن العلماء العاملين

من أبرز القضايا التي عاصرها الإمام الرضا-عليه السلام- ظهور وانتشار الأفكار والحركات والتيارات الباطلة والشاذة والمنحرفة عن الخط الإسلامي الأصيل، وتلك التي انحرفت عن منهج أهل بينت النبوة-عليهم السلام- إضافة إلى تيارات الزندقة والإلحاد، الأمر الذي أدى إلى كثرة الجدل المقيت فيها، مما أفضى إلى تحول النسيج الاجتماعي إلى أحزاب وتيارات فكرية لجأ البعض منها إلى فرض آرائه ولو بقوة السلاح، وكان للأنظمة الحاكمة دور رئيس في إذكاء هذه الظاهرة وتعميقها لأنها تخدم وجودها ومصالحها الشخصية.

واجه الإمام-عليه السلام- تلك الحركات والتيارات بالمنهج الفكري الإلهي الذي تميزت به الطروحات الفكرية التي أرسى دعائمها أئمة أهل بيت العصمة القائمة على أساس الاعتدال والمجادلة بالحسنى في طرح العقيدة الإسلامية وفي الحوار مع معتنقي الديانات والمذاهب، وسجل انتصارًا علميًا باهرًا للعقيدة الإلهية الحقة على تلك الحركات والمعتقدات، وقد لاقى أسلوب الإمام وما يطرحه من براهين وأدلة إعجاب وقناعة المتحاورين معه،

فكان يناقش الخصوم بما يعتقدون به ويلزمهم بما يلزمون به أنفسهم، ويوافق على الشروط التي وضعها بعض المتحاورين، وهذا يدل على الثقة بالنفس ومتانة الجانب العلمي الفياض الذي يتمتع به-عليه السلام- بخلاف من لا يمتلك العلم فإنه أصلا لا يقبل بالمواجهة العلمية أصلا، ولكي يحافظ على ماء وجهه يختلق المبررات من وحي ضعفه وإفلاسه العلمي ومنها وضع الشروط تهربًا من المناظرة والحوار العلمي، وكان-عليه السلام- واسع الصدر في الحوار يعطي خصمه الحرية في الطرح والنقد وطرح الإشكالات.

ومن الأمثلة على موافقة الإمام على الشرائط التي وضعها بعض المتحاورين معه، ما روي من أن رأس الجالوت الذي مثَّل الطائفة اليهوديّة في المجلس الذي أعدّه المأمون لامتحان الإمام ، فقال له الإمام : « تسألني أو أسألك ؟ … »، فقال رأس الجالوت: « بل أسألك ، ولست أقبل منك حجّة إلّا من التوراة أو من الإنجيل أو من زبور داود ، أو ما في صحف إبراهيم وموسى … »، فأجابه الإمام بالموافقة على هذا الشرط قائلاً : « لا تقبل منّي حجّة إلّا بما نطق به التوراة على لسان موسى بن عمران ، والإنجيل على لسان عيسى بن مريم ، والزبور على لسان داود-عليهم السلام- … »،

جاء في كتاب الاحتجاج – الشيخ الطبرسي – ج ٢ – الصفحة ١٧١:

عن محمد بن عبد الله الخراساني (1) خادم الرضا-عليه السلام- قال: دخل رجل من الزنادقة على الرضا-عليه السلام- وعنده جماعة.

فقال له أبو الحسن: أرأيت إن كان القول قولكم – وليس هو كما تقولون – ألسنا وإياكم شرعا سواء، ولا يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا وأقررنا؟

فسكت. فقال أبو الحسن: وإن لم يكن القول قولنا، وهو كما نقول، ألستم قد هلكتم ونجونا…ثم يستمر هذا الرجل بطرح أسئلته على الإمام -عليه الاسلام- وإلاما يجيب بكل اعتدال وموضوعية فما برح الرجل حتى أسلم، وهكذا في بقية مناظرات وحوارات الإمام.

هذا المنهج القرآني العلمي الأخلاقي الحضاري دعا إليه وسار عليه وتمسك به وجسَّده المحقق الصرخي، مشددًا في الوقت ذاته على عدم تحويل النقاشات والحوارات والخلافات في وجهات النظر إلى نقمة ومدعاة للسب والتكفير والتقتيل والقفز على العوامل والثوابت المشتركة التي تكفي لأن تكون جامعًا يجتمع عليه المسلمون، بل البشرية جمعاء، مؤكدًا على عدم توظيف واستغلال الفكر والمعتقد وتحويله إلى آلة عنف وقمع وخنق لحرية الفكر والمعتقد حيث قال: « نحن لا نعترض على الفكر وتبنيه، ولكن اعتراضنا على توظيفه في إباحة الدماء والأعراض والأموال…»

وفي المحاضرة الرابعة والثلاثين ضمن سلسة محاضرات(تحليل موضوعي في العقائد والتاريخ الإسلامي)، دعا إلى تغليب روحية النقاش العلمي، حيث قال:« هذا المفهوم وهذه الروحية المفروض تكون سائدة عند جميع المسلمين، نناقش النقاش العلمي أنا وأنت أصحح ما أقول وأخطئ ما تقول تصحح ما تقول وتخطئ ما أقول، ينتهي النقاش تنتهي المناظرة بعد هذا نكون على ما نحن عليه من المودة والرحمة والأخوة وهذا النقاش العلمي يكون حجة عليّ أو عليك أو على من يسمع ويطلع »