23 ديسمبر، 2024 9:36 ص

لما كانت السياسة الخارجية لبلد ما هي مجموعة الاهداف السياسية التي تحدد كيفية تواصل هذا البلد مع البلدان الاخرى في العالم ، فلا بد من ان ندرك ان القرن الماضي والى يومنا هذا حفل بشكل ملحوظ بأهتمام الدول بسياساتها الخارجية والدبلوماسية لتحقيق غايات العلاقات الدولية والمنظماتية وتؤسس على ذلك مجتمعاً دولياً يصل الى بعضه عن طريق تلك العلاقات الدولية والتي يعرفها ” جون بورتون ” بأنها العلم الذي يهتم بالملاحظة والتحليل والتنظيم من اجل التفسير والتنبؤ او كما يعرفها ” شارل ماكللوند” بأنها دراسة التفاعلات بين انواع معينة من الكيانات الاجتماعية بما في ذلك دراسة الظروف الملائمة المحيطة بالتفاعلات .
ولكن .. السياسة الامريكية في الشرق الاوسط  اتسمت منذ السبعينات بتوجهات استعمارية احتكارية بحجة النفط وحمايته وهذا ما يتضح جليا في تصريح الرئيس الامريكي السابق جيمي كارتر عام 1979 ( بأن اي تهديد لحرية النفط في الشرق الاوسط سوف يرد عليه من قبل الولايات المتحدة بالوسائل العسكرية اذا لزم الامر ) اما الرئيس الامريكي ريغن في عام 1985 اعلن صراحة ( بأن افضل وسيلة للحفاظ على المنطقة هي عدم ذهابها الى الشيوعية او الاسلامية ) ، وكان ذلك اعلاناً واضحاً في حينه بأن الولايات المتحدة تسعى جاهدة للسيطرة على الشرق الاوسط والتحكم فيه .
ومن المعروف للمتابع السياسي ان السياسة الامريكية الستراتيجية ثابتة من حيث الهدف ولكنها متحركة حسب متطلبات المرحلة لتحقيق ذلك الهدف ، الامر الذي لمسناه من خلال سياستي الحروب والحصار الاقتصادي للحزبين الديمقراطي والجمهوري اللذان يتناوبان على رئاسة الولايات المتحدة كما انهما ينفذان ما يرسم في كواليس البيت الابيض من قبل المتشددين او ما يعرفون بـ (( الايباك )) لتحقيق غايات الماسونية والصهيونية مهما كلف ذلك من وقت واموال .
ولتسليط الضوء اكثر على تلك السياسة ، فقد نشر معهد معهد سابان لدراسات الشرق الاوسط بمؤسسة بروكنز في مجلس العلاقات الخارجية والذي يعتبر اشد المنظمات الخاصة في الولايات المتحدة تأثيرا في السياسة الامريكية ، دراسة لكل من مارتن انديك وتمارا كوفمان ومجموعة من الخبراء السياسيين والمحللين في اختصاصاتهم حملت عنوان (( استعادة التوازن في الشرق الاوسط .. نحو استراتيجية بناءة للاحتواء )) وقد طبعت في كتاب من الحجم الكبير وترجم الى اللغة العربية مقمسة الى سبعة فصول .
الدراسة التي قدمت في 21 تموز عام 2007 تستهدف الى تلمس مقاربات جديدة للاستراتيجيات الامريكية في المنطقة العربية وفي الوقت نفسه هي توصيات وتوجهات سياسية للرئيس الامريكي القادم ( اوباما ) أزاء الشرق الاوسط ، وكان اوباما انذاك يعد عدته لحملته الانتخابية الرئاسية بعد انتهاء ولاية جورج بوش الابن .
لقد طرح انديك وفريقه في هذا الكتاب مسألة الاعتراف بفشل الاستراتيجية الامريكية الراهنة في حل مشاكل المنطقة وبالتالي العودة الى الادوات الدبلوماسية وكذلك استعادة استراتيجية الاحتواء المزدوج حيث يتم تأمين المصالح الامريكية في المنطقة ليس عن طريق القوة المجردة و لا عن طريق مجرد التحالف مع فريق ضد آخر بل عن طريق الامساك بخيوط دبلوماسية مع طرفين متصارعين يؤمن بقاء صراعهما حالة ضعف عامة في المنطقة وحاجة ماسة للدعم الامريكي ، فالاستراتيجية الجديدة التي اقترحت برسم الرئيس القادم ( اوباما ) هي بالتأكيد لمرحلة ما بعد الانسحاب الامريكي من العراق نهاية عام 2011 ، ومن جانب اخر اقترحت الدراسة اتباع سياسة حذرة مع ايران تقوم على الضغط من اجل ايقاف برنامجها النووي .
وفي حقيقة الامر لا تعدو دراسة انديك من كونها محاولة لاستباق الفشل الاستراتيجي الذي ارتسمت معالمه بوضع مخارج للمحافظة على المصالح الامريكية في المنطقة في الفترة القادمة الامر الذي دفع متشددو البيت الابيض الى دعم هذا المنطلقات النظرية والرؤى فيبسط الهيمنة الحقيقية على الشرق الاوسط الكبير وهو المشروع الحلم الامريكي الى جانب تأمين (( اسرائيل )) والتي هي واحدة من الاهداف الاستراتيجية المهمة التي يعمل الايباك على تحقيقها مهما كلف الثمن وتقع على عاتق اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة وهذا ماذكره انديك في احد فصول كتابه اذ رأى ان سوريا في وضع يوهلها لانجاز اتفاق سلام مع اسرائيل .
وحتى نفهم اكثر التوجه الامريكي السياسي الجديد في المنطقة بشكل ادق ذكر في احد فصوله ” ان الولايات المتحدة اصبحت من انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 القوة المهيمنة فيالشرق الاوسط غير انه تحمل الكثير مما كان له الاثر فيخفض نفوذها هناك بدءأ من الفشل في تحقيق تسوية شاملة للصراع العربي – الاسرائيلي في اواخر عهد ادارة كلنتون الى حرب ادارة بوش الباهضة التكاليف في العراق ” .
ومما لا يفوتني ذكره هنا ان النظرية الامريكية التي ساعدت في انهيار الاتحاد السوفيتي السابق لبسط  النفوذ في الشرق الاوسط وضعها احد منظري السياسة الامريكية ( جين شارب ) في الثمانينات وعرفت بنظرية الكفاح اللاعنيف او اللاعنف والذي اعتمد على طبيعة القوة في المجتمع والسياسة وصولا الى تفتيت النظام السياسي في دولة معينة ، فقد اعتبر شارب ان النظال اللاعنيف اكثر تعقيدا ويستخدم اساليب اكثر تنوعا مقارنة بالعتف ، حيث انه يستخدم الاسلحة النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمواطن ولمؤسسات المجتمع وقد اطلق على هذه الاساليب عدة اسماء مثل الاحتجاجات والاضطرابات واللاتعاون والمقاطعات وسحب الولاء وسلطة الشعب .
ان هذه النظرية الى جانب نظرية المؤامرة ونظريات اخرى اعتمدت في المطبخ السياسي الامريكي ما هي الا وسائل لتحقيق الاغراض المرجوة من الاستراتيجيات المتبعة ليس للسيطرة على الشرق الاوسط فحسب بل حد على العالم اجمع وتحقيق شعار القطب الاوحد والهيمنة على المنظات الدولية وجعلها سلاحا طيعا وسيفا تسلطه على رقاب الشعوب متى ما اقتضت الضرورة وطبقا لمنهج معد سلفاً في ذلك المطبخ .
ومما لا يدع مجالا للشك ان الادارة الامريكية الحالية ملتزمة بوصايا انديك والدليل على ذلك انه في عام 2009 عندما القى اوباما خطابه في جامعة القاهرة ذكر فقرات كثيره مما تناولته الدراسة في رسم سياسة الشرق الاوسط ونظرية السلام مع اسرائيل .
وفي عام 2011 اصدر الكاتب الامريكي جيمس بيك كتابه بعنوان ( ideal illusions  ) او الاوهام المثالية والذي لم يترجم الى العربية جمع فيه الالاف الوثائق والمستندات من وكالة المخابرات الامريكية CIA ومجلس الامن القومي والبنتاغون ووكالات التنمية الامريكية وبالتفاصيل كيف ان الولايات المتحدة الامريكية استخدمت حقوق الانسان كسلاح ايديولوجي قوي لاغراض لا علاقة لها مع الحقوق وتفعيل كل شيء من اجل تعزيز مطانة امريكا في العالم ويروي فيه مأسي حقوق الانسان التي استغلت في العالم من اجل المشروع الامبريالي الامريكي وقد تم تمويل هذا النهج منذ فجر الحرب الباردة لتحقيق مشروع الامبراطورية الامريكية والتي تتنافي كلياً مع الكلمات النبيلة في اعلان عام 1948 للامم المتحدة لحقوق الانسان .