لا بد من اعادة تقييم تاريخنا وخصوصا ً احداثه المهمة وأن نحاكمها ان لها او عليها فخاطئ ان نعتبر كل ما حصل مقدسا ً لمجرد حصوله وتوثيقه كجزء من التاريخ .
ان يوم 14 تموز 1958 كان احلك الايام سوادا ً بتاريخ العراق الحديث إذ انه يوم القضاء على الامل والحياة الهانئة يوم انقلاب اللا- مؤسسة على المؤسسة يوم مجيء العسكر وطرد المجتمع المدني يوم جلب الديكتاتورية العراقية وطرد الديمقراطية – واقول العراقية لأن الديكتاتورية العراقية والروسية هما برأيي اسوأ اشكال تسلط الحاكم على شعبه التي عرفتها البشرية – وهو يوم جلب اللا استقرار وطرد الامان .
فالجواهري شاكس النظام الملكي كثيرا ً لكنه كان ينام مليء جفونه في حين انه احس بالخوف ولم ينم بعد اول خلاف له مع الزعيم وغادر العراق على اثره .[ كتاب مذكراتي للجواهري ] .
انقلاب 58 كان خطيئة فضت بكارة عفة العملية السياسية واولدتها خطيئة الادلجة الشيوعية والبعثية والاسلامية فكل ادلجة خطيرة وخاطئة فالخطورة تكمن في انها تعلي الفكرة على الانسان وبالتالي تسمح لنفسها باتخاذه وسيلة – وقودا ً – لتحقيق اهدافها وخاطئة لانها منافقة فهي عندما تنزل للواقع تعود الامور لطبيعتها فتعلي الانسان من جديد على الفكرة لكن ليس عامة الوقود بل النخبة القيادية فقط .
ومنذ يوم 14 تموز وصبيتنا والمغامرين وابناء الشوارع يتقلبون على حكم العراق بعد ان طردوا حكمائنا هو يوم سقيفتنا فتبعاته على حياتنا السياسية كتبعات يوم السقيفة على امة محمد وهو على اية حال اسوأ ما قام به عراقي في يوم من الايام .فالروح العراقية كجميلة ذات محتد اختطفت من اهلها يوم 14 تموز 1958 فماتت روحها وانتهب جسدها فلنعلنه يوم حدادها يوم انكسار وجهها .
كان من مبررات وجودها شعار محو الامية حيث رفعوها لمستوى الهدف الستراتيجي في حين انه كان يكفي اعتباره هدف مرحلي له سقف انجاز لا يتجاوز 5 الى 10 سنوات لكن محو الامية استمرت الى ما بعد 2003 وبلا امل بالقضاء عليها .
بل ان الحياة قد استحدثت مراحل اعلى من الامية منها امية الكمبيوتر وامية الانترنت فهل خطر هذا ببال مفجري الثورة – تنزلا ً – ام ان الهدف الحقيقي كان تجميع شعارات وترديد جمل لتشكل ادبيات هدفها ابهار الناس لا اكثر او لعله يبرهن على جمود فكر من قام بالانقلاب حيث الحياة عنده لا تتطور او تتغير ومقتصرة على ما يجري انيا ً امام عينيه .
وانجازها الآخر كان قانون الاصلاح الزراعي اما من جانبه التشريعي فالقانون اقحام لمبادئ شيوعية قد لفظتها قوانين الحياة وفطرة الانسان بعد ان لم تتمكن من العيش على هذه الارض واستنشاق هواءها . وحتى لا اظلمها فلربما تستطيع ان تتواجد على كوكب آخر مع بشر غيرنا .
اما واقعا ً فقد افرغ من محتواه فيوجد الآن العشرات ممن يمتلكون آلاف الدونمات كما انه باستطاعة أي كان مع توفر المال ان يصبح من ملاك الأراضي أي اقطاعي بحسب التفسير الثوري .
اما واقع الزراعة فاشك ان أي عراقي – بعد الثورة – يعرف ما هو القطن بعد ان كانت معامل في بريطانيا تعتمد القطن العراقي كمادة اولية حصرا ً وقد اتفهم عداء الجمهورية للقطن باعتباره انجاز ملكي فهل حل محله أي محصول ستراتيجي آخر يكون رمزا ً للزراعة الثورية نحتل فيه مكان الصدارة او ان نكتفي منه ذاتيا ً على الأقل .
ومن اهدافهم كانت الحد من الهجرة من الريف الى المدينة وانتهت الان بان اصبح الريف هو المدينة وهذا واضح عند حصول أي مناسبة اجتماعية تتيه بغابة من عقال الراس وبالحقيقة فانا كلما ارى هذا المشهد اتذكر مستغربا ً عبد الكريم ومبادئه التي فشلت وضاعت معها قيم الحياة المدنية .
ان دبابات عبد السلام لم تحمل جنودا ً يحملون بنادق بل معاول , معاول ارهبوا بها ابناء سومر وبابل واذهلوهم عن حضارتهم حتى تاهوا فاصبحوا غرباء عنها ولم يعودوا يتذكروا امومتها لهم . وحملوا معاول هدموا بها منظومة المؤسسات العراقية وما النزيف المالي الذي نمر به الآن الا من اثر تلك المعاول فالسرقات ميزة لكل حكومة لغياب المؤسسة وعند كل تغيير يزداد لان الزائر الجديد يسرق ويسرق معه سواه حتى اذا استتب الامر له واتخم فانه لن يتوقف بل يزداد شراهة لكنه يستأثر بها دون سواه .
واذا كان للانقلاب من انجاز فانه يوم تتويج واحتفاء ونصر لخصلة مستهجنة لدى الذات العراقية وهي اضمحلالها وانقيادها لغيرها واستنساخها الاعمى لكل ما تقوم به الذات المصرية التي لم تكلف نفسها حتى ان تعترف بهذا الانقلاب بل اعتبرته جاء مضادا ً لانقلاب جمال عبد الناصر الذي سبقه . فيا ترى لو لم يكن هناك انقلاب في مصر في 52 فهل سيكون هناك من انقلاب سيحصل في 58 !! اشك كثيرا ً بذلك .
معروف ان تفشي العنف في امة هو من علامات الضعف وبداية الانهيار لحضارتها وكذلك كان قتل العائلة المالكة وسحل نوري السعيد لم يكن الا نموذج للاتي من شنق بالعلن وسحل وتعليق جثث بالاعمدة دوامة عنف رهيب ما ان تنهي الخصم السياسي حتى تتفرغ للشعب فترميه بما يحذر .
واننا الآن بعد عقود من الانقلاب نعود لما انقلبنا عليه اعني ما قامت واختطته الملكية من تجربة مجلس الاعمار ونقتبسه علما ً انه ان حصل سيحصل مع فارق جوهري وهو ان المجلس المرتقب سيكون تحت امرة السلطة التنفيذية في حين ان المجلس السابق كان مستقلا ً . فنحن لن نصل لمعشار ما وصلوا اليه .
واذا اراد احدهم الدفاع عن الانقلاب ذكر طرائف نزاهة الزعيم !فيا عجبي لو وضعنا اكتشافنا لأخلاق الزعيم في الكفة ووضعنا قبالها الكوارث المذكورة التي انزلتها الثورة بنا فأي كفة سترجح .
كم احبك يا عبد الكريم قاسم لكني كم ابغضك .. الا لعنة الله على ما قمت به وليسامحك الله على ما ارتكبته بحقنا .