لمْ تمضِ 24 ساعة على توقيع الإتفاق المشترك في بكّين , حتى اصدرت كتائب حزب الله العراقية بياناً حرّضت فيه على نشر الفوضى والعنف في السعودية , داعيةً في موقعها الألكتروني على نقل الصراع الى شوارع الرياض , وهذا ما يشكّل اول قطرةٍ في الغيث وفي يومه الأول .!
لم تتضمّن فقرات وتفاصيل هذه الإتفاقية الى ما يوحي بالإلتزام المطلق بها وعدم خرقها بأيٍ من السبل غير المباشرة .! , او حتى امكانية التخلّي عنها من أيٍّ الطرفين تحت ظرفٍ سياسيٍ ما او متغيراتٍ سياسيةٍ في وقتٍ لاحق , فعلى سبيلِ مثالٍ مجازيٍّ الى حدٍ ما , فلو تمكّنت ايران قريباً من بلوغ اعلى درجةٍ من تخصيب اليورانيوم , وبالتالي اعلنت انتاجها للقنبلة النووية المفترضة < والتي ترجّحها التقارير والمعلومات الأمريكية والأوربية > فهل ستغدو طهران مضطرّةً للإلتزام في هذه الأتفاقية , وماذا بوسع الصين أن تفعل آنذاك .!
من الصعوبات والتعقيدات التي صاحبت الوصول والتوصل للتفاهمات الأخيرة بين الوفدين او الفريقين الأيراني والسعودي , أنّ كلا الجانبين لم يحملا سمةً دبلوماسية , وقد تجاوزت قيادتا البلدين وزارتا خارجيتهما , واوكلتا الأمر الى المخابرات والأجهزة الأمنية ذات العلاقة , حيث ترأسَ الفريق الأيراني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي ” السيد علي شمخاني ” , بينما ترأسّ الفريق السعودي مستشار الأمن الوطني في المملكة السيد ” مساعد بن محمد العيمان ” .
لوحظَ ايضاً تأثيرات مدى نقص الأموال والعملة الصعبة وانعكاساتها الحادّة على مفاصل الدولة الأيرانية وفي سبلٍ شتّى , ممّا دفع بالقيادة الصينية وبإلتفاتةٍ ذكيّة الى طمأنة الأيرانيين بأنها بصدد استيراد كمياتٍ كبيرة من النفط الأيراني , لتخفيف العبئ الأقتصادي السائد , واستثمار او استغلال ذلك في إقناع الجانب الأيراني بقبول التوقيع على الأتفاقية مع الرياض , حيث تُعتبرالأيام الأربعة التي سبقت التوقيع فترةً طويلةً للغاية قياساً الى : –
1 – مدة سنتين من جَلَسات المفاوضات المتقطّعة بين السعوديين والإيرانيين , وبرعايةٍ خاصة من العراق وسلطنة عُمان .
2 – اذاما كانا كلا الوفدين < اللّذين شدّا الرحال الى بكّين > مُهيَّأين نفسياً وفكرياً لإنهاء حالة النزاع المستمرة والمتأزمة منذ سنين .
إنّ تحديد او اختيار مدّة شهرين للشروع بأستئناف العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء بين طهران والرياض , كانَ من النقاط اللافتة والمقصود بها كمحاولةٍ لترويض الرؤى المتضادة بين الدولتين , وأقلمتها وتكييفها للإستعداد السيكولوجي المسبق قبل انتهاء مدة الشهرين المشار لهما , بينما كان ممكناً ” من الزاوية الفنيّة المجرّدة ” الشروع بتبادل السفراء وعودة العلاقات الدبلوماسية خلال ما بين اسبوعٍ – اسبوعين طالما جرى تثبيت التواقيع على الإتفاقية .
في المجمل الآني , فهذه الإتفاقية < التي قد تُسمّى بأتفاقية بكّين في مراحلٍ لاحقة من التوثيق وتدوين التأريخ > فإنها تدعو ” بشكلٍ او بآخر ” الى التفاؤل ضمن المدى المنظوروالقريب , لكنّ لا مؤشراتٍ او إشاراتٍ بإتّجاه مدىً متوسّط , مع استبعادٍ شبه مطلق الى مدياتٍ بعيدة … كما أنّ المتغيرات الدولية في ظلّ وعلى ضوء الأزمات القائمة والتي تتسيدها الحرب الأوكرانية – الروسية , وبروز الدور الصيني كقطبٍ متميزٍ بنحوٍ يدنو بما كان يمتاز به الأتحاد السوفيتي السابق في حقبة الحرب الباردة , فلها ما لها من حساباتٍ ما خارج نطاق الحسابات التقليدية في العلوم السياسية والعلاقات الدولية المعتادة .