23 ديسمبر، 2024 3:09 م

اضطرابات الأطفال النفسية والسلوكية وتحديّات التشخيص

اضطرابات الأطفال النفسية والسلوكية وتحديّات التشخيص

حظيت مرحلة الطفولة باهتمام خاص في العلوم الإنسانية والطبية، لما تمثله من منطقة عبور حساسة في تاريخ الإنسان وتكوينه. فمن ناحية يكون الإنسان أكثر حساسية للبيئة وتأثراً بها وخصوعاً لشروطها، ومن ناحية أخرى تتسارع وتيرة النمو الجسمي والنفسي في هذه المرحلة بصورة أكبر من سائر المراحل العمرية ، وهذا معناه أن عنصر الزمن حاسم جداً في صياغة الطفولة .
اهتم علم النفس – منذ بواكيره- بالطفولة اهتماماً واسعاً، فكانت الدراسات حول أنماط التعلق attachment styles عند الأطفال مثلاً، وكانت دراسات ذكاء الأطفال واكتشاف مواهبهم، وكانت دراسة سلوك اللعب وسلوك العدوان، وغير ذلك مما يتصل بحياة وشخصية الطفل.
تعد اضطرابات الأطفال النفسية والسلوكية من أهم ما يشغل العلوم النفسية اليوم، فالتعرف على الإضطرابات في هذه المرحلة الحساسة يعتبر خطوة فاصلة، والخدمة النفسية المبكرة هي أكثر جدوى ونفعاً للشخص ومن حوله لصالح مستقبله الإجتماعي والوظيفي والشخصي.
في مقالنا هذا نشارككم بعض التحديات التي تواجه عملية التشخيص النفسي للطفل، والتي يمكن إيجازها في الآتي:
أولاً: محدودية الذخيرة السلوكية للطفل : يشير مصطلح الذخيرة السلوكية (behavioral repertoire) الى مجموع السلوكات التي يمكن للفرد أن يقوم بها. وتتسم ذخيرة الطفل بالمحدودية نظرا ً لمحدودية خبراته ومعارفه، وهذا يعني أنه سيعبر عن إنفعالاته ومشاعره بعدد محدود من السلوكات. فسلوك مثل العزلة أو البكاء أو الغضب يحتمل معاني عديدة على الأخصائي أن يكون مؤهلاً لتفسيرها بشكل دقيق.
ثانياً: ضعف قدرة التعبير عن الذات: يعتمد التشخيص النفسي إلى حد كبير على تقرير الفرد عن نفسه (Self-report) ، أي توضيح الفرد لانفعالاته ودوافعه ومقاصده. وتتطلب هذه القدرة بالضرورة حصيلة لغوية جيدة وقدرة على وصف الأشياء والذات. إن هذه القدرات لا تزال في مرحلة النمو عند الطفل، وهذا معناه أن قدراً مهماً من التفاصيل سيكون علينا ملاحظته بأنفسنا بدل أن يعبر الطفل عنه بنفسه .
ثالثاً: تسارع النمو يتطلب إعادة التشخيص: بسبب تسارع النمو الجسمي والنفسي والعقلي في مراحل الحياة الأولى، فإن كثيراً من الجوانب تتطلب إعادة تقييم من الأخصائي بعد مرور فترة وجيزة في كثير من الأحيان لما يعتريها من تغيرات في الشدة أو الأعراض.
رابعاً: لا يكفي أن يكون الأخصائي عارفاً باضطرابات الطفولة، وإنما عليه أيضا أن يكون مُـلما ً بخصائص كل مرحلة في الطفولة؛ من حيث القدرات والأنماط، ليتمكن من تقييم دقيق: هل السلوك كذا ضمن المستوى الطبيعي أم ثمة مشكلة ما؟ . فمثلاً قد لا يستطيع أن يحدد هل تشتت انتباه الطفل ضمن المستوى العادي أم أنه مدعاة للتدخل الإكلينيكي ؟ أو أن يحدد هل قدرات الطفل اللغوية تشير إلى اضطراب لغة أم اضطراب تواصل؟ .. حتى يكون مُـلماً بكل مرحلة وخصائصها النمائية .
ماذا بعد ؟
إننا بتوضيحنا هذه العناصر نسترعي انتباه الأهل إلى ضرورة التعاون مع الأخصائي في متابعة سلوك الأبناء والتعبير الدقيق عن تفاصيل حياتهم، فهم الأعلم بالطفل ومسار يومه ونمط استجاباته، وهم بالتالي يمثلون حلقة وصل هامة بين الأخصائي والطفل بما يخدم مصلحته الشخصية والإجتماعية في مراحل عمرية لاحقة من حياته .