27 ديسمبر، 2024 10:34 م

اصلاح حكومة اقليم كردستان والخروقات القانونية

اصلاح حكومة اقليم كردستان والخروقات القانونية

الزام حكومة اقليم كردستان العراق نفسها بالاصلاح الاداري والمالي والتنظيمي لمنتسبيها المدنيين والعسكريين في الوزارات والاجهزة والدوائر الرسمية التابعة لها بادرة جيدة للسيطرة على الفساد والاستنزاف المالي الجاري منذ عقود من السنين، وهو بالمراد برنامج سياسي تبنته واطلقته الحكومة برئاسة مسرور برزاني ونائبه قوباد طالباني عند استلام الكابينة التاسعة قبل سنتين، وتأكيدا من اجل ارساء بنية قانونية تحتية لتنفيذ الاجراءات الاصلاحية تم اصدار القانون رقم 2 لسنة 2020 (قانون الاصلاح في التقاعد والرواتب والمخصصات والمنح والامتيازات الاخرى) من قبل برلمان كردستان لاتخاذ ما يلزم من خطوات ادارية وقانونية وتنظيمية لاعادة وحماية الحقوق المادية المنهوبة للسلطة التنفيذية بالاقليم من خلال فساد رهيب مرتكب عمدا من قبل الحزبين الحاكمين الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود برزاني والاتحاد الوطني برئاسة المرحوم جلال طالباني.
ورغم ان الاجراءات التنفيذية ما زالت بعيدة جدا عن تحقيق اصلاح جوهري ونوعي في البنية التنظيمية والهيكلية للحكومة، الا ان الخطوات المتحققة لاعادة النظر بالامتيازات المالية االعالية الممنوحة لاصحاب الرتب العالية دون استحقاق عادل في المناصب والمواقع المدنية والعسكرية بدأت تحقق ايجابيات ملموسة، وذلك من خلال تعديل الرواتب وازالة الامتيازات المالية غير المستحقة واسقاط الفروقات الفاحشة التي اتسمت بالتمييز العنصري الحزبي والعائلي للافراد الفاسدين لنظام الحكم على حساب الاغلبية المحرومة.
ولا ينكر ان خطوات الاصلاح لحكومة الاقليم ما زالت بعيدة عن ابعاد الوزراء والمسؤولين غير المؤهلين والمتسمين بالفساد والمرتكبين لاعمال مافيوية بوضح النهار من خلال سرقة التخصيصات المالية ونهب الايرادات الحكومية والمتاجرة ببيع الاراضي التجارية والزراعية والممتلكات العامة، ومن ضمن ذلك الفساد الرهيب الجاري في اوساط المشاريع التي تقام للقطاع الخاص باسم المشارييع الاستثمارية والاستراتيجية والتي تجري فيها تخصيص نسب لصالح الورزاء والمسؤولين، وذلك من اجل تحقيق اهداف الشركات لتحقيق اكبر نسبة من االمنافع غير الشرعية، واكبر دليل على سوء الاستغلال الحاصل هو تخصيص مساحات اراضي زراعية شاسعة لاصحاب اموال فاسدة توهم السلطة باقامة مشاريع استراتيجية بينما هي عبارة عن شكل من اشكال تدوير الفساد ونهب الاراضي والممتلكات العامة للشعب، والدليل الاخر هو تحول بعض الوزراء الى وكلاء للشركات لتسويق خططها مثل قيام وزير معين بالدعاية على شاشات الفضائيات لاحد المواد الغذائية المستوردة من الخارج والادعاء بأنها مليئة بمواد سمية وكيمياويات مسرطنة دون ادلة علمية مختبرية من جهات موثوقة ورصينة عراقية واوربية، وان كان كلام الوزير صحيحا فكيف بالحكومة والوزارات المعنية تسمح باستيراد تلك المادة الغذائية المسرطنة منذ عقود ولم تتخذ اي اجراء لوقفها او منعها، خاصة وان عملية استيراد تلك المواد السامة ضمن المحتويات الغذائية تعتبر خرق عدواني للامن الغذائي للاقليم وللحكومة واختراق اجرامي للوائح حماية الصحمة العامة للمواطنين.
وكذلك نجد ان خطوات الاصلاح للسيدين مسرور برزاني وقوباد طالباني مازالت مرافقة لمخالفات قانونية مكشوفة تعتبر خارقة للدستور العراقي الدائم الذي ينظم اعمال السلطات والحكومة الفيدرالية وحكومة الاقليم، وابسط دليل على ذلك هو صدور امر حكومي غير قانوني لتعيين مسؤول غير متخصص لاحدى المؤسسات الخدمية الطبية لحماية الثروة الحيوانية من الاوبئة والامراض الفايروسية والبكتيرية المسببة للهلاكات والاضرار الاقتصادية، والامر خرق فاضح للفقرة السادسة من المادة الثالثة من القانون رقم 10 لسنة 2010 الصادر من برلمان كردستان، ورغم اللجوء الى احتجاجات مدنية نقابية، لكنها لم تقدر على وقف الامر بسبب النفوذ القوي للعصابات التجارية الفاسدة والمافيات التي تقف وراء الوزير المقصود.
لذلك نجد ان حكومة الاقليم مازالت ترتكب الفساد ومخالفات ضد القانون، ونجد ان التنظيم العام للاعمال والمهام الحكومية ما زالت بعيدة جدا عن اجراءات فاعلة ومؤثرة للسيطرة على الفساد الرهيب الجاري بالاقليم، خاصة في الاوساط الرسمية فهي تجري بموديل جديد لتحقيق الثراء الفاحش لجيوب الورزاء والمسؤولين باسم دعم القطاع الخاص، وذلك من خلال ارساء علاقة مصلحية خاصة مع اصحاب الشركات والهيئات الاهلية التي تتدعي اقامة مشاريع كبيرة استراتيجية لحلب الحكومة واقتناص المنافع منها من خلال تخصيص اراضي زراعية بمساحات شاسعة وبيعها والمتاجرة بها، وكذلك من خلال فتح باب الاستيراد المعفي من الكمارك والرسوم والضرائب.
لهذا فان الحكومة عليها ان تتخذ الاجراءات التالية لمساندة خطوات الاصلاح وهي: تقليص الفترة الادارية لكل مسؤول حكومي من وزير الى وكيل ومدير عام واصغر مدير وتحديدها باربع سنوات فقط وعدم السماح بتجاوز يوم عليها، الكشف عن البيانات المالية والملكية الحقيقية الموثوقة المتعلقة بهيئة النزاهة والرقابة لكل مسؤول بالحكومة للراي العام، تشكيل منظمات فاعلة للمجتمع المدني وبتخويل من الحكومة لمراقبة جميع الاعمال العامة للسلطة التنفيذية واتخاذ الاجراءات اللازمة ضد الفاسدين والمخالفين والمقصرين، الاعلان تفعيل اعمال الهيئات الرقابية الحكومية وكشف بياناتها واجرائاتها للرأي العام والاعلام، تشريع لوائح قانونية لتحديد العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص وحصرها بتحقيق ورعاية المصلحة العامة، وضع ضوابط قانونية لتحديد الحدود المسموحة التي يمكن من خلالها تقديم الدعم للشركات والهيئات الاهلية وعلى ان لا تتجاوز حدود المصلحة العامة باي شكل من الاشكال، اعتبار الملكية العامة للشعب والدولة من المقدسات العامة وخاصة الاراضي الزراعية ولا يمكن تجاوزهها باي نص قانوني.
باختصار ما طرحناه هو رؤية تشجيعية وقراءة مكشوفة لدفع حكومة الاقليم الى القيام باجراءات وخطوات اصلاحية اكثر فعالية، وذلك لتعديل مخالفاتها القانونية وتشجيعها لتوسيع مجالات قطاعاتها لتحقيق منافع ومكتسبات اكثر لصالح المواطنين، وتقليل حجم فجوة الفساد الحاصلة المفروضة منذ عقود من قبل الحزبين الحاكمين، وقد حان الوقت للتخلص من فساد اعمالهما، والله من وراء القصد.