23 ديسمبر، 2024 7:25 ص

اصلاحات العراق .. الى اين ؟

اصلاحات العراق .. الى اين ؟

تذهب مجمل المؤشرات الى ان التظاهرات الجماهيرية التي اجتاحت مدن عراقية عديدة منذ حوالي اربعة اسابيع، لن تتوقف خلال وقت قريب، وان حركة الاصلاحات التي بدأها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، هي الاخرى لن تتوقف، ولن تنتهي، خلال وقت قريب، وقد لاتتبلور وتنعكس نتائجها ومعطياتها بيسر وسهولة.
اكثر من سبب يبقي ملفي التظاهرات والاصلاحات مفتوحة لوقت طويل، من هذه الاسباب:
-ان المطاليب تعددت وتنوعت في عناوينها وموضوعاتها، من سياسية الى امنية الى اقتصادية الى ادارية، فبعد ان مثل مطلب تحسين الطاقة الكهربائية واقالة وزير الكهرباء قاسم الفهداوي، شرارة التظاهرات في مختلف مدن البلاد، اخذنا فيما بعد نشهد مطاليب تتعلق بمحاربة الفساد والمفسدين، ومطاليب تتعلق بالغاء الدستور وحل مجلس النواب، ومطاليب تتعلق بالغاء الرواتب التقاعدية والامتيازات الباهضة لكبار المسؤولين في الدولة، ناهيك عن الشعارات ضد الدين والاحزاب الدينية، وعدد غير قليل من الشخصيات الحكومية والسياسية والدينية.

   بعبارة اخرى، يمكن القول ان صورة بانورامية تشكلت من المطاليب والشعارات المرفوعة في التظاهرات، يصعب التعامل معها بصيغة واحدة او منهج بعينه.

-بعض المطاليب ممكنة التحقيق خلال فترة زمنية قصيرة، مثل الترشيق الحكومي، والغاء او تخفيض الرواتب والمخصصات والامتيازات، وبعضها الاخر تتطلب مزيدا من الوقت، لاسيما تلك التي تتمحور حول الجوانب الخدمية مثل الكهرباء والاسكان وتوفير فرص العمل، وما الى ذلك. فضلا عن ذلك فأن هناك مطاليب غير ممكنة التطبيق، اما لكون ادواتها ووسائلها غير متوافرة او لانها تتقاطع مع المصالح العامة والبناءات السليمة، مثل الغاء الدستور وحل البرلمان.

-وفي اطار حركة الاصلاحات، فأن بعض الخطوات تحتم على رئيس الوزراء ان يتعاطى معها بروية وحكمة ولايتجاهل ويهمل ردود الافعال اللاحق التي يمكن ان تنتج عنها، من قبيل دمج بعض الوزارات والمؤسسات، والغاء البعض الاخر، او الاعلان عن اسماء متورطة بالفساد قبل اكتمال الادلة والارقام والوثائق، او التوجه لانهاء المحاصصة التي اضحت الاطار العام للعملية السياسية بطريقة سريعة جدا، يمكن ان تفضي الى خلط الاوراق وارباك الامور اكثر مما هي مرتبكة، ومن ثم فسح المجال لاجندات خطيرة من قبيل الانقلاب العسكري.

-تترافق التظاهرات والخطوات الاصلاحية مع حرب شرسة مازالت قائمة ضد تنظيم داعش في محاور وجبهات متعددة، وبما ان ذلك التنظيم الارهابي يشكل خطرا كبيرا على العراق، لذا فأنه من الطبيعي ان تحظى  تلك الحرب بأولوية لدى الحكومة، من حيث تأمين ظروفها وادواتها والامكانيات والموارد العسكرية والبشرية والمادية المطلوبة لديمومتها ومن ثم حسمها لصالح العراق والعراقيين في اقرب وقت.

   هذا من جانب، ومن جانب اخر هناك سجالا وجدلا واسعين تحفل بهما الكثير من الاوساط السياسية والفكرية والثقافية العراقية، حول نقاط القوة التي تتوافر عليها الحركة الاصلاحية، وكذلك نقاط الضعف.

   ومن نقاط القوة التي يطرحها البعض، التأييد والدعم الواضح والمستمر من قبل المرجعية الدينية في النجف الاشرف لحركة الاصلاحات، بصورة ربما لم تكن مسبوقة بهذا المستوى والوضوح والتأكيد.

   ونقطة القوة الاخرى، الحراك الجماهيري الواسع بتلاوينه المتنوعة ومطاليبه المتعددة وسلميته وتنظيمه، مع عدم اغفال حصول تجاوزات، من من قبل متظاهرين عن قصد او من دون قصد، ومرة من قبل عناصر امنية، بسبب تعليمات خاطئة، او تقديرات غير سليمة للموقف، او ضغوطات نفسية.

   النقطة الاخرى، تتمثل في ان مجمل الظروف متاحة لانطلاق حركة اصلاحات حقيقية وشاملة، بل بتعبير ادق تحتم الظروف انطلاق مثل تلك الحركة، فالترهل الكبير في الجسد الحكومي –المؤسساتي، وما يسببه من استنزاف هائل لموارد البلاد، واستشراء الفساد الاداري والمالي بمستويات خطيرة ومقلقة، وتدني-ان لم نقل انعدام-الخدمات لصالح اغلب الفئات والشرائح الاجتماعية، ونشوء طبقة صغيرة مترفة ومرفهه ومتخمة، وطبقة اخرى كبيرة غارقة في المشاكل والازمات والهموم الحياتية والامنية، دون ان تحظى بالقدر الطبيعي من الاهتمام. كل ذلك يمكن ان يشكل دافعا للتظاهر من قبل الناس، وحافزا لرئيس الوزراء لاتخاذ خطوات شجاعة وجريئة مثلما دعت المرجعية الدينية لذلك، وملزما لمختلف القوى والشخصيات والفاعليات السياسية والثقافية والاجتماعية للتفاعل والتجاوب مع حركة الاصلاحات، حتى وان لم تكن مقتنعة، وحتى وان كانت الاصلاحات متقاطعة مع مصالحها وحساباتها الخاصة، مثلما هو الحال مع اعفاء وزراء بعد الغاء وزاراتهم او دمجها مع وزارات اخرى، او تخفيض رواتبهم ومخصصاتهم، وتقليص عدد افراد حماياتهم.

   في مقابل ذلك فأن هناك نقاط ضعف، او قل، مخاوف وهواجس يثيرها البعض بشأن حركة الاصلاحات، تتمثل في جانب منها، بالحجم والكم الهائل من المشاكل والازمات والسلبيات والاخطاء، التي انتجتها منظومات فاسدة تغلغت في مختلف مفاصل الدولة الحساسة والمهمة ، كوزارات الدفاع والداخلية والمالية والنفط والكهرباء وغيرها، وربما يصعب على اقوى واوسع حركة اصلاحية اجتثاثها والقضاء عليها بيسر وسهولة.

   في ذات الوقت هناك خشية من ان تتحول التظاهرات الى سلوك مزاجي انفعالي، بحيث ان اي جماعة لديها مشكلة مع جهة معينة، او لها مطلب معين، تقرر التظاهر بصرف النظر عن تداعيات واثار ذلك على الجو والمناخ العام.

  وتتمثل تلك المخاوف والهواجس في جانب اخر منها ، بدخول اطراف خارجية-اقليمية ودولية-على الخط ومحاولاتها حرف التظاهرات والمطاليب عن وجهتها الصائبة، بأتجاه خلق حالة من الفوضى في الشارع العراقي، تمهد لاسقاط الحكومة والنظام السياسي القائم، ولعل بعض مارافق التظاهرات والاعتصامات في مدن مثل البصرة والنجف وكربلاء من مظاهر سلبية وشعارات مسيئة للدين يؤشر بصورة او باخرى الى ذلك.

   وهذه القوى تسعى جاهدة لفرض اجنداتها ومشاريعها الخاصة، والتي تتمثل اساسا بتقويض وافشال الوجود الاسلامي، لاسيما في ادارة شؤون الدولة، ودفع اصحاب الاتجاه العلماني الى الواجهة، وبحسب تلك القوى او ما يفهم من توجهاتها، اذا اتت التظاهرات والاصلاحات بما تخطط له وتريده فبها، واذا لم يحصل ذلك، فالخيار يكون حينذاك بأثارة الفوضى والاضطراب وخلط الاوراق، وهذا ما تحسبت له وحذرت منه اطراف عديدة مبكرا، وحتى رئيس الوزراء اشار اليه صراحة او ضمنا في اكثر من مناسبة خلال الاسابيع القلائل الماضية، فضلا عن ذلك فأن تسريبات من هنا وهناك راحت تتحدث عن دور للسفارة الاميركية وسفارات اخرى في بغداد في توجيه وتمويل ودعم بعض الجماعات المتظاهرة، واكثر من ذلك فأن دورها يصل الى اختيار وصياغة الشعارات!.   

   قد تبدو نقاط قوة التظاهرات والاصلاحات، موازية لنقاط الضعف او المخاوف والهواجس، وهذا يعني ان المعادلة حرجة وحساسة للغاية، في ظل حقيقة ان التظاهرات عمت مختلف مدن الوسط والجنوب والفرات الاوسط، ومن ضمنها العاصمة بغداد بثقلها السكاني الكبير(اكثر من سبعة ملايين نسمة) ونسيجها الاجتماعي المتنوع.، وفي ظل حقيقة ظهور بوادر وملامح تشكل وتبلور اتجاه علماني يعلن صراحة عدائه واستهدافه للتيار الديني، لا بهويته السياسية فقط وانما بهويته الاجتماعية والثقافية ايضا.