23 ديسمبر، 2024 6:18 ص

اشياء لا تباع….!؟ .. موقف تربوي حقيقي

اشياء لا تباع….!؟ .. موقف تربوي حقيقي

ناء بعيري بثقله حينها ايقنت ان القشة ستقضم ظهره حتما هذه المرة ،ورفعت رأسي وشعرت الالم في ظهري ايقنت حينها ان القشة نزلت فوق ظهري وليس فوق ظهر بعيري ، بالطبع حين يبدأ العد التنازلي و تفرغ الجيوب من زيت الحياة وتملأها اسماء عقاقير العلل المنتشرة في بركة الله ، الضغط والقلب والمفاصل والمرارة والقولون والسكر ،وانا في وانا في سماء هذا البلاء المفعم بالسوداوية ، توقفت امام صيدلية  لها سمعة طيبة في المدينة لكون صاحبها  يحترم ابناء مدينته و يطمح برضى الله  ، القيت التحية وردها شاب ذو وجه جميل اثار الصلاة تعلو جبهته ، سلمته وصفة طبية و في الحال وضعها في كيس وسلمها لي واحجم بشدة عن استلام ثمنها وقال عبارة سحرية لا يزال مذاقها في فمي وفي انحاء جسدي :
-“مساء الخير…!”
-” اهلا استاذ ، اشلونك…!؟”
– ” بصحة جيدة تسلم ، من فضلك اريد الادوية الموجودة بتلك الوصفة…..!”
– ” دقائق وستكون معك..!”
– ” كم المبلغ…؟”
-” هذا الادوية مدفوعة الثمن منذ عشرين سنة…!!؟؟
سماع  تلك الجملة السحرية والمثقلة بالمعاني والعبر التربوية والانسانية ايقظني جديدا في كل شيء وبثت بي روحا ملائكية ، انظر بوجه الله وجماله المبهج في كل شيء ، سماء زرقاء صافية زينها بقدرته ولونها بالوانه الخلابة ، غيمات فضية صغيرة تصول و تجول، تداعب بعضها البعض ببراءة طفولية وتلعب في ساحات السماء البرحة تحت جدائل الشمس الذهبية المبعثرة كشعر عروس  تستعد للقاء عريسها المنتظر وهي تهم بتسريحه بمشط الزمن ، و تحدق فينا بقسوة بقرصها الكامل كعين غاضبة ، تراقب الخلق وتسجل حركات عشاقها ومواعيدهم  وهي تتصيدهم بين ظلال الاشجار وتلك عادة لئيمة لدى الشمس انها تسترق السمع لهمسات العشاق وتناكدهم احيانا وتفضح اسرار خلواتهم بنورها المشع واحيانا تكوي اجسادهم بخباثة بحرارتها  وتخرجهم من حالاتهم الخيالية وتدخلهم في جحيم الواقع المر، القمر افضل منها كثيرا في تلك الناحية فهو رقيق وحنون جدا مع العشاق حين يخفي اسرارهم تحت عباءته السوداء….ربما لكونه ذكر ….!؟

 وانا اسير في هيلمان عكد الهوى وسحره الاسطوري احس ونسمات عليلة تداعب الانوف حين تنبعث روائح الزهور العطرة وتمتزج مع العطور الانثوية التي ملأت انفي بنفس طويل استنشقته معه امل وربما جزء من سعادة وانا عائد الى البيت بحلة انسانية واحساس غريب لم احس به من قبل….!!… ارى عكد الهوى  جديدا رغم عمامة الحبوبي التي تلوح من بعيد وتصر  ولسان حالها يقول ان الشارع هذا قد سمي باسم صاحبي  ، ونحن الجيل المعتق نناكد هذا الاسم ونميل الى الاصل ، الاماكن نفسها رغم الاسماء الجديدة ،  الناس نفس الناس  ، والوجوه الجميلة لا تزال كما هي وقد ازدادت  بريقا وجمالا ، والحركة الدؤوبة تغزو الشارع كالعادة وتنشر فيه فوضى  حيوية  وجدية لذيذة  للتفرج  والتسوق والاستمتاع  وكل ناصري غارق في اثير الجمال هذا و يهيم حبا بتلك الفوضى والازدحام العفوي اليومي لأحباب مدينة الطيبة ، مدينة كل شيء جميل ، اما انا ، فمدمن معتق لهذا المشهد الفردوسي اليومي  منذ اربعين سنة…..!؟

يظن البعض ان الجيوب المنتفخة تجعل الحياة ايسر ، وكلما كبر حجم الجيب انزلقت الحياة بيسر وسهولة و اسرعت الخطى ، ولكن الى اين …..؟… و بعض  يعتقد جازما ان ثقل الجيب هو زيت الحياة واكسيرها الناجع ، ولا حياة دون جيوب ، ونسى وربما تناسى اصحاب هذا الراي ان اعمدة الحياة الرئيسية لا تشترى ولا تباع ، وما يباع ويشترى منها سوى قشور طريقها القمامة….!؟!

جاهدت كثيرا كي اخرج نفسي من ذلك الموقف ، ولم استطع ، لكني ادركت ان صاحبها ليس ورقة نقدية  بل ورقة  حية واحدة  فقط من اشجار طيبة مثمرة  زرعت بعناية وحكمة وسقيتها بدمي ونزاهتي منذ اربعين سنة ، ومن يستطيع عد اوراق الاشجار … الاهم من كل شيء ان يقيني قد رسخ تماما بان الغنى لا يقاس بمال او جاه بل بما نزرع…..الزرع الامثل يجني حصاد اوفر…..!؟!