لايمكن اطلاقا ترك الامورعلى عواهنها ، فيختلط في دروب الظلمة الحابل بالنابل ،ويصعب تمييز الغث في السمين ، المسيء في الملتزم الفاسد من المتفاني .
اكثر من عشر سنوات مرت ومازال المقود يستدير شمالا وجنوباً تحركه او تحدد اتجاهاته الاحداث العصيبة المتراتبة والظروف الانية لانه بات عصياً على التحكم ويرفض وضعه في حدود السيطرة بعد ان اعتاد على الانفلات الدائم، في وقت امتنع فيه الكثير من السياسيين من التقرب منه او على الاقل محاولة لجم ولو شي بسيط من جموحه الذي يتصاعد يومياً ويكاد الاستدارة الى قلب العاصفة التي باتت رياحها الاولية تقتحم الاطراف قبل الولوج بماسيها واضطراباتها وما تحمله من خراب وتدمير الى الاعماق .
مازال الضباب يلف الجدران والاسماء ويتحرك الجميع في منطقة سوداء لانور فيها ولا دليل ، حتى بوصلة الاتجاهات قد توقفت مؤشراتها ، اوربما تعطلت فصارت تقرأ الاشياء بالمقلوب ، عندها تدب الفوضى وتضيع منافذ المسالك والانفاق ويحكم (التلاطم) والتصادم حركة من فقدت عيناه الرؤية ولو لمسافة سنتمتر واحد .
من اكثر الافات جوعا في افتراس جسد الوطن والبشر هي ترك الاوضاع تسير وحبلها على الغارب ، لاتجد من يردعها او يحاول ايقاف زحفها المخيف الذي ينذر بما يفوق التوقعات والتصورات .
افتقدنا ومنذ سنوات العمل بنظرية تسمية الاشياء بمسمياتها حتى ان بعض تلك الاشياء قد تبدلت اسماؤها وتغيرت مفاهيمها وحدودها ومهماتها فصار الابيض اسوداً او الجبل فاراً ، والقزم عملاقا .
اذا كانت المستحيلات باعدادها و احجامها قد غادرت منذ زمن بعيد قواميس دول العالم لكنها اليوم تعد عندنا اكتشافاً جديداً استوردناه من مراحل الخوف والرعب والتخلف الابدي وذوبان العقول مع جليد الامم الباردة وانقطاع حبال او جسور الانطلاق الى المستقبل.
لانريد الوصول الى الشمس او محاكاة تضاريس القمر بل نتطلع الى اطلاق اسماء صحيحة على مسميات قادرة على حمل مسؤولية ذلك الاسم والتعبير عن مكنوناته ، فلنغادر ممارسات (الطمطمة) واظهار الحقائق على السطح كي تكون بينة للقاصي والداني ولايمكن ان تستقيم الامور دون تسمية الاشياء بمسمياتها .