19 ديسمبر، 2024 12:51 ص

اشكالية الانتخابات المبكرة

اشكالية الانتخابات المبكرة

نتيجة تراكم اخطاء الاحزاب الحاكمة في العراق وسوء الادارة اضافة الى الفساد المستشري في اجهزة الدولة المختلفة وضعف بل انعدام الخدمات المقدمة للمواطنين فقد انتفض الشعب العراقي في الفاتح من تشرين اول / اكتوبر من عام 2019 ، مطالبا باسقاط النظام السياسي واجراء انتخابات مبكرة للتخلص من الطغمة الحاكمة الفاسدة . وقد ادت هذه الانتفاضة الى اسقاط حكومة عادل عبد المهدي . وتم تكليف السيد مصطفى الكاظمي لرئاسة الوزارة الجديدة بعد مخاض طويل وخلافات شديدة بين اطراف العملية السياسية .

اعلن السيد الكاظمي في خطاب متلفز اجراء انتخابات مبكرة في الاول من حزيران / يونيو 2021 . استنادا لما جاء في منهاجه الحكومي .
وبالرغم من تفائلنا ، واملنا في تحسين الاوضاع . الا ان اجراء انتخابات حرة ونزيهة يبدو أقرب إلى الخيال . حيث ان هناك تحديات ومعوقات عديدة تحول دون تحقيق هذه الوعود والتعهدات .

ولعل اهمها ان الكتل والاحزاب الحاكمة لاترغب بإجرائها ، وتفضل بقاء الوضع على ماهو عليه لحين استكمال الدورة الحالية لمجلس النواب عام 2022 ، ومن اهم هذه الكتل ائتلاف دولة القانون ، وتيار الحكمة، وسائرون ، وتحالف القوى العراقية، والأحزاب الكردية ، إذ إن هذه الكتل والأحزاب تتمتع بنفوذ سياسي لاتريد التفريط فيه .
كما ان عدم استكمال قانون الانتخابات في مجلس النواب هو الاخر يعد من الاسباب المهمة التي قد تحول دون اجراء هذه الانتخابات . فبعد مناقشات مطولة لم تتوصل الكتل والاحزاب الى اية حلول بشأن هذا القانون . ولعل اهمها الخلاف حول ملحق القانون الانتخابي الذي يحدّد الدوائر الانتخابية في عموم المحافظات وآلية توزيع المقاعد فيها ، واعتماد الدائرة الواحدة لكل محافظة أو تقسيم المحافظات إلى دوائر متعددة .

ان الدستور العراقي يوجب
حل مجلس النواب قبل إجراء اية انتخابات مبكرة. ولايمكن ذلك الا بتصويت ثلثي أعضائه البالغ عددهم 329 ، وكما هو معروف فلا احد من اعضاء المجلس يريد التفريط بامتيازاته ، خصوصا وانهم وصلوا اليه بالتزوير والتزكية .

وكذلك فأن اختلال نصاب المحكمة الاتحادية العليا هو الاخر يحول دون إجراء الانتخابات . بسبب إحالة أحد قضاتها التسعة على التقاعد، وعدم وضوح آلية قانونية لتعويضه بسبب نزاع المحكمة مع مجلس القضاء الاعلى . وبالتالي سوف لن تتمكن من المصادقة على نتائج الانتخابات .

وتحت ضغط انتفاضة تشرين الباسلة تم استبدال المفوضية العليا المستقلة للانتخابات إلى مفوضية جديدة تضم سبعة قضاة . وبدأت اللجنة الجديدة عملها امام عدد من المشاكل الادارية والمالية ، اضافة الى انها اتهمت هي الاخرى بالمحاصصة من نفس الاحزاب الحاكمة .
وفي ظل الضائقة المالية للحكومة فان عدم توفر التخصيصات المالية لهذه المفوضية سيكون من الاسباب المعرقلة لاجراء انتخابات مبكرة ايضا .

وخيرا وليس اخرا فان من اكثر العقبات امام اجراء انتخابات مبكرة نزيهة ومعترف بها هي ضغوطات الميليشيات المسلحة على الناخبين ، والسلاح المنفلت خارج سيطرة الدولة الذي يهدد مجمل العملية الانتخابية .
واذا لم ينجح الكاظمي في السيطرة على الميليشيات الخارجة عن القانون فان مستقبل العراق كله سيذهب الى المجهول ، وليست الانتخابات المبكرة وحدها .

ومن كل ذلك يتضح ان اجراء الانتخابات المبكرة قد اصبح مستعصيا ، ولا احد يستطيع الجزم بها حتى بعد اكثر من سنة .
ويبدو ان تاكيد رئيس الوزراء على الانتخابات المبكرة قد جاء للاستهلاك المحلي ، او لاطالة عمر حكومته الموقتة بدعوى التحضير لهذه الانتخابات .

ان مطلب الانتخابات المبكرة النزيهة رفعته انتفاضة تشرين الباسلة ، بجانب مطالب أخرى وهذا المطلب لايمكن تنفيذه الا بتوفر الشروط اللازمة لاجرائها ، ولعل من اول هذه الشروط القضاء على الميليشيات والفساد السياسي والاداري . واذا لم يستطع الكاظمي ضمان الحد الادنى من شروط نزاهتها فعلى الاقل ليقوم بخطوة عملية واحدة بهذا الاتجاه ، ونحن لحد هذه اللحظة لم نر سوى وعود اعلامية غير قابلة للتنفيذ . اما لعدم وجود ارادة صادقة لانقاذ الوطن من هذه المحنة ، او عجز رئيس الوزراء عن مواجهة الميليشيات الولائية .

وجاء الانفجار المأساوي في بيروت ليعلن انهيار الانظمة الفاشلة في لبنان والعراق .
وهنا يتوجب على الشباب وكل قطاعات الشعب المحرومة مواصلة الاحتجاجات والانتفاضة حتى تحقيق اهدافها .
فالعراق بحاجة لجمهورية جديدة ودستور جديد ، فالشعب يعاني من أزمات سياسية وصحية واقتصادية وصراعات حزبية لانهاية لها ، ولايمكن الخلاص منها الا بنظام حكم سليم .