كثر في الآونة الاخيرة تداول ترجمات للقرآن الكريم باللغة الانكليزية، وهذا حسن من جانب، ومن جانب آخر، يدعو للتأمل والتوقف والاحتراز. فهو يعكس اهتمام المسلمين بنشر كتابهم بين الشعوب، وايصاله لكل البشرية… ولكن في الوقت نفسه يجب ان نميز بين الغث والسمين، ونفصل بين الامور، ونتبع طريقة علمائنا الفذة في (الجرح والتعديل) والتي لم يصل اليها احد من الامم في طريق التوثيق والسلامة… من هنا لا بد من تأمل ودراسة ما منشور من ترجمات للقرآن الكريم وتمحيصه وبيان الخطأ والصواب فيها.
انه على الرغم من الحقيقة التاريخية القائلة بان موقف العرب حول ترجمة القرآن الكريم يتسم بالتناقض الوجداني مثلما هي النظرة الاسلامية العامة حول ذلك، والباقية لحد هذا اليوم، يمكن النظر الى عملية الترجمة بكونها جزءاً طبيعياً من الجهد الاسلامي التفسيري، الا انه في الوقت الذي كانت فيه فكرة تفسير القرآن ليست بذات الدرجة من الجدلية، فان المحفزات العاطفية الكامنة لترجمة النصوص القرآنية الى لغات اخرى غير العربية، كانت على الدوام ينظر اليها بقدر من الريبة(1).
ان الله تعالى ختم الانبياء بالنبي محمد –صلى الله عليه وسلم- وجعل رسالة الاسلام هي خاتمة الرسالات، وبذلك اصبحت دعوة الاسلام دعوة عالمية لا يحدها زمان او مكان بل ان تبليغها واجب الى كل البشر. فعالمية الاسلام ووجوب دعوته ولزومها امر متفق عليه وليس فيه ادنى شك او ريبة، فالاسلام دين البشرية جميعاً.
ولما كانت حكمة الله تعالى انه خلق البشر على الاختلاف في السنتهم، لغاتهم، وبشرتهم، وقومياتهم… فوجب تبليغ الاسلام اليهم بلغتهم من دون المساس او التأثير بطبيعة الاسلام وجوهره. والقرآن الكريم هو منهج الاسلام والمسلمين وكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وقد بدا ذلك واضحاً عندما برزت الحاجة لترجمة القرآن خلال الظروف التاريخية عندما اقدمت اعداد كبيرة من الشعوب غير الناطقة بالعربية على الدخول في الاسلام، مما اعطى توجيهات لغوية جديدة لمحتويات الرسالة السماوية مثلما على سبيل المثال حدث في العهد الجديد والتي كان يمكن ان تقود الى تطورات غير مرغوبة ولا يمكن التكهن بها داخل الفكر الاسلامي.
وقد اجمع بعض العلماء المسلمين على تحريم ترجمة القرآن الكريم ترجمة حرفية، لأنه كلام الله عز وجل الذي اعجز الله به الأنس والجن وتحداهم ان يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، والترجمة هي “نقل معنى واسلوب من لغة الى اخرى”.(2)
فالترجمة سوف تخل بالوزن والمعنى، فأحد اوجه اعجاز القرآن الكريم هو الاعجاز اللغوي والبلاغي، اضافة الى الجرس او الايقاع. فالترجمة الحرفية سوف تخل بكلا الجانبين، وسوف تأتي كل ترجمة مختلفة عن بعضها، وكلها تحمل اسم القرآن الكريم The Holy Quran، وهذا لا يجوز. لأن “الصعوبة الاساسية في فن الترجمة متأتية من وجود الفاظ معينة في كل لغة لا مقابل لها في اللغات الاخرى”(3).
لقد ظهرت حاجة المسلمين لترجمة القرآن الى اللغة الانكليزية بصورة عامة من الرغبة في مواجهة الجهود التبشيرية. وقد بدأ المبشورون الغربيون بحملتهم هذه على امة اسلامية واهنة سياسياً خلال القرن الثامن عشر، وذلك بالترويج لترجماتهم الخاصة، وفي اعقاب التقاليد الجدلية الطويلة والتي كان الهدف منها التوصل الى طرح نسخة غربية من القرآن الكريم والذي كان كالعادة متخماً بالأخطاء ومربكاً للقارئ(4).
ومما لا شك فيه، لم يكن المسلمون بالتأكيد ليسمحوا بهذه الحملة التبشيرية والتي كانت بصورة عامة تستهدف التعتيم على حقيقة النص الأصلي وارباكه، باضافة تعليقات معادية لكي تأخذ مداها دون ان تكون هناك معارضة او محاولة لايقافها. لذلك، اتخذ القرار لوضع ترجمة امينة للنصوص القرآنية مع شروحات اصيلة وحقيقية ووضعها في متناول يد العالم الغربي. وفيما بعد طرحت هذه الترجمات الاسلامية لكي تخدم اولئك المسلمين الذين كانت الطريقة الوحيدة امامهم لفهم الرسالة القرآنية تمر عبر الوسط الخاص باللغات الغربية، كانت اللغة الانكليزية واحدة من اهم اللغات لذلك الغرض. وقد يكون ذلك عائداً لوجود الامبراطورية البريطانية التي ضمت اكبر عدد من الرعايا المسلمين بعد الدولة العثمانية(5).
ويمكن القول، ان التفسير الوارد اعلاه ينطبق الى حد ما على الحركات الطائفية او الباطنية ضمن الاسلام او حتى على المجموعات المارقة والمنشقة عن الاسلام، اذ كانت نشاطاتهم الترجمية واسعة ناتجة عن رغبتهم في الاعلان عن فرادتهم الايديولوجية واختلافهم عن الجسد الاسلامي الاكبر.
وعلى الرغم من وجود فيض من المجلدات التي تبحث في الابعاد المختلفة والعديدة للقرآن، لم نجد اي جهد كبير لحد الآن يهدف الى تفحص ونقد هذا الكم الكبير من الترجمات الانكليزية للقرآن. وحتى الدراسات البيبلوغرافيا في هذا الموضوع كانت قليلة بصورة عامة حتى ظهور البيبلوغرافيا العالمية لترجمات القرآن الكريم التي صدرت في استنبول عام 1986، والتي تقدم تفاصيل مرجعية طباعية لترجمات القرآن في (65) لغة.
كما ان هناك ملحقاً يتضمن بيبلوغرافيا عن ترجمات القرآن الكريم الى اللغات الغربية ألحق بكتاب جامعة كمبردج “تاريخ كمبردج للاداب العربية” اعد من قبل جي. دي. بيرسون. وكذلك مقالته في دائرة المعارف الاسلامية رغم انها ليست بذات فائدة كبيرة بالنسبة للمسلم(6).
ورغم ان من الاعمال المشار اليها آنفاً لا تحتوي على شروحات او حواشي فليس بوسع القارئ الغربي بخاصة ان يكوّن فكرة عن البناء الفكري للمترجم او افتراضاته الدوغماتية او مقارباتة للقرآن، وكذلك عن نوعية ترجمته.
وبصورة مماثلة، يمكن القول، ان الفصل الصغير المعنون “مدخل الى القرآن، القرآن والجهد العلمي الغربي”(7) ليس ذا فائدة كبير للقارئ المسلم بصورة عامة، الا انه مفيد في تقديم معلومات اساسية للجهود الغربية في مجال الدراسات القرآنية وترجماتها. وعليه، فان الابحاث التي تركز على تلك الجوانب لترجمات القرآن تبدو الحاجة لها ملحة لكي لا ينحى الباحثون الغربيون في تضليل قارئ القرآن من الذين لا يتكلمون العربية.
* الاعجاز القرآني واشكالية ترجمته
ان الكلمة في القرآن الكريم تأتي متناسقة مع اللفظ بل ان وقعها وجرسها يتناسب مع موضوعها، فآية العذاب والعقاب تأتي قوية شديدة حازمة بجرسها وايقاعها والفاظها وتعابيرها. وسورة (ق) مثال واحد على ذلك(8).
اما آية الرحمة او التوجيه، فتأتي هينة لينة تمس شغاف القلب وتنفذ الى اعمق الاعماق. وسورة (طه) و (الدهر) وغيرها كمثل من الامثلة على ذلك(9).
وهذا من صور الاعجاز القرآني، وان الترجمة الحرفية سوف تخل بهذا الجانب حتماً. ان “للكلمة الواحدة شخصيتين، شخصية مستقلة تلك التي تجدها عليها في معاجم اللغة، وشخصية تضفيها عليها العبارة التي تجل فيها، ومن المعيب في الكلام- منظومة ومنثورة- ان نضع الكلمة في غير موضعها من حيث الجرس، محدثين بذلك تنافراً في الحروف او اضطراباً في سلاسة الكلام”(10). اضافة الى ذلك ان في اللغة الاجنبية كلمات كثيرة جداً لا تطابق كلمات اللغة العربية “وليس في اي لغة، عربية كانت او فرنجية كلمتان متشابهتان كل التشابه مهما كان معناهما متقارباً”(11). فيلجأ المترجم امام كثرة المرادفات وعدم تطابق الكلمات الى تقريب المعنى والمفهوم باستخدام شرح قصير او جملة، وهذا بحد ذاته سوف يؤثر على الاعجاز البلاغي والسياق اللغوي للقرآن الكريم وربما كلمة واحدة سوف تغير المعنى بأكمله.
اذن، يجب ان تكون هنالك طريقة انتقائية ينتقي منها المرء الكلمات المناسبة التي تقابل المعنى المطلوب او تقرب منه، وهذا خاضع لاطلاع المرء او اجتهاده الشخصي فيحدث حينئذ الاخلال المقصود بالايقاع والجرس والوزن والبلاغة “وللكلمة كما للاشخاص، شخصيات مستقلة متمايزة تتألف عناصرها من رسم الكلمة وجرسها ومعناها في الجملة، ويختلف رواء كل كلمة وتأثيرها باختلاف الكلمات المجاورة لها، ولكل مكان في الجملة كلمة خاصة لا يمكن استعمال سواها الا على حساب التأثير البلاغي”(12).
فالقرآن الكريم هو كتاب الله المعجزة، وان كل حرف وكل كلمة في مكانها تدل على اعجازها او سياق الكلمة مع الجملة مع الايقاع هو اعجاز بحد ذاته لا ترقى له اي بلاغة واي لغة في العالم، هذه هي احدى الجوانب التي حرم على اساسها العلماء ترجمة القرآن الكريم ترجمة حرفية الى لغة اجنبية حية “وعدم تحمل اللغة المنقول اليها بلاغة القرآن واعجازه”(13).
كما ان خصائص اللغة الانكليزية مثلاً هي كثرة المرادفات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كلمة (الجهاد) بعضهم يترجمها Striving، والآخر Fighting، وثالث Struggle. وكلمة (التقوى) احدهم يستعمل Fear of Allah، والاخر Piety. وكلمة (الاستقامة) احدهم يترجمها Straightness والآخر Righteousness… الخ. وامثلة اخرى مثل كلمة (حرم عليكم) هناك ترجمات منها:
It is not lawful, It is not allowed , Forbidden on you (14).
ومنها (المنفقون في سبيل الله)، بعضهم ترجمهاWho gives money for God و Who for the love of God disburse his wealth او كلمة (على حبه) منها For his love their wealth though they love او كلمة (ليلة القدر) Knight of Power و Grand knight و Knight of decree او كلمة (الطاغوت) idol و False God و Tyrant او الآية (وامسحوا برؤوسكم وارجلكم)
Rub your heads and your feet ، Wipe your heads and yours feet، Wipe your heads and wash your feet.(15)
وغير ذلك امثلة كثيرة جداً، وهذا مما يجعل الترجمة الحرفية للقرآن الكريم تحمل اسم (القرآن الكريم) وتختلف في بعض الفاظها عن الترجمة الاخرى، بينما كتاب الله واحد لا يتعدد الى يوم الدين.
“اللغة العربية في طبيعتها تدل على معان اصيلة ومعان ثانوية، والقرآن الكريم اعجز الله به الانس والجن، ومن ابرز معالمه انه يغني في الكلمة عن عبارة، وفي العبارة عن الجملة”(16). بالاضافة الى ذلك، “ان هذه الترجمات تصرف الناس من غير العرب عن القرآن الكريم نفسه وتشغلهم عن قراءته وتدبره، اذ ان قراءة القرآن بالعربية امر تعبدي وفيه معان لا تتوفر ولا يدركها الا من قراء القرآن بلغته التي انزل بها”(17).
ان ترجمة القرآن الكريم يجب ان تتم من قبل مسلم ثقة له اطلاع والمام باللغة العربية وبتفسير القرآن الكريم لفقهاء المسلمين وعلمائهم، فالجهل باللغة العربية سوف يشوه المعنى ويخرجه عن سياقه الاصلي، وهنالك امثلة على ذلك، فعلى سبيل المثال لا الحصر، قال تعالى “ولا تيأسوا من رحمة الله” ترجمها احدهم”:
Do not despair of Allah’s spirit
فقد ترجم كلمة Spirit مقابل كلمة الروح في حين ان كلمة الروح هنا تعني الرحمة، فالأصل كان استخدامه كلمة Mercy.
وقال تعالى “وقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي” ترجمها احدهم: Him my personal servant make. ، قال ابن كثير معناه “اجعله من خاصتي واهل مشورتي” وليس كما اوردها المترجم من جعله خادمي الخاص(18).
وفي قوله تعالى “هن لباس لكم وانتم لباس لهن” جاءت ترجمتها:
They are your garments and you are their garments.
فكلمة Garment تعني كساء او ثوب، في حين الآية الكريمة تتضمن قيمة معنوية، فقد جاء في تفسير الجلالين “كناية عن تعانقهما او احتياج كل منهما الى الآخر” فالمعنى ليس حرفياً كما جاء في ترجمته بل هو معنى مجازي واستعاري(19).
* ترجمات القرآن الكريم
سنحاول هنا ان نتناول اهم ترجمات القرآن الكريم وتفسيراته باللغة الانكليزية وبيان مواضع الضعف والقوة فيها.. علماً ان الترجمات الانكليزية الكاملة الرئيسية تمت من قبل الباحثين المسلمين بصورة اساسية بسبب الحماسة التي شعروا بها وتفنيد الاتهامات الموجهة من قبل المبشرين المسيحيين ضد الاسلام بصورة عامة وضد القرآن بصورة خاصة.
تأتي في مقدمة هذه الترجمات، ترجمة محمد ظفر الله خان، التي صدرت عام 1971، ونشرت في بريطانيا عن مؤسسة اكسفورد و IBH.
في الحقيقة وجدت في هذه الترجمة الكثير من الهفوات، وقد قمت بقراءة بعضها، ولم ينشرح صدري لهذه الترجمة، وهي ترجمة حرفية للقرآن الكريم، وقد يلجأ في بعض الأحيان الى شرح الآية الكريمة لتوضيحها. وعند فراغي من هذه الترجمة صادف ان اطلعت على رسالة (المسألة القاديانية) للسيد ابي الاعلى المودودي والصادرة عن رابطة العالم الاسلامي، وتكلم فيها عن القاديانية، وجاء في كلامه ” واما القاديانيون فقد فسروا (خاتم النبيين) لاول مرة في تاريخ المسلمين بان محمد –صلى االله عليه وسلم- هو خاتم الانبياء، اي (طابعهم)، فكل نبي يظهر الآن بعده تكون نبوته مطبوعاً عليها بخاتم تصديقه –صلى الله عليه وسلم-(20) . وهذا جعلوه لتأييد رأيهم في ان زعيمهم المرزا غلام احمد، وهو نبي، وان النبوة لا تنقطع بوفاة الرسول –صلى الله عليه وسلم- وقالوا “انما المراد به انه صلى الله عليه وسلم خاتم الانبياء، اي طابعهم، فلا نبي الآن الا من يصدقه هو –صلى الله عليه وسلم- وبهذا المعنى نؤمن بان الرسول الكريم هو خاتم النبيين، وقالوا: الخاتم- هو الطابع، فاذا كان النبي الكريم طابعاً فكيف يكون طابعاً اذا لم يكن في امته نبي، وما هو واضح ان باب النبوة لا يزال مفتوحاً بعد النبي –صلى الله عليه وسلم- وهكذا فتح مرزا غلام احمد القادياني باب النبوة ثم قاد مدعياً بنبوته وصدقته الطائفة القاديانية دعواه هذه واقرت له بالنبوة بالمعنى الحقيقي التام”(21).
وعندما قرأت هذه الصفحات من كتاب المودودي، فأني عدت الى ترجمة ظفر الله خان فوجدته يذكر في تفسيراته لقوله تعالى في سورة الاحزاب “ما كان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين”. ترجمها:
Muhammed is not the father of any of your men, but he is the messenger of Allah and the seal of the prophets.
فقد استعمل هنا كلمة seal مقابل خاتم، ونعرف بان معنى كلمة seal هو ختم او شمع يختم به و Sealed مختوم، وهذا مما دعاني الى الشك والريبة في هذا الشخص وارتسمت في ذهني صورة مريبة عنه، علماً انه كان اكثر دقة في تفسير وترجمة الآية الكريمة:
They are as a garment for you and you are as a garment for them.
فاستعمل حرف as وهو حرف تشبيه في اللغة الانكليزية، يعني (مثل) او (ك) فشبه العلاقة بين الرجل والمرأة كاللباس او الكساء وليس اللباس بحد ذاته.
على اساس ما تقدم… ان “تعلم اللغة العربية واجب لفهم الدين، فان قيام هذه الترجمات تبعد الناس عن اللغة العربية، وسيجدون انفسهم في غير حاجة اليها”(22).
فيجب على المسلم من غير العرب ان يتعلم اللغة العربية لانها لغة القرآن الكريم، وان الصلاة لا تصح بغير قراءة القرآن الكريم، وان قراءته عبادة “واذا كان لا بد من الترجمة الى لغة اجنبية فان التعريف بالاسلام يتضمن اصدار كتب وبحوث باللغات الاجنبية تظهر معاني القرآن ومقاصد الاسلام ومن قبل متخصصين بالشريعة ومتقنين للغة اجنبية”(23).
وهناك ترجمة الشيخ عبد الله يوسف العالم الهندي المسلم المعروف بـ:
The Holy Quran, translation and commentary, Lahore, 1934-1937.
كأفضل ترجمة شائعة بعد ترجمة ظفر الله خان. ولم يكن عبد الله يوسف عالماً اسلامياً بالمعنى المتعارف عليه بل كان موظفاً مدنياً، لذلك فليس من الغريب ان تكون بعض الشروحات التي كتبها وبصورة خاصة حول مواضيع الجنة والنار والملائكة والجن وتعدد الزوجات… قد جاءت باسلوب يقترب من الاسلوب شبه العقلي الذي كان سائداً في حينه.
وقد رجع عبد الله يوسف الى امهات كتب الحديث والتفسير والفقه والى اقوال العلماء المسلمين المتقدمين والمتأخرين، ورد على كثير من اقوال خصوم الاسلام، وبين الاقوال الراجحة عند علماء المسلمين، وذلك بعد بحث واستقصاء ودرس عميق فجاءت ترجمته من اوثق التراجم, وقد جرى اعتمادها كمرجع موثوق من قبل رابطة العالم الاسلامي ولكنه ايضاً قام بترجمة آيات القرآن الكريم ترجمة حرفية فكانت ترجمة ضعيفة فيها الكثير من الهفوات، ولكن ترجمته التفسيرية كانت فاخرة حقاً.
ان تأكيده المغالي فيه على المواضيع الروحية، شوه النظرة العالمية للقرآن. وبالضد من ذلك يمكن القول، ان عبد الله يوسف كان واحداً من قلة من المسلمين من الذين يتمتعون بمقدرة عالية في اللغة الانكليزية، وقد بدا ذلك واضحاً في النص المترجم، ورغم ان ترجمته كانت تفسيراً اكثر من كونها ترجمة حرفية الا انها تعكس للقارئ صورة امينة وقدراً وافراً من النص الاصلي.
اما الترجمة التي قام بها ابي الاعلى المودودي التي تحمل عنوان (تفهيم القرآن) والذي نشرها اصلاً باللغة الاوردية ونقلها الى الانكليزية ظفر اسحاق الانصاري The Quran towards understanding من منشورات المؤسسة الاسلامية في اسلام اباد عام 1988. وهي ترجمة تفسيرية للقرآن نجحت وبصورة رائعة في اعادة تقديم بعض من روعة النص الاصلي. فجاءت هذه الترجمة امينة ومليئة بالتعليقات المفيدة والمصطلحات الدقيقة والكلمات الشائعة الاستعمال، ولكنه في الحقيقة وقع في نفس خطأ من سبقه حيث ترجم آيات القرآن ترجمة حرفية ثم قام بتفسيرها في الهامش.
ونظراً لأن المودودي كان مفكراً كبيراً وذا قدرة نادرة جمعت بين المعارف الكلاسيكية والحديثة، فان ترجمته تساعد القارئ من غير العرب في بناء فهم واسع للقرآن كمصدر للارشاد والتنوير. وبالاضافة الى قيامه بترتيب الآيات والصور وفق الظروف السائدة الخاصة بتلك الفترة الزمنية، يحاول المودودي وبصورة مستمرة على اقتران الرسالة الكونية للقرآن وربطها بفترته الزمنية ومشاكلها، وذلك عن طريق المسوحات المستفيضة. ويجتمع اسلوبه المنطقي في التحاجج العقلاني السهل والاستخدام الامثل للفقه الاسلامي الكلاسيكي والحلول العملية لمشاكل اليوم لكي يظهر الاسلام كأسلوب متكامل في الحياة بكونه الطريق الصحيح للبشرية كلها.
-اما ترجمة عبد المجيد داري أبادي….
The Holy Quran, with English translation and commentary
وهي مشابهة تماماً لوجهة النظر الاسلامية التقليدية، وجاءت هذه الترجمة امينة ومزودة بشروحات مفيدة حول المواضيع، وتلك الخاصة بيوم الحشر وخاصة الشروحات المتنوعة حول موضوع الديانة المقارنة. ورغم ان الشروحات لم تكن وافية دائما الا انها تساعد على ازالة الشكوك من عقول القراء الغربيين، ولكن مع ذلك، فهي ايضا لا تحتوي الا على قدر يسير من المعلومات الخلفية عن السور، كما ان بعض الشروحات بحاجة للتحديث.
– ترجمة محمد مارمادوك وليم بكثال، وهو رجل علم انكليزي اعتنق الاسلام، اول من برز في اصدار ترجمة من الطراز الاول للقرآن الكريم في اللغة الانكليزية. The Meaning of the Glorious Quran ويبدو ان هذا العمل قريبا للنص الاصلي رغم ان لغته الانكليزية قد تبدو قديمة بعض الشيء لكنها مع ذلك تعتبر ترجمة شائعة على نطاق واسع، الا انها لا تقدم سوى القليل من الشروحات والحواشي والمعلومات الخلفية، وهو ما يحد من فائدتها بالنسبة للقارئ المبتدئ للقرآن.
– ترجمة محمد أسد.. The Message of the Quran وتمثل اضافة جيدة الى مجمل الترجمات الانكليزية المتضمنة لغة انكليزية سلسة، ومع ذلك فان ابتعاد هذا العمل عن وجهة النظر الاسلامية التقليدية في مواضع عدة يمثل انتقاصاً من قيمته. وبسبب رفضه للأخذ ببعض الجمل القرآنية حرفياً ينحو أسد الى نفي حدوث بعض الاحداث، مثل رمي النبي ابراهيم –عليه السلام- في النار او كلام عيسى –عليه السلام- وهو في المهد. كما ينظر الى شخوص قرآنية مثل لقمان والخضر وذي القرنين بوصفها شخوصاً خيالية، ويحمل كذلك وجهات نظر غريبة حول نزول بعض الآيات.
وبصرف النظر عن هذه النواقص، فان هذه الترجمة السلسة تحتوي على معلومات مفيدة للمسلم من غير العرب رغم كونها غير موثقة احياناً حول السور القرآنية، وتقدم شروحات مستفيضة حول مختلف المواضيع التي يتطرف اليها القرآن.
– ترجمة محمد عبد الحكيم خان، The Holy Quran مع ملاحظات قصيرة تستند الى القرآن او الى السيرة النبوية الموثقة للرسول، وكذلك على كتاب العهد والحقائق العالمية. وقد حاول المترجم تجنب الاشارة الى القصص الخيالية والاحداث التاريخية غير المؤكدة والنظريات غير المتفق عليها.
– ترجمة خيرت دهلاوي The Koran Prepared، بقلم عدة علماء شرقيين من اصول مختلفة ومنقحة من قبل الميرزا خيرت دهلاوي. وكان يقصد بهذا العمل ان يكون رداً كاملاً وواسعاً للانتقادات المتشعبة الموجهة للقرآن من قبل الكتّاب المسيحيين.
– ترجمة ميرزا ابو الفضل
Quran Arabic, Text and English, translation arranged chronologically
ونظراً لأن أياً من الترجمات الاولى لم تكن على يد علماء مسلمين مشهود لهم، لم ترق نوعية هذه الترجمات الى المستوى المعرفي المنشود، وبذلك اصبحت مجرد اعمال ذات اهمية تاريخية فحسب، الا ان الاعمال اللاحقة عكست جهوداً معرفية اكثر عمقاً ونضجاً.
– وظهرت حديثاً ترجمة لمعاني القرآن مقتبس من تفسير الطبري وابن كثير والبخاري للدكاترة محمد تقي الدين الهلالي ومحمد محسن خان (في الجامعة الاسلامية- المدينة المنورة، منشورات دار السلام المملكة العربية السعودية)، وقد بذلا فيه جهدا عظيماً بارك الله فيهما، خصوصاً شرح الآية ومعانيها وتفسيرها، ولكنهم ايضاً قاموا بترجمة نص الآية الكريمة فوقعوا بنفس خطأ السابقين، ولكن هذا لا يقل من قيمة التفسير والمعاني.
– ترجمة آرفنغ The Quran, the first- T.B. Irving American version, Vermont, 1980
آخر الترجمات الانكليزية الحديثة، وبصرف النظر عن العنوان غير المحبب لهذا العمل، فهو يكاد ان يخلو من الملاحظات والشروحات المطلوبة، وقد حاول المؤلف وبصورة عشوائية منح عناوين ومواضيع لكل جزء من اجزاء القرآن، ورغم استخدامه اسلوباً حديثاً ورصيناً في ترجمته، تمثل في استخدام لغة انكليزية قوية لا يخلو هذا العمل من مواضع اسيئت ترجمتها او استخدمت فيها عبارات فضفاضة واستخدام ارفنغ مصطلحات انكليزية امريكية حديثة بسبب ان عمله كان موجهاً للقارئ الامريكي، وبصورة خاصة الشباب منهم، الا ان ذلك لا يتلائم مع الاجلال والوقار الذي يستحقه القرآن.
اضافة الى الترجمات المار ذكرها… فان هناك عدد من الترجمات الانكليزية قام بها ايضاً مترجمين مسلمين لكنها لا تمثل اضافة مهمة في هذا المجال.
يقول بكثال في كتابه Is the Koran translated?، هل يترجم القرآن؟ “ان القرآن لا يمكن ترجمته، وهذا اعتقاد الشيوخ القدامى والمعاصرين(24).
فقد اجمع العلماء على عدم جواز ترجمة القرآن الكريم ترجمة حرفية، ولكن المسموح به هو الترجمة التفسيرية، والترجمة التفسيرية (هي عبارة عن ترجمة النص الاصلي بشيء من التوسع لايضاح غوامضه)(25). وهي ليست ترجمة الآية نفسها بل هي ترجمة تفسير الآية الكريمة، فان شرح الآية الكريمة مسموح به بل قد يكون واجباً اذا كان في ذلك درء مفسدة او جلب مصلحة او تبليغ دعوة اودفع حجة – وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب- وان تفسير الآية او شرحها او بيان معانيها لا يؤثر على نص الآية واعجازها اللغوي والبلاغي “ينبغي ان لا تكون ترجمتك كلمة بكلمة بل ترجمة بجملة او بعبارة اخرى ترجم الفكر لا الالفاظ”(26).
من هنا، كان لا بد للمسلم من ان يتقن على الاقل لغة اجنبية حية ليبلغ بها ويدفع الحجة وكذلك على الاطلاع على تفاسير الثقات والفقه والعقائد وبمعاني اللغة العربية بصورة عامة.
مما لا شك فيه، ان الظروف التاريخية الخاصة التي مهدت لاحتكاك القرآن باللغة الانكليزية، قد تركت تأثيرها على المحاولات التي جرت من قبل المسلمين وغير المسلمين في ترجمة القرآن، وهذا الامر ادى الى ان تكون النتائج والانجازات ناقصة واقل مما هو مطلوب. وعلى عكس اللغات الشرقية الاخرى مثل الفارسية والتركية والاوربية، والتي وضعت مصادرها الادبية واللغوية لخدمة الباحث العلمي، وبما يلبي مطامع ومتطلبات العمل الترجمي المطلوب، فان المضامين الثرية لعالم اللغة الانكليزية لم يستخدم بصورة كاملة لخدمة القرآن.
ان كتاب الله ما زال في انتظار من يعمل على ايجاد الصيغ الامينة والمبجلة في اللغة الانكليزية التي يمكن ان تضاهي او تقترب عن عظمة وروعة النص الاصلي، وقد يعتقد بان تيارات التاريخ تبدو متجهة نحو مثل هذا الانجاز اذ ان اللغة الانكليزية بدأت بتلبس صفة اسلامية اصيلة، ولن يكون الامر سوى مرحلة زمنية قبل ان تولد ترجمة وافية للقرآن في تلك اللغة.
وفي هذا الصدد نعيد تأكيد ان المسلم الثقة وحده المؤهل لأن يهتم بهذا الموضوع، لكن هذا الامر حساس جداً وان غير المسلم او من لديه انحراف في العقيدة، فانه يلوي عنق الحق ليجعله متلائماً مع ما يذهب اليه او يعتقد به كما حصل مع الباطنية عندما ادعوا ان للقرآن ظاهراً وباطناً لكي يلائم ذلك عقائدهم التي لا يجدون لها ما يؤيدهم في القرآن الكريم فيلجأون الى القول بذلك فيحملون المعنى اكثر من طاقته او يحرفون كلامه او يفسرونه كما يشتهون لا كما اراده الله تعالى. فالتعصب لرأي، لفكر، مصيبة، تجعل الانسان يبتعد عن العلمية والموضوعية.
ان الدافع لكل عمل يجب ان يكون الاخلاص لله تعالى ورحم الله الامام البخاري الذي كان لا يكتب حديثاً نبوياً شريفاً حتى يصلي ركعتين قبل ان يكتبه.
ونذكر كذلك، ان اقتصار الجامعات الاسلامية على تدريس العلوم الاسلامية فقط فيه تقصير، فيجب ان يتضمن الخريج لغة عالمية. فبالاضافة الى واجب تبليغ الاسلام والدفاع عنه كذلك، نحن نعيش عصر العولمة، ويجب ان نتحصن في وجه الهجمات وكل ما يراد بنا من تذويب وتمييع وقبول لمعطيات النظام العالمي الجديد على انه من معطيات الحضارة والتطور.
علم المسلم (الاجنبي) ان يسعى لاكتشاف النص الاصلي وان لا يسمح لنفسه ان يضيع بين هذا الكم الكبير من الترجمات والتفسيرات.
ان الاسلام مجتمع ودولة، منهج حياة كامل، وتبليغه واجب الى كل البشر، فيجب على المسلمين اجادة لغة عالمية ليتم بها التبليغ وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب.
* الهوامش
1- أ.ر. كيداوي- استعراض للترجمات الانكليزية للقرآن الكريم، ترجمة –خالد الصفار، مجلة المأمون (بغداد)، العدد 4/2006.
2- صفاء خلوصي- فن الترجمة، ط1، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1982، ص17.
3- المصدر نفسه، ص 16.
4- كيداوي- مصدر سبق ذكره.
5- المصدر نفسه.
6- المصدر نفسه.
7- Bell and Walts- Introduction to the Quran, Edinburgh, 1970.
8- هاشم طاهر الرفاعي- محاذير لغوية في ترجمة القرآن الكريم، مجلة الزمان الجديد (لندن)، العدد 15/2001.
9- المصدر نفسه.
10- صفاء خلوصي- مصدر سبق ذكره، ص17.
11- المصدر السابق، ص 45.
12- المصدر السابق، ص 145-146.
13- المصدر السابق، ص 49.
14- Asim Ismail Illyas- Theories of translation, University of mousul, 1989 P.101, 102.
15- Ibid, P 103, 105, 109.
16- عبد القهار العاني- دراسات في التفسير والمفسرين، ط1، بغداد، 1987، ص 37.
17- المصدر نفسه، ص 37.
18- المصدر نفسه، ص47 و 48.
19- Abdulah yousif- The Holy Quran, P. 47.
20- ابو الاعلى المدودي- المسألة القاديانية، رابطة العالم الاسلامي، مكة المكرمة، ص51.
21- المصدر نفسه، ص 52-55.
22- عبد القهار العاني- مصدر سبق ذكره، ص 38.
23- المصدر السابق، ص 41.
24- المصدر السابق، ص 48.
25- صفاء فلوصي- مصدر سبق ذكره، ص 219.