23 ديسمبر، 2024 3:10 م

اشتياق البعض الى البعث

اشتياق البعض الى البعث

منذ سقوط رأس النظام البعثي في العراق حتى اليوم، مافتئ أحفاده يستميتون بكل ما أوتوا من قوة، وما استطاعوا من حول وحيل ومكر وخديعة، للرجوع الى سابق عهدهم بشكل أو بآخر، وقصدي بالشكل هو ما يفعله البعثيون القابعون خارج الحدود علنا، وأما قصدي بالآخر فهو ما يفعله البعثيون -وإن لم ينتموا- في الداخل، وهم متبوئون مراكز عليا في سدة الحكم في الدولة العراقية الديمقرطية الفيدرالية التعددية، تلك التصرفات التي تحاكي أسلوب الحرباء في الخديعة والتمويه، وقد قيل:

لاخير في ود امرئ متلون

إذا الريح مالت مال حيث تميل

وتلونهم هذا يتأتى وفقا لمتطلبات ظرفهم اللحظوي، وميلهم يتبدل تبعا لميل كفة مصالحهم الآنية، والتلون والميل لايعنيان تخليهم عن ماضيهم الأسود، ولايدلان على اندماجهم مع حاضر الأمر وواقعه، بل هو تكتيك يسلكونه، وسياسة ينتهجونها مع إبقائهم على حقدهم الدفين، متحينين الفرصة للرجوع الى ماكانوا عليه، وهم الذين قيل عنهم أيضا:

إن الحقود وإن تقادم عهده

فالحقد باق في الصدور مغيب

مادعاني الى استذكار المتلونين ومتحيني الفرص والمتصيدين في عكر المياه، هو قانون المساءلة والعدالة، الذي مابرح بعض ساستنا يتلاعبون بفقراته، تارة بالتعديل وأخرى بالتحوير وثالثة بالحذف ورابعة بالإضافة وخامسة بمحدودية المشمولين به، وماكل هذا إلا قربان للغاية الكبرى وهي إلغاؤه. وكلنا يذكر الدعوات المتكررة والمحاولات الدؤوبة التي قام بها المتلونون ممن يشغلون مناصب رفيعة في البلد، لتبرئة البعثيين الذين تمادوا بالأذى والظلم بحق عراقيين أبرياء، وإعفائهم من هذا القانون، وقد فاحت رائحة النيات المبطنة من دعواتهم تلك بمقترح السماح لمن هم بدرجة أعضاء فرق او أدنى في البعث المنحل، بمشاركة شرائح المجتمع العاملين في مؤسسات الدولة، وإعادتهم الى وظائفهم في دوائرها، الأمر الذي أثار حفيظة كثير من العراقيين الشرفاء، لاسيما الذين عايشوا أحداث الربع الأخير من القرن المنصرم، وجايلوا قياديي البعث آنذاك، من هم بدرجات عليا وأذيالهم من الدرجات الوسطى في تنظيماته، ورأوا بأم أعينهم حقيقة مايجري في مقر الـ (فرقة) و الـ (شعبة) والـ (فرع) من إصدار قرارات مجحفة ظالمة لاإنسانية، وتنفيذ أخرى تستهدف المواطن العراقي بشتى المضايقات. وقد كان نشر تلكم المقرات في بنايات تتوسط أزقة بغداد والمحافظات العراقية مقصودا، فلم يكن وضعها بين بيوت العراقيين الآمنين عفويا، بل كان واحدة من الخطط لتعزيز سيطرة النظام البعثي على كل شبر من أرض العراق، وكل لحظة من يوميات العراقيين وحياتهم الخاصة، فضلا عن العامة.

أرى أن منظمة البعث الدموية الفاشية لم تسقط مع سقوط صنمها عام 2003، بل سجلت سقوطها وأثبتت انحلالها منذ ستينيات القرن الماضي، حين كشر قياديوها عن أنيابهم، وتبينت النيات التي يكنونها للبلد، وتكشفت تلك النيات بشكل جلي حين تفردوا في الساحة العراقية عام 1968 والأعوام

التالية التي تصاعد فيها عداء الـ (رفاق) للفرد العراقي، بشكل طردي مع تمركزهم في الحكم، حتى باتوا يتفننون بإظهار أشكال التنكيل والعذابات وتطبيقها عليه، فضلا عن نهب أموال البلد العامة ومصادرة أموال المواطن الخاصة، المنقولة وغير المنقولة على حد سواء، بلا وازع من ضمير ولا خوف من رقيب. وبذا يكون الأمر معيبا إن حاول البعض إعادة النظر في موضوع تجريم البعث او الاجتثاث، أو تمييع المساءلة بحق من أجرم وتلطخ من هام رأسه حتى أخمص قدميه بدماء العراقيين الأبرياء، إذ يكون الأمر حينها مكافأة لمن أساء، وإعادة لماضٍ مظلم، سيدفع الجميع ثمن عودته، وأظننا دفعنا -ومازلنا ندفع- من الأثمان الباهظة ما أفرغ صبرنا وجيوبنا وميزانيتنا.

[email protected]