سخرت المنظمات الإرهابية ومنذ بدايات ظهورها في الموصل والعراق وقبل سيطرة داعش على الموصل في عام 2014 جل جهودها على الأطفال. كثير من عمليات تصفيات الجنود تمت بأيدي أطفال. استغلت هذه المنظمات الأطفال لأنهم رمز للبراءة ولا يثيرون الريبة والشك. عندما سيطرت داعش على الموصل كان هناك 500 طفل في السجون 65% منهم متهمين بقضايا إرهاب، توجد نسبة منهم مسجونين باتهامات باطلة، إلا أنه وبدون شك أن الأطفال شاركوا في كثير من التصفيات بناء على أفلام نشرتها القاعدة والدولة الإسلامية.
وجهت الأيديولوجية الداعشية ومنذ اليوم الأول طاقات كبيرة وتسهيلات للاستثمار في تجنيد واستغلال الأطفال بشتى الوسائل وذلك لزراعة المعتقدات الجديدة في عقولهم، ووفقوا من خلال السلوكيات الممنهجة وماكينة الاعلام الجبارة وسياسة التثقيف الجديدة للوصول الى أهدافهم المنشودة.
المجموعة الأولى التي استغلتها داعش من هذه الفئة هم الأطفال الايتام واللقطاء وخريجي السجون وأبناء المتطوعين وحصلوا على لقب جديد (أشبال الخلافة) مع اسم حركي وسخرت جهود المنظمة لتجنيد المزيد. كان الممكن أن يتوقف موكب لداعش لشكر طفل يلوح بحماس بعلم المنظمة وتقديم هدية له أمام دهشة الجميع. الجنود في الشوارع يحاولون أن يكونوا أصدقاء مع الأطفال ويمكن أن يكافأ طفل بحمل البندقية ويمكن أن يحصل الأطفال على ألعاب كمكافئة لهم على هذا التواصل وهكذا اشتعلت نار الغيرة بين الأطفال وأصبحت دافعا لهم للتواصل مع الدواعش.
قطعات الاشبال قامت بأسوأ المهام واعنفها في سوريا والعراق. تم معاملة الأطفال كرجال وتم احترامهم خصوصا اللقطاء الذين يعيشون في مجتمعات طبقية ولها قيم قاسية تجاه من لا يعرف له أب. يعامل أولاد الحرام في المجتمع الشرقي إما بالاحتقار أو العطف، احترمت داعش هذه الفئة بطريقة لم يحترمهم بها أحد من قبل، لذلك عشق الأولاد داعش ودافعوا عنها بأرواحهم.
أغلب الأطفال من عمر 8 الى 16 من الذين أكملوا دوراتهم كانوا إما في فصيل الانتحاريين، الانغماسين أو الاقتحامين. هؤلاء الأطفال تم استخدامهم بشكل ممنهج لتجنيد أطفال آخرين، وعندما كانت عائلة تقف في وجه تطوع طفلها كان رجال الدولة من يتولون الحديث مع العوائل ويوجهون لهم تهديدا مبطن (أنتم تعلمون ما جزاء من يعارض كلام الله). كثير من العوائل قطعت اتصالها بالأطفال وهذا كان من دواعي سرور الدولة الإسلامية. إذ أن الهدف الأساسي كان هو أن يقطع الشبل علاقته بكل قيمه السابقة ومرجعيته الأخلاقية والاجتماعية.
كثير من العوائل طوعت أولادها بمحض ارادتها إما من الفقر أذ أن الاشبال كانوا يمنحون رواتب وغنائم وبعض المشتقات النفطية أو لغسل صفحة العائلة بسبب مناصبها في النظام السابق، لكن لم يدر في خلدهم أنهم يقومون بتربية وحش في بيوتهم. عدد من الأطفال قام بعقاب أهله على سبيل المثال طفل منح لقب أمير بعد أوشى بعائلته وطالب بقتلهم على قصور بحق الله والدولة.
في مخيمات التدريب ارتبط الأطفال ببعضهم البعض، ولم يعد هناك مكان للأنانية الكل يسارع الى الموت، ثقافة الموت تحيط بهم من كل الجهات إلا أن اسمها الشهادة. الحقيقة هي أن هؤلاء الأطفال لعبوا لعبة البوبجي في الواقع وادمنوا على هذا الشعور من التآخي والتضحية مع دفقة ادرينالين عالية.
في المخيمات حصل الأطفال على التدريب العسكري والفقهي، أسوأ عقيدة زرعت في عقول الأطفال والكبار من المتطوعين هي ما جاءت به بعض الكتب الفقهية لأشد المتطرفين مثل إدارة التوحش لـ لناجي، فقه الدماء لـ المهاجر وفقه النوازل لـ صاحبه.
عبدا الله المهاجر كان يرى أن عبد الله عزام كان حذرا في سفك دماء المسلمين وهذا ما أضعف القاعدة، لهذا أصبح ينادي بقتل كل مسلم غير مستور، وفي الحقيقة الكل مهدور الدم إن لم يعطي البيعة ويكن معهم. بعد أن تنتهي الدورة الدينية تصبح عقيدة وشعار الشبل بشكل مختصر كالتالي.
( اجعل حياتك اقصر ما يمكن أن تكون و أكثر فعالية.) لهذا كانوا يتنافسون بتسجيل أسمائهم في قوائم الانتحاريين، وفي حالة من الحالات قام طفل بتوزيع الحلوى على الحي الذي يسكن فيه لأنه سيفجر نفسه في الأسبوع المقبل.
هؤلاء الأطفال اصبحوا قنابل موقوته يتم التحكم بها عن بعد عن طريق الكودات الثقافية، السمعية والبصرية، على سبيل المثال نشيد صليل الصوارم الذي كان ينشد قبل الهجوم أو العمليات العسكرية.
ما يؤكد هذا الأمر هو برنامج الكاتب والصحفي اللبناني حازم الأمين عندما حاور أطفال الدواعش، لم يتمكن أحد الأطفال من سماع هذا النشيد وأوقف التسجيل وعندما سأله عن السبب أجابه ((اشعر بأنني اريد أن أركض الى المنظمة (داعش)).
تبقى كثير من الجوانب في أيديولوجية داعش غامضة بسبب سرية العمل وقدسيته من وجهة نظر المشاركين، وهذه السرية كانت خصوصية لمن كان داخل المنظمة واستعملت كطعم لاصطياد كثير من المتشوقين لكشف هذا الغموض.
وصلت داعش في آخر ايامها في العراق الى نتيجة تلخص بأنه لا يمكن الانتصار بجبهات مفتوحة ويجب العودة الى عمل الفرد أو كما يطلق عليه الغرب (الذئب الوحيد) أو الى خلايا صغيرة لا ترتبط ببعضها البعض وتتواصل داخليا مع بعضها البعض من خلال كودات وشفرات ثقافية واجتماعية بعيدة عن الدين.
بعد كل ما قيل أؤكد ثانية أن أشبال الخلافة يشكلون خطورة عالية، إلا أنهم في النهاية أطفال وضحايا. الكثير منهم مات في الحروب وفي عمليات استشهادية. كلما مضي يوم عليهم وهم في مخيمات تمتهن كرامة امهاتهم كلما ازدادت خطورتهم. إعادة التأهيل مسألة جوهرية في بداية العلاج. ما يثير القلق والخوف أن سوريا والعراق تعلنان صراحة (لا نمتلك القدرة، الامكانية، الاستيعاب الخبرات المطلوبة لإعادة تأهيل هذه الشريحة. ومن جهة ثانية استمرار الجهة التنفيذية من الشرطة والقضاء ببدأ العمل بعد الأزمات وبحلول يمكن أن نطلق عليها حلول الازمات المبتذلة، الملخصة بـ (اعتقال تعذيب اعتراف سجن إطلاق سراح)، والمتوقع أن السجين تعلم درسا من سجنه وسيصبح انسانا سويا فعالا في المجتمع.
هذا السيناريو من وجهة نظري اشبه بالخيال العلمي، ولهذا السبب لدينا في الدول العربية مصطلح (خريج سجون) نسبة العائدين الى السجن في العراق وسوريا واليمن ومصر عالية جدا. بمعنى الخارج من السجن عائد اليه لأنه غير مزود بما يواجه به الحياة الجديدة، عدم مباشرة هذه الدول بوضع برامج وقائية وتعديل شامل في مصلحة ادارة السجون ومؤسسات تقوم بمتابعة المساجين بعد خروجهم وتوفير سبل عيش كريمة لهم سيبقي هذه البلدان في نفس الدوامة وهكذا ستبقى السجون مفرخه إرهاب واجرام بدل أن تكون اصلاحيات. أرى كذلك جزء من سذاجة الغرب يرتبط في رؤيتهم بأنه في حالة عدم استقبال مواطنيهم ممن شاركوا مع داعش سيجعلهم في أمآن، غير مدركين أن العالم أصبح قرية صغيرة وما يحدث في مصر أو السعودية في حي شعبي قد تكون نتائجه في اوربا أو أمريكا. وعيلهم المشاركة في بناء السلام ومجتمعات ديمقراطية بدل حمل السلاح والمشاركة بعد كل موجة عنف مع دول التحالف.