من أبرز ملفات الفساد التي يعاني منها العراق بعد عام 2003، هو فساد المنافذ الحدودية نتيجة سيطرة المليشيات والمتنفذين والأحزاب عليها، والتي ترتبط بالفساد المالي والإداري وضعف الدولة .حيث يملك العراق منافذ حدودية على امتداد حدوده مع الدول الست المحيطة به ، ويبلغ عدد هذه المنافذ (22) منفذا بريا وبحريا، هذا عدا عن المنافذ الجوية المتمثلة بالمطارات، منها المرخصة ، ومنها غير المرخصة، مما جعلها بوابة فساد وتزوير للبضائع الداخلة والمهربة للبلد التي تفتقر الى التدقيق مع المنشأ الأصلي ، وجباية إيرادات البلد إلى جيوب الفاسدين. وصرح رئيس هيئة المنافذ الحدودية العراقية كاظم العقابي، في وقت سابق إن “العراق يخسر المليارات شهرياً بسبب فساد المنافذ ، وبالأخص ميناء أم قصر”، مبينا أنه “منذ أن تسلمت هيئة المنافذ مهامها في منتصف العام المنصرم ، تضاعفت إيرادات المنافذ قياساً بالأعوام التي سبقت تشكيل الهيئة—- وأضاف رئيس هيئة المنافذ الحدودية كاظم العقابي، إن التأخير واضح في بناء وتطوير المنافذ بما يخص منفذي الشلامجة مع إيران ومنفذ سفوان مع الكويت، وان السبب لاستشراء الفساد في جميع مفاصل هذا القطاع، والتخلفات الواضحة من خلال العقود التي تمت إحالتها إلى مقاولين لم يلتزموا بمواعيدهم، مبيناً أن نسبة الإنجاز لتطوير منفذ الشلامجة لا يزال (0%) على الرغم من أن المقاول قد استلم السلفة التشغيلية، فيما بلغت نسبة الإنجاز في منفذ سفوان 71% كما يمتلك إقليم كردستان (6) منافذ تجارية برية رئيسة مع كل من تركيا وإيران، مسؤولة عن توريد نحو (50%) من احتياجات كردستان العراق من المواد الغذائية والإنشائية ومواد أخرى كقطع غيار السيارات والأدوية والأثاث، فضلا عن العديد من البضائع التي يستوردها العراق بشكل عام من الجارين الشمالي والشرقي
وكانت المالية النيابية قد اعلنت مرارا انه نحو 90% من إيرادات المنافذ الحدودية العراقية تذهب لجيوب الميليشيات والأحزاب كما ان لجنة الأمن في البرلمان العراقي دعت إلى إبعاد الميليشيات عن تلك المنافذ ، إنّ “هناك فسادا كبيرا وسيطرة للمسلحين على المنافذ الحدودية، وفي كل منافذ العراق من البصرة إلى كردستان ، وأضاف ان “هناك منافذ تدخل البضائع بدون تأشيرة ، مؤكداً أن لديه معلومات عن منفذ في ديالى يدخل سيارات بشكل غير قانوني من دولة مجاورة بدون ختم وبلا تأشيرة أو حتى فحص ، وهذا ما أكده أحد الضباط الموجودين في المنفذ ، والأمر نفسه كذلك في المنافذ الأخرى”.
وذكر مراقبون أن الأحزاب والميليشيات تتدخل في شؤون المنافذ الحدودية، لكن كل حزب وفصيل مسلح له دور ومهام تختلف عن البقية، فأحزاب تتورط في تهريب وبيع النفط في الخارج، وأخرى ترتبط بتهريب المخدرات من إيران، ونشاطات تتعلق بالحصول على إتاوات من تجار الخضار ، واحتكار المنتجات الغذائية ، وطرق توزيعها في المحافظات الجنوبية، ولا يختلف الأمر كثيراً في المنافذ الحدودية الشمالية في إقليم كردستان العراق.
تفاقمت عمليات الفساد في البلاد وسط ضعف الرقابة، وحسب تقديرات أصدرتها اللجنة المالية في البرلمان، فإن حجم خسائر العراق جراء الفساد في السنوات الاثنتي عشرة الماضية بلغ نحو (450) مليار دولار، من بينها (360) مليار دولار خلال فترة حكومتي نوري المالكي الأولى والثانية (2006 ـ 2014) والحكومات التي تلتها ، وأعلنت هيئة النزاهة العام الماضي 2018، أن الأموال التي رُصدت وأعيدت للدولة خلال 2017 بلغت (938) مليار دينار عراقي (800 مليون دولار)، من دون أن تذكر ما خسره العراق بفعل جرائم الفساد المالي والإضرار بالمال العام
من هنا استجاب رئيس الوزراء الكاظمي لمقترح بخصوص إرسال قوات أمنية معززة لأمن المنافذ، لغرض ضمان عمل الكوادر العاملة في داخل المنفذ الحدودي وإشعارهم بالعمل في بيئة آمنة ولمواجهة أي تدخل خارجي من قبل بعض العصابات الخارجة عن القانون”وأعلن رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، وضع خطة لسيطرة الدولة على جميع المنافذ الحدودية البرية والبحرية، لإيقاف هدر الأموال المقدر بمليارات الدولارات.وقال الكاظمي، في أول مؤتمر صحفي عقده بالعاصمة بغداد : “هناك هدر بالمال يقدر بمليارات الدولارات، بسبب عدم سيطرة الدولة على المنافذ الحدودية البرية والبحرية، جراء وجود جماعات خارجة عن القانون تحاول السيطرة على الأموال”، مضيفاً: “تم وضع خطة للسيطرة على جميع المنافذ الحدودية البرية والبحرية، وسنرفد الدولة بمليارات الدولارات من تلك المنافذ — ووصفهم بالأشباح وأمر بإطلاق النار عليهم، واطاح الكاظمي بثمانية من اكبر المسؤولين في ام قصروجه بحماية الحرم الكمركي في الموانىء من قبل قوات عسكرية ومنع أي قوة أو جهة تحاول الدخول اليه عنوة، كما وجّه بالحد من الإجراءات الروتينية المعقدة، والعمل على تدوير الموظفين للحد من الفساد
هكذا يعتزم رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي إحكام قبضته على المنافذ الحدودية، وحل أحد أخطر ملفات الفساد بالبلاد، في خطوات أثارت تساؤلات ملحة عن مدى قدرته على مواجهة ملف شائك وحكومته في مقتبل عمرها، وتواجه تحديات سياسية واقتصادية كبيرة,