17 نوفمبر، 2024 4:41 م
Search
Close this search box.

اشارات التمثيل بالجسد كتمثيل بالتمايز – تاْملات فكرية حول مقتل معمر القذافي

اشارات التمثيل بالجسد كتمثيل بالتمايز – تاْملات فكرية حول مقتل معمر القذافي

ان بشاعة الصور والفيديوهات المنشورة في القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية العالمية لكيفية قتل القائد الليبي معمرالقذافي, تفرغ من حيث المعانى والدلالات اية قيمة تاريخية وثقافية وايدولوجية ودينية اختلافية بين الظالم والمظلوم وبين المبادىْ الانسانية والمبادىْ الغير انسانية بين الثائرين والسلطة.. هل اختلف الثوار مع السلطة التي اشتكى الشعب من ظلمها؟ .وهل اختلفت السلطة مع الثوار عندما كانت تنادي بالسلطة الجماهيرية وتقتل المختلفين معه؟ ماهي اشارات العنف المفرط في قتل القذافي؟ وما هي الدوافع النفسية والثقافية وراء القتل بصيحات الله اكبر؟
 من المهم ان نقارن بين عملية الصيد الجماعي للحيوانات البرية مع عملية القتل الجماعي للانسان في صورها المجازية والفكرية,هم (الثوار) جماعة من المسلحين ,يحملون البنادق والسيوف,يقع انسان حي بين ايديهم ,يبدئون بالتكبير بصيحات( الله اكبر) ,لايسمعون ولا ياْبهون بالحقوق الانسانية  لرجل اعزل واسيرولا يهتمون بالقيم الدينية التي تحرم عليهم قتل الاعزل والاسير , يجرونه دون رحمة ويغرسون الخناجر في بطنه ويضربون راْسه دون راْفة ,ثم يقومون بخلع  لباسه كاهانة اخلاقية, يطعنونه ويجرونه دون مبالاة ,وتحت صيحات( الله اكبر) يمثلون بجسده ويطلقون عليه العيارات النارية,ويتنافسون فيما بينهم على اظهار العنف والصورة الوحشية ,
 في عملية صيد الحيوانات ,تركض الضحية وتريد ان تفلت من الكلاب والطلقات والخيول والفخاخ ,لتقع اخيرا في شباك الصيد .تنبح الكلاب وتنباْ بوقوع الفريسة,يجتمع الصيادون حول الضحية ,يضربون راْسه بالمطاوي او الطلقات النارية,يبداْون بذبحها وسلخها,ويطعمون الكلاب بلحمها.ويشوونها.وفي حالات الصيد العشوائي عندما يصادف الصيادون سرب من الطيور او رتل من الحيوانات البرية ,يقومون باطلاق النار عليهم بشكل عشوائي,’بالرغم من كل شىْ هناك تطابق صوري واخلاقي ومعنوي بين الحالتين,ففي كلتا الصورتين هناك :
– تماثل في العنف الجنوني والذي يصل الى ذروته في انتاج الارهاب النفسي للضحية. 
– الثوار يرددون هتافات ( الله اكبر) ,وصيادي الحيوانات يصرخون باْعلى اصواتهم.الثوار بصيحتهم ينتجون الارهاب النفسي للضحية والفخر والبطولة والنصر,والصيادون ينتجون الارهاب النفسي للفريسة  من اجل شل حركته , ويفتخرون بنجاح صيدهم.والاثنان يتلذذون بالهيمنة على كائن حي,
– اختفت في قتل القذافي جميع الحقوق وفشلت جميع المواثيق والمبادىْ الدينية والسماوية وبنود الامم ومبادىْ المنظمات التي تنادي بحق الانسان في الحفاظ على كرامته .وفي الصيد لا يبالي الصيادون بمدى الارهاب النفسي للضحيةفالاثنان لا ظهير لهما ولا سند,انهم وحيدون في دهشتهم واْلمهم وخوفهم,.
– في كلتا الحالتين تفقد الضحية كرامتها الجسدية وحرمتها ويصبح جسدهما معرضان للتمثيل باقسى واعنف اشكال الفتك والبتر والسلخ والهتك.اقول ان التمثيل بجسد الضحية هو تمثيل بجسد العقل وفشله في تجسيد التميز الانساني والثوري الذي يستند الى مبادىْ اختلافية وانسانية جديدة و ينتهج في سياسته حرية الاختيار وفي حق الانسان في الدفاع عن نفسه.فمن حق الضحية ان لا يتعرض للارهاب ومن حقه الدفاع عن نفسه في محكمة عادلة تمثل القيم الجديدة للثورة وعدالتها وخصوصيتها الانسانية التي من اجلها وباْسمها ضحت جزء من الشعب الليبي بدمه وحياته ,اختارت الثورة التصفيات الجسدية العشوائية بين الموالين للقذافي كما انتهج الصيادون القنص العشوائي للحيوانات.فالصورة المهيمنة على نفسية المراقب الحيادي ,هي صورة تمثيلية اختفت فيها كل القيم والمبادىْ ,وتنذر بالارهاب وانتاج العنف المبرر.
دخلت عبارة (الله اكبر) في تاريخ الاسلام مع اول اعلان لمشاركة المسلمين في اداء فريضة الصلاة بشكل جماعي ,وبعد ذلك اصبحت شعار المقاتلين المسلمين في الفتوحات الاسلامية ,وفي العصر الحديث صارت الشعار الرئيسي للعمليات الانتحارية التي راح ضحيتها الاف من الاطفال والنساء والشيوخ والابرياء ,والتي تشبه القتل الجماعي للفتاة التي فقدت عذريتها اوالمراْة التي اصبحت عاهرة, دون تميز بين الظالم والمظلوم ,بين العاصي والمؤمن, كما يفعل الصيادون باطلاق النار على الحيوانات البرية دون تميز,انه لمن المؤسف ان نرى باْن الجيش الامريكي في العراق ,قد تمكن من حفظ كرامة وشخصية ممثلي السلطة البعثية التي جنت على الشعب العراقي,وسفكت دماء الملايين منهم ,وقامت هذه القوات باسرهم واحدا تلو الاخر وبالرغم من ذلك خصصت لهم محكمة عادلة دافعوا فيها عن مبادئهم ومبرراتهم بحرية تامة دون اي تدخل من قبل السلطات الثورية في العراق لعمل المحاكم العراقية ,بينما نرى الفشل الذريع للثورة العربية (بالرغم من تسميتها ومقارنتها بالربيع ) في تجسيد المبادىْ الاسلامية في صون وكرامة الانسان وحفظ اقصى مقدساته الجسدية والانسانية من الهتك وباسم الاسلام! ان اجبار الرئيس حسني مبارك للحظور في جلسات المحكمة المصرية وهومريض وطريح الفراش ولا يقوى على الحركة اوالكلام او الدفاع عن نفسه , وامام ولديه,لا تجسد لاعدالة المحكمة ولا المبادىْ التي طالما وصفت بالثورية اومن اجل حرية الانسان ؟ما الفرق بين اجتماع الصيادين حول الفريسة المجروحة وسؤالهم عن ماذا يفعلون بها,وبين اجتماع ممثلي العدالة الثورية واجتماعهم حول اصدار القرار على انسان مريض وجريح؟,اية مبادىْ ثورية يهتك فيها جسد الانسان؟
 اذا ما اعتقدنا بتبريرات الثوار باْن القذافي قد قام بقتل جزء من  شعبه(ممن وقفوا ضده) بقسوة تامة,واصبح شخصا متهما ومدانا بالفتك بشعبه واهانته لهم ووصفهم بالكلاب,فاْنه بالتالي يستحق الموت ,واذا ما اعتقدنا باختلاف الثوارمع نهج وعمل القذافي ,واعتقدنا بنبل المبادىْ الثورية التي اختلفت مع القذافي في عمله وفكره ,نستنتج من ذلك ان الثوار لم ياْتوا باية مبادىْ اختلافية مع ما قام به القذافي,ماداموا قد مثلوا دوره باْتقان ,وبالتالي لم يختلفوا معه من حيث العمل ورد الفعل المعاكس,وفي الانتقام الاعمى في شىْ.لقد اخفق القذافي في تمثيل مبادىْ الثورة والتغيرالذي نادى به لعقود من الزمان, في مواجهة من اختلفوا معه ولاول مرة في تاْريخ حكمه الطويل ,,فهو صاحب نظرية شبه اشتراكية لادارة الدولة وابدع في نظامها الاداري والسياسي في العمل لانتقال ليبيا من دولة متخلفة تحكمه نظام قبلي.الى دولة نفطية تبواْت مكانة مرموقة ومركزية في افريقيا واسيا,الا ان الثورة لم تنجح في خلق نظام سياسي حديث.بل بشرت المراْة باْلغاء قانون منع تعدد الزوجات,وبشرت الثوار بمراكز ورتب عالية,وبشرت الجماهير بدستور يستندعلى المبادىْ والشريعة الاسلامية, وبديهي ان نظام سياسي كهذا النظام سوف لن يتبنى المبادىْ الديمقراطية وحرية تشكيل الاحزاب وحرية العمل السياسي والفكري والثقافي,مادام قد خط لنفسه نهجا قد لا تقبل بهذه الافكار,فاْي مصير ستاْول اليه شخصية المراْة في البلاد .بعد ان فقدت اهم وابسط حقوقها في الحياة بان تكون انسانة تستحق رجل ترتبط به مدى الحياة ؟
 اعتقد ان الممثلين( للثورة) الليبية بقتلهم للقذافي قد اغلقوا ملف اخر قائد ثوري في تاريخ العرب والمسلمين,وانها اغلقت اخر ملف للعدالة الاسلامية بعدم استدعاء قاتلي القذافي الى المحاكم ومسائلتهم حول قتل الاسير والاعزل.وفقدت جميع المنظمات الانسانية والدول الديمقراطية قيم العدالة ومبادىْ حقوق الانسان,بعدم التحقيق في قتل انسان طلما استقبلوه كممثل لدولة وشعب ليبيا الذي هو ايضا صفق كثيرا للقذافي وسماه بالفاتح,والقائد .

أحدث المقالات