يحتل العراق المرتبة 169 في الفساد من بين 180 دولة في العالم. وكل المسؤولين في العراق يتحدثون عن مكافحة الفساد. حيث اصبح القضية الرئيسة في العراق. ومع ذلك فان مانشرته فضائية الحرة من تقرير عن اقانيم الفساد في العراق يمثل واحدا من الاف مواقع الفساد في العراق. وقد اثار هذا التقرير عاصفة من الاعتراضات من قبل بعض المسؤولين، وكان في مقدمتهم هيئةالاعلام. لكون الريبورتاج يتعرض لجهات دينية يتخذونها واجهة لاضفاء القدسية عى فسادهم. وقد اتخذوا من تقرير الحرة في كشف بعض مظاهر الفساد في الوقفين السني والشيعي ذريعة لشن حملة واسعة لتكميم الافواه. رغم علم الجميع بشبهات فساد كثيرة حامت حول هذين الوقفين. وقد ظهر ذلك جليا عند صدور الحكم القضائي على عبد اللطيف الهميم رئيس الوقف السني بقضية فساد وتم اعفاءه لاسباب واهية مخالفة لقانون العقوبات العراقي النافذ
نحن نعلم ان رجال الدين لهم مكانتهم في المجتمع. ولكنهم عندما يشتغلون بالسياسة اويتاجرون باموال الدولة ومؤسساتها، فان صورتهم تهتز امام المواطن العادي. ومن حق الجميع رصد ممارساتهم وكشفها ان كانت خارج السياقات الدينية المتعارف عليها وهي الزهد والتقوى والتعفف
ان قناة الحرة عراق التي نشرت التقرير مثار الجدل قد بثت برامجها اول مرة عام 2004. وكانت تساند وتمجد كل حكومات الاحتلال الامريكي. وقد كانت مهتمة على الدوام بالتركيز على العملية السياسية في العراق باعتبارها النموذج الامريكي للديموقراطية في الشرق الاوسط. وبالرغم من انها وظفت عناصر لبنانية وعراقية غير كفوءة وبعيدة عن حرفة الاعلام الا ان هيئة الاعلام لم تتعرض لها من قريب او بعيد ، لان الشلة التي كانت تسيطر على هذه القناة يغلب عليها توجهات تتماهى مع تلك التي تتبناها الحكومة العراقية، لعل اهمها التركيز على العراق وشعبه كمكونات متنافرة لا كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات. وهذا التوجه يخدم تيارات الاسلام السياسي الحاكم في العراق، كما ان هذه القناة لم تكن تناقش او تعرض اي موضوعات تهم المواطن العراقي. مثل البطالة والمحسوبية والفساد الاداري والسياسي وانعدام الخدمات وغيرها، وقد كانت هذه السياسة محل انتقاد دائم من قبل المشاهدين، وحتى من قبل الجهة الممولة لها ، فادى ذلك الى احداث تغييرات جوهرية في سياسة هذه القناة . فتم استبدال مديرها وفصل الموظفين القدامى من الآخوندية، وتعيين موظفين كفوئين استقطبتهم من فضائيات عربية، فتغير خطابها الاعلامي بما يجعلها اقرب الى مشاكل المواطنين
ان قرار هيئة الاعلام تعليق عمل قناة الحرة لثلاثة اشهر لو كان منفردا ويخص القناة فقط لما تحدثنا عنه ، ولكن هذا القرار قد جاء متزامنا مع تهديدات طالت بعض الاعلاميين والكتاب الوطنيين من قبل جهات مشبوهة، وميليشيات حزبية، وخصوصا فيما يتعلق بفضح الفساد المستشري في العراق، حتى اصبح العراق البيئة الاكثر خطرا على الاعلاميين في العالم
وفي هذا الوقت بالذات اطلقت حملة شعواء من قبل الفاسدين وميليشياتهم المارقة تتهم صحفيين عراقيين بالعمل لصالح امريكا واسرائيل
ونشرت بعض الجهات المدعومة من ميليشيات مسلحة على مواقع التواصل الاجتماعي اسماء مجموعة من الناشطين والصحافيين العراقيين، وقالت إنهم يعملون على تهيئة الرأي العام العراقي للتطبيع مع إسرائيل مقابل حصولهم على أموال. وسمتهم بابواق الصهيونية وغيرها من التوصيفات. ونشرت صورهم وعناوينهم وحرضت على قتلهم
وقد دعى هؤلاء النشطاء والصحفيين “الحكومة العراقية وهيئة الحشد الشعبي إلى توضيح موقفهما من هذه الحملة، والكشف عن الجهات التي تقف خلفها”
كما اصدر مرصد الحريات الصحفية في العراق بيانا استنكر فيه “حملات التشهير والتحريض الكبرى التي تدعوا لقتل صحفيين عراقيين وكتاب بارزين”ء
وبنفس الوقت منعت عدة فضائيات من تغطية احداث متفرقة في العراق في محاولة لكبت الحريات الصحفية
وتاتي كل هذه الاعمال المافيوية لتعطيل الدور الرقابي للصحافة والاعلام في كشف الفاسدين
وقد علق احد الناشطين في منظمة حمورابي العراقية لحقوق الإنسان، بان المليشيات المسلحة أصبحت واقعاً سياسياً في العراق، وان الحديث
عن الفساد في العراق بات يساوي الموت، ومن يقترب من هذا الملف فهو يقوم بعمل انتحاري، وهناك العشرات من الحوادث التي تؤكد هذا الأمر
وهكذا يتم افراغ العراق من المؤسسات الرقابية القادرة على تصحيح المسارات المنحرفة لعملية سياسية اريد لها ان تكون ديموقراطية ولكن انتشار الميليشيات، والسلاح المنفلت وقمع التظاهرات والقضاء على منظمات المجتمع المدني وانعدام القيادات والاحزاب المؤمنة بالديموقراطية وقيمها، كلها ادت الى موت الصحافة الحرة التي تسمى صاحبة الجلالة، وماتت معها كل الادعاءات بالديموقراطية المزعومة في عراق مابعد الاحتلال
ادهم ابراهيم