19 ديسمبر، 2024 12:50 ص

اسلحة التدمير الشامل في العراق

اسلحة التدمير الشامل في العراق

 ان معيار تصنيف الاسلحة على انها اسلحة تدمير شامل هو مدى الضرر الذي تلحقه بأنواع الموارد سواء ً البشرية أو الطبيعية أو المالية وآثارها المستقبلية . اذ صنفت الاسلحة البيولوجية ( الجرثومية) أو الكيماوية ( السارين أو الخردل ) على انها اسلحة تدمير شامل لما تلحقه من فتك وتدمير في هذه الموارد حاضراً أو في المستقبل ، رغم أن تأثيرها يبقى محدوداً ضمن الهدف الذي استهدفته  . وما يلاحظ في العراق  الان من حجم التدمير الهائل  لكل موارده يفوق آثار هذه الاسلحة في الحاضر والمستقبل .والذي سببه الاساسي الاحتلال الامريكي لتضيف اليه دول الجوار شراسة وضراوة . مما ادى الى تقويض وانهيار مقومات الحياة فيه سواء على مستوى  الوظائف الحكومية أو الحياة العامة  للشعب وفقاً لإستراتيجية التدمير الذي انتهجها والتي ادت الى ولادة مولوداً مشوهاً ( المحاصصة ) من خلال عملية سياسية هشة لم تجلب الا المآسي والمصائب والمصاعب لتنهار عناصر القوة في الوطن ويتمزق نسيجه الاجتماعي أثر ظهور احزاب لا يوجد بينها إلا التناحر والتنافر والاحتراب ، لا تعمل الا من اجل مصالحها وسعيها لتوفير الامتيازات لاعضاءها وأذنابهم اللذين يعتبرون العراق سكناً وليس وطناً وممراً وليس مقراً . تتميز بسلوك بهلواني لم يفرز الا سجالات سياسية شعاراتية ، وفساد سياسي انبثق عنه الفساد الاداري والمالي . مع غياب القيادة التي تتوفر فيها القدرة على تحديد الانحرافات وتصحيحها  وتوجيهها لما فيه مواجهة التحديات التي تهدد امن الوطن وسلامة ابناءه ، وتفتقر الى العمل لعزهم ودفع المذلة عنهم ، وتحقيق تطلعاتهم من خلال الاستفادة من خيرات وطنهم التي اصبحت نهباً للصوص من سياسيين وعملاء ومرتزقة . فالوضع الحالي وعلى اثر ما افرزته هذه العملية السياسية من تخريب بدايته المورد البشري الذي اصبح لا يستقر على حال من الطلق واضحى ينتابه الخوف من حاضر ليس الا نفقاَ مظلماً لا توجد نهايةً له ضمن المدى المنظور ، وقلقاً من مستقبلاً مجهول مؤطر بالغموض والإبهام . فترى الناس تعصف بهم الحيرة وتشويش الافكار وانهيار الروح المعنوية أثر تزعزع الثقة بالحكومة والأحزاب .ففقد الاستقرار والطمأنينة وانهارت الروح المعنوية لديه وظهرت حالة الصراع النفسي الذي ولد الانكفاء على الذات نتيجة كماً هائلاً من المخاطر التي تحيط به من كل جانب .
    ومن الاثار الحتمية للمحاصصة تدمير مؤسسات الدولة سواءً المدنية والعسكرية لفقد القدرة على التنظيم واتخاذ القرار والتوجيه السليم والتقييم والتقويم . مما افقدها النجاح في العمل من خلال الاكتئاب الذي تولد لدى العاملين فيها أثر شعورهم بغياب العدالة وتكافؤ الفرص وانعدام القيم التنظيمية من خلال تعزيز كل مظاهر المداراة والتحيز بينهم . لتصبح بيئة العمل بيئة مخاطرة وعدم تأكد تتميز بالعشوائية والانتقائية لتعم الفوضى الادارية والارتباك وتؤد العلاقات الانسانية السليمة لانجاز الاعمال بكفاءة وفاعلية .
  ويمتد التدمير لكل البنى التحتية أثر سياسة حمقاء تتحكم في مسارات الاقتصاد من خلال نفوذ طبقة طفيلية لا تمتلك الكفاءة العلمية والخبرات المهنية مما ادى الى توقف عجلة الصناعة والزراعة. لافتقار هذه الطبقة القدرة على التخطيط الاقتصادي وجهلها باستخدام التقنيات الحديثة وعدم معرفتها كيف تعالج البيانات والمعلومات التي تساهم في تجنب التخطيط العشوائي .وإبعاد الاقتصاد  الوطني عن المخاطر التي تؤثر مباشرةً على النظام الاقتصادي ككل سواءً بما يتعلق بتوفير ألمواد ، طرق توريدها ، هيكلة السوق ، آليات التسعير ، بيئة الاعمال الدولية ، والتشريعات الاقتصادية اللازمة للسيطرة على البيئة الكلية . وبالتالي التأثير على المواقف والمفاهيم والأفكار التي تساهم في تحقيق تنمية اقتصادية قوية وحقيقة .
  وأثر الضعف والوهن اللذان اجتاحا مفاصل الدولة وإدارات المؤسسات فيها بسبب الجبن والخور وازدواجية الولاء ( ان لم تكن عمالة)  للسياسيين اللذين يتصدرون مواقع المسؤولية ، تجاوز الخطر كل مراحل الامان أثر استغلال دول الجوار لهذا الواقع لتقوم بتوجيه الضربة القاتلة للأمن الاجتماعي والاقتصادي والجغرافي والبيئي للعراق من خلال تجرئها على تجفيف الموارد المائية التي تغذي الحياة فيه أو تقوم بتغيير مصباتها أو تحويلها الى مبازل للأملاح تتسرب الى اراضيه . ورمي نفايات مصانعها لتلويث ما تبقى له من مورد مائي لتختنق كل انواع الحياة سواءً البشرية أو الزراعية أو الحيوانية لتكون النهايه  موت محقق لهابلا رادع من دين يدعونه أو مسآلة من منظمات حقوق الانسان أو منظمات حماية البيئة أو حتى منظمات الدفاع عن حقوق الحيوان الذي طاله الموت أما على اثر جفاف المياه او اختناقاً أثر الملوثات التي تصرف في الانهار . كأن هذا الوطن وشعبه اصبحا مشروعاً للزوال والفناء .
  ان الدول التي احكمت مثلث الطمع والاستحواذ والتدمير الشامل ـــ الامريكي ( الاسرائيلي) والإيراني (الفارسي )والتركي (العثماني )ـــ لم تتكالب علينا إلا بفضل السياسيين اللذين سعوا الى تفتيت الطاقات البشرية والمادية سواء بأساليب التظليل والخداع للبعض من ابناء الشعب واستغلال عواطفهم من خلال استنهاض الغرائز الباطنة  كالطائفية والقومية والعشائرية والمناطقية وجعلها تعلو على الولاء للوطن . أو بالاحتيال والمراوغة من خلال سرقة وتبديد ثرواته الطبيعية أو المالية في مشاريع وهمية أو عائمة . لنصبح شعباً يدب فيه الوهن والخور لدرجة عدم استطاعته المقاومة لفك الايدي التي تطبق على عنقه وتبغي خنقه حتى الموت . أثر الاحباط الذي تسبب به هؤلاء السياسيين اللذين يرون حكومات تلك الدول التي تتسبب في خنقنا وهي تعمل لتحقيق ما يتلاءم مع مصالح بلدانها وشعوبها حتى ولو كان ذلك مخالفاً للدين والقانون والعلاقات بين الدول لترسيخ معاني القوة في شعوبها رغم انها تعاني من المشاكل الاجتماعية وتقهقر قوتها الاقتصادية .
  لذا علينا كشعب الدفاع عن حقنا في الحياة وعن امن وطننا وسلامته بعد اليأس من قدرة الحكومة على القيام بواجبها في مواجهة هذا الكم الهائل من التدمير في جميع المجالات الاجتماعية ، الاقتصادية ، الثقافية ، البيئية ، الصحية والعلمية . هذه الحكومة التي اصبحت كالنعامة تضع رأسها في الرمال ضناً بأنها تتجنب خطراً يداهمها لتكون بالتالي ضحية لهذا الظن .
  وكخطوة اولى لهذا الدفاع مقاطعة منتجات وصناعات الدول التي تساهم في هذا التدمير . ومساهمة المفكرين والمثقفين بفضح هذا التدمير من خلال رسائل الى المفكرين والمثقفين في الدول الاخرى ، فهذا الاسلوب كثيراً ما تحقق من خلاله التعاطف والمساهمة في درء المخاطر والظلم . يتزامن مع هذا قيام منظمات المجتمع المدني برفع دعاوى قضائية لدى المحاكم الدولية ضد رأس السلطة في الدول التي تمارس جرائم التدمير علينا . كوسائل لفك اياديهم الاثمة التي تطبق على اعناقنا سعياً لخنقنا حتى الموت ثم الهيمنة على وطننا من خلال عمليات التدمير التي تتوفر فيها كل اسباب الجريمة المنظمة التي يتجلى فيها التخطيط والعمل على حرمان شعب من حقه في الحياة والدفع به نحو الابادة الجماعية .