19 ديسمبر، 2024 12:09 ص

اسقاط حكم الاخوانفي مصر.. من هو الرابح والخاسر محليا واقليميا ؟

اسقاط حكم الاخوانفي مصر.. من هو الرابح والخاسر محليا واقليميا ؟

سقوط حكم الاخوان في مصر بعد تجربة قصيرة هل كانت كافية لاثبات فشلهم في حكم وادارة دولة ، ام ان سقوطهم كان بتأثيرات خارجية؟
ومع اسقاط الحكم ، هل انهار حلم الاخوان بالاحتفاظبالسلطة وبناء دولة الخلافة ؟ وهو الحلم الذي ميّز 85 سنة من نشاطاتهم وسلوكهم ؟ وهل تقّوض هدف بناء الهلال الاخواني من تونس الى ليبيا فمصر وغزة وصولا الى سوريا والاردن؟
   ماذا سيترتب على سقوط او اسقاط حكم الاخوان مصريا وعربيا واقليميا ، وماهي النتائج المترتبة منه على منطقة تعيش مخاضا لم تكتمل سماته بعد ؟ وتحديدا من هو الخاسر ومن هو الرابح من سقوط الاخوان في مصر – ومصر هي حجر الاساس في النظام الاخواني الجديد في المنطقة ، وكيف ستتصرف الاطراف الاقليمية تجاه ماحدث ؟
   بداية نقول ان الفكر الديني السياسي الذي يمثل الاخوان جناحا رئيسا فيه ، هو فكر خاوي من اي محتوى معاصر . فالاسلام السياسي قام كرد فعل على اوضاع وظروف تخطاها الزمن ، لكنه لم يستطع تطوير افكاره وممارساته وحتى البناء الداخلي لاحزايه لتواكب متغيرات العصر ومتطلباته المتجددة ، فبقي اسير منطلقاته الموغلة في بدائياتها وتبسيطاتها المفرطة في تفسير حركة التاريخ وسيرورة الحياة.كما لم يستطع هذا الفكر ان يهضم متغيرات العصر ومتطلبات الحياة الحديثة وحاجات الناس الى الاشياء المادية خارج دائرة الوعود بالجنة السماوية ….وبالتالي كان وصول الاخوان الى السلطة اختبارا حقيقيا لهم في النجاح او الفشل ، وهم الذين صدعوا الرؤوس بانهم وحيدون القادرون على بناء دولة النعيم الموعودة عبر طرحهم لشعار طالما استهوى الناس البسطاء الا وهو ” الاسلام هو الحل ” .
  الا ان الاخوان  فوجئوا بمدى اتساع وتعقيد التحديات الستراتيجية الكبرى امنيا واقتصاديا وسياسيا وفكريا في حكم الدولة التي لم يتهياوا لها لا فكرا ولا سلوكا ولا تنظيما ، فكان ان اضاعوا مدة حكمهم القصيرة في صراعات هامشية مع المثقفين والصحفيين والفنانين والعلمانيين وباقي الاديان والمذاهب وتكفير الاخرين على اسس عقائدية ومذهبية .
   مشكلة احزاب الاسلام السياسي انها غير قادرة على ادارة عملية انتقال ديمقراطي سلمي في الدولة لانها احزاب نشات تنظيما وسلوكا على عبادة الراس ( المرشد او المرجع ) والطاعة العمياء له( في مكتب المرشد مثلا يقوم اعضاء مكتب الارشاد بربط شريط حذاء المرشد وهم راكعين ويعتبر هذا الطقس اجباريا لاظهار الطاعة ونيل بركة المرشد ) ولا يتجسد في نظامها الداخلي اية روح ديمقراطية ، فاذا كان الوضع كذلك فهل يكونوا قادرين على ممارسة ديمقراطية حقيقية في السلطة؟ الجواب طبعا لا ، لذا راينا محاولات اخونة الدولة ومؤسساتها بحيث لو بقي مرسي 3 سنوات اخرى لزاد حجم الكارثة التي ستقع فيها مصر في كل النواحي .
   من هنا نرى ان الاسباب الداخلية لسقوط الاخوان كانت واضحة جدا . لكن السؤال لم كان السقوط بهذه السرعة؟
   لم يكن مجيء الاخوان الى الحكم محض صدفة ، فالاسلام السياسي كان موضع عداوة اميركا والغرب حتى سنوات عدة ، لكن ظروفا معينة أملت تشكيل حلف اميركي غربي خليجي للمجيء بالاسلاميين ( المعتدلين ) كبديل للتيارات القومية والعلمانية والاسلامية المتشددة ، التي برهنت اما على مناوئتها للغرب ، او ان تكون قد استهلكت اميركيا او شعبيا ، مقابل ان يتنازل الاسلاميون من كل ادعاءاتهم بعداوة اسرائيل والمحافظة على على السلام معها والتعاون مع الغرب ( وهذا هو ماتريده اميركا من اي حكم في المنطقة فمعيارها عدم معاداة اسرائل والغرب لا معيار تمثيل شعبه وخدمته ) ، وذلك ضمن خطة بناء الشرق الاوسط الجديد الذي فشلت فيه ادارة بوش … وهي الخطة التي تستند الى بناء هلال اخواني سني”معتدل ” يمتد من تركيا اردوغان الى مصر وسوريا لمحاصرة الهلال الشيعي او الفارسي … ومن ثم بناء محور متناسق فكريا يكون حليفا للغرب في هذه المنطقة الحيوية تمهيدا لدمجها مع اسرائيل بنظام شرق اوسطي –اوربي – اميركي .. اذن مالذي تغير في الموضوع للانقلاب على هذه الخطة ؟
   المنحى الخطير للاحداث في ليبيا وسيطرة المتشددين على الامور فيها ومقتل السفير الاميركي في بنغازي واحداث مالي والجزائر التي ثبت علاقة  تنظيم الاخوان العالمي فيها ، اعطى اشارات الى خطورة الوضع وان مايسمى ” المعتدلون ” في التيارات الاسلامية اما انهم لا يعول عليهم او هم غير مؤثرون او مضطرون لمسايرة التيارات المتشددة ( كما ساير الاخوان متشددي السلفيين وسيناء ) . فشعرت اميركا انها اخطات في حساباتها او انها وقعت خديعة وعود القطريين بالسيطرة على جماح الاسلاميين .
   هذا من جهة ، ومن ناحية اخرى كان الاداء الهزيل للاخوان في مصر والشخصية البائسة لمرسي ، عاملا في تعزيز المعارضة الداخلية لحكمه والتي فاقمتها الازمات الخطيرة اقتصاديا وفلتان الامن وتهيد اثيوبيا للامن المائي المصري واحتمالات الفتنة الداخلية بين السنة والشيعة والاقباط والمسلمين ومحاولة الاخوان ركوب موجة السلفية بقطع العلاقة مع سوريا والتضييق على الاعلام والحريات العامة وتكفير المعارضين .
    يضاف الى ذلك شعور السعودية والامارات ( وبدرجة اقل عمان والكويت ) بالخشية من تنامي التيار الاخواني في المنطقة ( حيث يتعارض التيار الوهابي السعودي كليا مع الفكر الاخواني ) وطموح دولة قطر التي اصبحت مرتكز وممول الاخوان من مد الحركة الى دول الجزيرة . فكانت السعودية والامارات من اكثر الدول التي عارضت الحكم الاخواني في مصر وبالتالي من اكثر المستفيدين من ازالته .
    على الرغم من المعارضة الشعبية الواسعة والامتعاض الاميركي من اداء الاخوان وسعي السعودية وغيرها الى تقويضهم ، لم يكن ذلك كافيا لاسقاط حكم يتمتع يقاعدة شعبية دينية عريضة ودعم حركات مشابهة في دول اخرى وكذلك بدعم تركي وقطري قوي …. وهنا أتي دور المؤسسة العسكرية … التي كانت تراقب الوضع ويسودها الامتعاض من منحى الامور، لكنها لا تستطيع التدخل ضد حكم اتى ديمقراطيا لان تدخلها سيظهر انقلابا عسكريا سافرا( والقوات المسلحة مثقفة ومبنية على اسس علمانية ووطنية وقومية لذا فهي تتعارض مع الفكر الاخواني العابر للوطنية والذي لا يعترف بالعروبة ويسعى الى بناء دولة اسلامية عالمية .. يضاف لذلك تفاقم مشاكل مصر خاصة الامنية منها التي تهدد امن مصر القومي دون ان يظهر ان للاخوان ستراتيجية محددة لمجابهتها …يضاف الى ذلك ازدراء الاخوان للمؤسسة العسكرية وغدرهم بطنطاوي وعنان اللذين كانا السبب في تسليم الحكم للاخوان …كمثل بعض الاسلاميين اخذوا يعيرون العسكريون يتسميتهم ” بتوع نكسة 67 ” )…. فكانت مظاهرات 30 يونيو التي يقال انه شارك فيها 33 مليون مواطن ( اي 40% من عدد المصريين و60% ممن يحق لهم التصويت ) لتعطي القوات المسلحة الحجة للتدخل ” لحماية الشرعية الشعبية ” .
    وفي الحقيقة انه لولا تدخل القوات المسلحة لما سقط حكم الاخوان …. وفي رأيي ان تدخلا عسكريا بهذا الحجم وان تم ليبدو انه تنفيذا لارادة الشعب وليس انقلابا والدليل ان العسكر سلموا السلطة لمدنيين تمهيدا لمرحلة انتقالية … لم يكن لينفذ دون قبول ضمني اميركي سعودي … ودليلنا على ذلك الموقف الاميركي والغربي المائع من الاحداث التي تلت اقالة مرسي ( وهي احداث لو جرت في بلد اخر لاطبقت السماء على الارض ) ومحاولة ايجاد التبريرات لها، ومسارعة كل من السعودية والامارات الى مباركة خطوة الجيش …. ويتزامن ذلك مع ابعاد الاخوان من رئاسة المجلس الوطني السوري المعارض في انتخابات اسطمبول الاخيرة باختيار احمد عاصي الجربا الشيخ الشمري القريب من السعودية على حساب عصام الصباغ الاخواني المقرب من قطر وابعاده حتى عن منصب نائب الرئيس … ومن ثم استقالة غسان هيتو من رئاسة الحكومة السورية المؤقتة المعارضة وهو المقرب من الاخوان .
    بعد كل ذلك … نتسائل ماهو مآل الاحداث ومن هو الرابح والخاسر في هذه المنازلة الكبرى ؟
-الاخوان لن يستسلموا بسهولة للضربة القوية التي فاجاتهم ولن يدعوا حلم 85 سنة يتقوض امام اعينهم . وهم يملكون الادوات المادية والبشرية والمعنوية (والخبرات السابقة في المعارضة العنيفة ) اضافة للجهات الدولية الحاضنة لهم ( قطر وتركيا والتنظيم العالمي للاخوان ) لذا سيسعون اثارة المشاكل والاضطرابات وتعكير صفو الامن واشغال الجيش والاجهزة الامنية بمشاكل داخلية مستمرة … وسيستمر الانقسام الداخلي المصري على خلفية مؤيدين ومعارضين للاخوان ، وذلك سيلقي بظلاله السلبية على الوضع المصري في المرحلة المقبلة.
-سقوط الاخوان في مصر يعني بداية سقوط الهلال الاخواني في المنطقة وتخلي اميركا والغرب عمليا عن تبني الاخوان في مشروعهم الشرق الاوسطي ( رغم ان اسرائيل شعرت بالراحة خلال حكم مرسي… لكن لا يمكن الركون لحليف ضعيف في حماية الحدود واتفاقيات السلام مع مصر ) … وبالتالي ستشهد المنطقة تراجعا للمد الاخواني خاصة في سوريا والاردن والخليج وتونس وغيرهم … فمصر هي الحجر الرئيس وستتبعها الاحجار الاخرى كالدومينو .
-مايهم اميركا هو ابقاء مصر خاضعة بشكل او باخر لسياساتها والمحافظة على ” السلام ” مع اسرائيل . لذا ستسعى مع السعودية الى ايجاد وضع مريح لهما دون المغامرة بجر مصر لسياسة استتباع مفضوحة اصبحت الجماهير المصرية حساسة منها . لذا سيكون الدور السعودي محصورا في مساندة النظام الجديد ماديا وسياسيا ليبقيه بعيدا عن تاثيرات الاخوان وقطر ..فيما تسعى لتعزيز دورها في المعارضة السورية لاقصاء الاخوان او تحجيم دورهم الرئيسي الحالي فيها وهو مايتم منذ فترة مضت . وفي كل الاحوال يمكن اعتبار سقوط الاخوان مكسب للسعودية ونقطة لها على حساب غريمتها الصغرى قطر ، واعادة ترتيب الاوراق التي تمسكها في مجالها الحيوي .
-تركيا والمعارضة السورية هما الخاسران الاكبران في سقوط الاخوان في مصر … فمصر تشكل حجر الاساس في السياسة الاخوانية التركية الساعية الى لعب دور القائد في العثمانية الجديدة في المنطقة بالارتكاز الى مصر وموقعها وثقلها الفاعل ..ونرى في ردود الفعل التركية سواء من اردوغان او اوغلو مدى الغصة التي يشعران بها . اما المعارضة السورية التي يهيمن عليها الاخوان سياسيا وعسكريا فقد خسرت داعما سياسيا ومعنويا مهما لها لابد ان يستتبعه فقدان الحظوة لدى الراعين الاقليميين والدوليين لصالخ جماعات معارضة اخرى .
-قطر التي استثمرت في مصر وفي المعارضة السورية مليارات الدولارات ولطالما كانت اللاعب الرئيس في الواجهة ، ترى ان جهود اكثر من 3 سنوات بدأت تنهار .. ويظهر ذلك في هيستيريا قناة الجزيرة في تغطية الاحداث ودعم مرسي … وذلك سيزيد الشرخ القطري السعودي  ، حيث يسعى البلدان في اتجاهين معاكسين في الرؤية والاهداف لكل مايحدث في المنطقة ، مما يجعلنا نتوقع جولة جديدة من  المنافسة بين البلدين او ان تستسلم قطر بعد ان فرض على اميرها التخلي عن الحكم لنجله وبذلك نرى افولا تدريجيا للدور القطري في حركة الاخوان العالمية واضعاف الحلف التركي القطري الاخواني.
-ايران ، وللغرابة ، قد تكون احد الخاسرين من سقوط مرسي … فالنظام السابق ( مبارك) كان يعادي ايران على طول الخط … وفكر الاخوان مهما حاول ركب موجة السلفيين هو قريب من حيث الخطوط العامة من الاسلام السياسي الايراني … وسعى الاخوان الى اقامة علاقات مع ايران نمثلت بزيارة مرسي وتوقيع اتفاقيات تمويل وسياحة وطاقة ( وهي خطوة اراد منها الاخوان اظهار استقلالهم عن الغرب لكنها تسببت في امتعاض اميركي وسعودي).. في حين ان بديل حكم الاخوان سيكون اكثر قربا من الاميركيين والسعوديين  في ابتعادهم عن ايران..( وحتى العسكريين … بحكم تركيبتهم القومية لهم مأخذ على ايران ولدورها  في العالم العربي )؟
-سعى العراق الى اقامة علاقات جيدة مع حكم مرسي ( اتفاقات تزويد مصر بالنفط وتعويضات العمال المصريين وغيرها ) وكان الاخوان منفتحين على علاقة جيدة مع العراق لاغراض اقتصادية وسياحية اكثر مما هي سياسية لكن المشكلة ان الاخوان دخلوا في سياسة المحاور في المنطقة والعراق محسوب على المحور الايراني السوري الذي يعارضه الاخوان… وسقوط الاخوان سيفتح المجال لقيام نظام حكم متوازن في علاقاته العربية واكثر انفتاحا من السابق على القضايا العربية …وينبغي استغلال هذه التغيرات لصياغة سياسة عراقية وطنية تقوم على المصالح الوطنية والقومية  بعيدة عن سياسة المحاور بالاستناد الى علاقات مميزة مع مصر الجديدة وثقلها لموازنة باقي القوى الاقليمية ذات التاثير .