23 ديسمبر، 2024 2:50 ص

اسرائيل لا تقيم الدول ، انما تصنع الحروب

اسرائيل لا تقيم الدول ، انما تصنع الحروب

منذ وقت طويل دأبت الحكومات العراقية وبعض الحكومات العربية ، ومعها قوى سياسية ومنظمات حكومية واخرى غير حكومية ، دأبت على اتهام الحركة الكردية بارتباطاتها مع اسرائيل ، وتنفيذ مخططاتها في العراق والمنطقة ، حتى بات الفرد العربي مقلقا وشبه مقتنع ان هناك علاقة ما بين اسرائيل والكرد في العراق . فما هي حقيقة الامر ؟
اقول بداية نجحت الحكومات العربية التسلطية الى حدّ كبير في فرض سلطتها ، وتقييد حريات مواطنيها والابتعاد عن انتهاج نظام ديمقراطي ،بحجة الاوضاع غير الطبيعية وما سمى بالمقاومة ، والقول بأن (كل شىء من اجل المعركة ) ومن اجل تحرير فلسطين ، فأوهم المواطن العربي ان واجب مقاومة اسرائيل يتحتم عليه غضّ النظر عن مطالباته بالحرية والديمقراطية والحقوق والعيش الرغيد.
بالنسبة لعرب العراق والعديد من التيارات السياسية والاجتماعية والنخبة المثقفة والكثير من العشائر العربية ، لم تكن تتفق في توجهاتها مع موقف الحكومة العراقية واجرائاتها القمعية ضد الكرد واستخدام العنف والقوة العسكرية لكبح جماحهم ، وكان اتهام الكرد بالعمالة لاسرائيل رادعا قويا يجبر كل من يرغب في مساندة الكرد باختيار الصمت على الاقل .
نعود الى استفسارنا ما علاقة اسرائيل بكرد العراق ؟ واودّ ان اخاطب هنا الفرد العربي الذي يعتقد بهذه العلاقة الوهمية بين الكرد واسرائيل .كما اخاطب في نفس الوقت الفرد الكردي الذي يعتقد ان اسرائيل تدعم اقامة دولة كردية ، فدفعته اعتقاده الى رفع علم اسرائيل والدوران به علنا في عاصمة الاقليم. للاجابة على الاستفسار.نقول بدأت ثورة الكرد الدفاعية في 11 ايلول من عام 1961 وانتهت مرحلة منها في 11 آذار عام 1970 عندما ابرمت قيادة الحركة اتفاقية الحكم الذاتي مع الحكومة العراقية . طيلة هذه الفترة لم تقدم اسرائيل بندقية صيد واحدة او حتى طلقة يتيمة لثورة ايلول ولم تقدم كيس طحين منفرد لعشرات الالاف من القرووين الكرد الذين سكنوا الكهوف ووديان الجبال هربا من القصف الجوي والمدفعي والعمليات الحربية .كل ما قيل ان مفرزة طبية يهودية من بضعة انفار متواجدة بجوار مقر قيادة كردية تقدم خدمات التداوي والتضميد ، وكل افراد البيشمركة اثناء ثورة ايلول يعرفون هذه الحقيقة . ولا استبعد الدور الاستخباري لتلك المجموعة الطبية ، لكن ليس لدعم الثورة انما للتجسس على القيادة الكردية ونشر الكرهية وادامة الحرب اضرارا بالطرفين . كانت الثورة تعتمد بالاساس على دعم مالي شهري محدود من الاتحاد السوفييتي السابق . وحتى اتفاقية اذار عام 1970 جرت بوساطة وضمانات الاتحاد السوفييتي .
ما طبّل له وزمّرمن ان العضو السابق في القيادة الكردية (السيد محمود عثمان ) قد (كشف) عن علاقات الزعيم مصطفى البارزاني باسرائيل لا يتعدى في حقيقته عن زيارة قام بها البارزاني الى اسرائيل ، ولم يلتقي مسؤولا اسرائيليا ، انما استقبله في المطار وقام باستضافته عدد من الكرد اليهود الذين رحلوا من قضاء عقرة بعد قيام دولة اسرائيل .
ما يقال ان البارزاني نحركبشا او عجلا او دجاجة لا ادري ،احتفالا بنصر اسرائيل على العرب في حرب حزيران عام 1967 ، قول ساذج لا يستحق الرد . فمقر البارزاني كان يضم الالوف من البيشمركة وعشرات الصحفيين والزوار ، وكان العشرات من رؤوس الماشية وغيرها تذبح يوميا وتطبخ . ثم ان البارزاني اوقف العمليات الحربية اثناء حرب حزيران تضامنا مع جيش العراق .
في آذار عام 1974 اندلعت الحرب مرة اخرى بين الكرد والحكومة العراقية ، واعتمدت الحركة الكردية بالكامل على الدعم الايراني وبمباركة الولايات المتحدة ، وسحب السوفييت دعمهم وتأييدهم للحركة . وفي بداية عام 1975 جرت لقاءات عديدة بين قادة ايران الشاه ومسؤولين عراقيين ، تمخض عنها اتفاقية الجزائر بين الشاه وصدام حسين في 6 آذار، وسحب شاه ايران دعمه للحركة الكردية فانهارت تماما ، فأين كان الدعم الاسرائيلي ؟ على العكس اسرائيل ،كانت متواطئة ، بدليل انها لم تخطرالقيادة الكردية بلقاءات ايران والحكومة العراقية التي استمرت لعدة اشهر ، ولا يعقل ان الموساد الاسرائيلي لم يكن يعلم بها مع انه كان على صلة وطيدة بسافاك الشاه (محمد رضا بهلوي ) وادارت السافاك المفاوضات .
اثناء الحقبة التي تلت عام 1975 ، تعرض الكرد لحملات الابادة الجماعية والحرب الكيمياوية والانفالات المتعددة ، ولم نسمع عن اسرائيل حتى اعتراضا ناهيك عن الدعم والمساندة .
اثناء قمع الانتفاضة اكدرية عام 1991 ورحيل الملايين من الكرد الى تركيا ، هرعت دول كثيرة في العالم لاغاثة الكرد ولم يكن من بينها اسرائيل ، مع ان علاقتها بالحكومة التركية كانت ودّية جدا في ذلك الوقت .
مع اجراء الاستفتاء في كردستان في الايام الماضية ، رصد تواجد( برنار هنرى ليفي ) في مركز باربيل فعاد البعض الى الحديث عن مخططات اسرائيلية تنفذها كردستان ، لانشاء اسرائيل ثانية في شمال العراق . وانخدع عدد من شباب الكرد بمشاهدته معتقدين ان اسرائيل وراء الاستفتاء ،وانها ستقيم لهم دولة يتنعمون فيها بكل ما هو لذيذ.
لقد تجاهل الفريقين ان كردستان مثل باقي اجزاء العراق ، تعدّ اليوم ساحات لعملاء اغلب دول العالم ومنها اسرائيل ، وان كردستان بلد منفتح لا يسأل عن ديانة من يدخل اليه . واجزم ان ليس لهذا الشخص اليهودي و لا لاسرائيل دور في الاستفتاء ، وليس لأى منهما رغبة في اقامة دولة كردية . ان مهمة ( ليفي ) ومهمة اسرائيل تتلخص في صناعة الحروب وادامة النزاعات وحسب .
لا يخالجني اي شك ان اسرائيل ليست داعمة لكردستان ، وعلى الذين يشكّكون او يتهمون ، ان يسألوا انفسهم ، اسرائيل التي يقال عنها البعض انها تسّير سياسة نصف دول العالم ، اليس بمقدورها اقناع دولة واحدة بعدم رفض اقامة دولة كردية ؟؟