تضج اسرائيل منذ أسابيع بتهديدات يطلقها قادتها السياسيين والعسكريين بشنّ حرب واسعة على سوريا و لبنان ، وكل ذلك في حقيقة أمره جعجعة انتخابية واستعراض فارغ للقوة أمام أصدقاء اسرائيل الجدد في الخليج العربي ذلك أن الوضع الدولي باقتصادياته المضعضعة و بفعل جائحة ” كورونا ” و بالتوترات الإجتماعية في دول عُظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية و بعض دول أوروبا لا يسمح باندلاع حرب في منطقتنا فضلا عن أن القوى العظمى التي تحاول الإمساك بمقادير الوطن العربي لن تسمح لأطراف محلية أن يتصرفوا بإرادتهم المنفردة ووفق أهوائهم ، ثم إن موازين القوى بحدّ ذاتها لا تسمح باندلاع حرب واسعة فانتشار سلاح الصواريخ بأعدادها القياسية و بدقة تصويبها القاتلة جعل منها سلاح ردع متبادل بكل محاذيره و ضوابطه ناهيك عن صعوبة قياس مخاطره ، والأهم من ذلك كله أن اسرائيل تعيش أزمات مزمنة متمثلة في اقتصادها المشوّه و تطلعاتها مستحيلة التحقيق و اختلال التوازن الإجتماعي والسياسي فيها ، فهي تعاني أزمة وجود تجعلها تبدو مجموعة من كتل متنافرة و شظايا متناثرة تقدر على الإرهاب و على قمع المدنيين العرب العزّل ولكنها لا تقدر على الحرب ، ففي كل يوم ومع أزماتها المزمنة تبدو اسرائيل على مستوى سكانها خليطاً من عداوات و حزازات طائفية و مذهبية ، و هي على مستوى قادتها كتلة أحقاد عائلية و شخصية ، ومثل هكذا كيان لا يمكن أن يصنع شعباً أو يخلق أمة تعيش التاريخ أو تصنعه وسكانها بشواهد عدة ليسوا مطمئنين لمستقبلهم فدولتهم في أحسن أحوالها قوة ضرب وأداة عنف أو حتى بؤرة نووية . ولاشك أن واقع منطقتنا العربية متأزم بسبب هذا الصراع لأن أحد طرفيه لا يقدر على السلام فيما الطرف الآخر لا يقدر – في المدى المنظور – على الحرب ، وبكل الأحوال فإن السلام بينهما مستحيل فاسرائيل أشعلت ثلاثة حروب – 1948 – 1956 – 1967 لتستولي على ما تسميه ” كامل أرض اسرائيل ” وبالذات الضفة الغربية لنهر الأردن و مدينة القدس ، وهي بالقطع لن تنسحب إلى خطوط ما قبل 1967 إلا إذا اختلّت موازين القوى في غير صالحها جذرياً فعندها ستصبح تكاليف الصراع فوق طاقتها وحتى تحين تلك اللحظة التاريخية فإن مطالب اسرائيل من العرب جميعاً تدور حول مفاوضات مباشرة معها و اعتراف بشرعيتها مع الإقرار الكامل بأن القدس عاصمة الدولة الإسرائيلية و إلى الأبد ! و هي تريد فرض تطبيع العلاقات معها على كل الصعد وإعطائها دوراً رئيساً في نظام اقليمي يجعلها شريكاً في موارد الوطن العربي بدءاً من مياهه وحتى نفطه ، ثم أنها تطالب بقبولها شريكاً في نظام أمن للمنطقة يعطيها دوراً متميزاً في إدارة أمورها ، وهي تريد بعد ذلك كله أن يخرج منها كل عرب 1948 ومعهم عرب 1967 و اعتبار نهر الأردن خط سيادة و حدود أمن ! وقد تظن اسرائيل أنها واصلة إلى تحقيق كل هذه المطالب خاصة بعد ما اقترفه حكام الخليج العربي بتطبيع العلاقات معها ، و قد يكون صحيحاً أنه للحكومات ضرورات و للشعوب خيارات لكن ما أقدم عليه حكام الخليج العربي ليس له ضرورة حقيقية و لا مبرر معقول و مقبول ، ويبدو أن إدراك هؤلاء الحكام قد عجزعن استيعاب حقيقة أن منطق التاريخ وأحكامه وعِبره جميعها تؤكد بلا لبس أن اسرائيل كيان محكوم بالزوال وأن الأمة العربية قد تصاب بأوبئة التخلف و الوهن و قد تسقط بقوة الإحتلال الأجنبي لكنها أمة تملك بحكم تاريخها وحضارتها وعقيدتها مناعة كفيلة بإبرائها من أمراضها و بتجديد شبابها بما يمكنها من استئصال أي جسم غريب يُزرع على أرضها و لعل في الغزوة الصليبية التي جثمت على أرضنا أكثر من ثمانين عاماً قبل أن نجعلها هباءً منثورا مثالاً حياً لمصير اسرائيل