بعد جهود مضنية وايفادات كثيرة إلى خارج العراق ومفاوضات شاقة وصعبة مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، تمكن المعنيون بالشؤون المالية وخبراء ومستشاري الاقتصاد من الاتفاق للحصول على قرض بمبلغ ملياري دولار لسد جزءا من العجز في موازنة 2015 ، ويقال إن هناك مساع تبذل لتدبير قروض أخرى لتمويل موازنة 2016 وجعلها بدون عجز من خلال تغطية العجز بالقروض ، وتأتي هذه النتائج في ظل وضع العراق في تصنيف ائتماني محرج B- ويعني من ضمن ما يعنيه هذا التصنيف انه يحتاج إلى ضمانات سداد مؤكدة ودفع فوائد تزيد من درجة المخاطرة +6 أي إن الفوائد على القروض تزيد عن 10% من قيمتها ، ومن الناحية الاقتصادية فان الجهات المقرضة من حقها إن تفرض هذه الإجراءات لأنها تريد أن تضمن خدمة القروض ( تسديد فوائد القروض سنويا ) وتسديد القروض في نهاية المدة المحددة باعتبارها ديون ويجب إبعادها عن المخاطرة والحيلولة دون وصولها إلى الديون الحرجة أي المشكوك في تحصيلها أو في عداد الديون المعدومة .
ورغم إن البعض يعد ما يتحقق في مجال الحصول على القروض انتصارا للإدارة المالية العراقية ، إلا إننا لا نميل إلى تأييد هذه الفكرة قط ، والسبب إن المقترض يجب إن يكون متأكدا تماما بأنه قادرا على خدمة الدين والوفاء بالقرض أي دفع قيمته في موعد السداد دون صعوبات تذكر ، وفي ظروف سابقة تم استخدام القروض اليابانية لأنها كانت بفوائد رمزية وبمواعيد سداد تمتد لعشرات السنوات في وقت كانت فيه إيرادات النفط تتصاعد يوما بعد يوم أي إن القروض اليابانية كانت ( زايد خير ) وموجهة للاستثمار ، أما القروض الحالية فإنها قد تتحول إلى وبالا على اقتصادنا وتؤثر على حياة العراقيين وموازناتهم السنوية ، لسبب بسيط وهو إنها موجهة للاستهلاك ولا توجد أية ضمانة لزيادة أسعار النفط وزيادة الإيرادات غير النفطية في الأمد القريب ، مما يعني إننا سنضطر إلى الاقتراض ثم الاقتراض بضمانات كبيرة مما يحول بلدنا إلى أداة بيد المؤسسات المالية الكبيرة ويجعل الدولة عاجزة عن الإيفاء بالالتزامات التي تتعلق بحياة الشعب ومنها الرواتب والخدمات وغيرها من الالتزامات .
وهناك بدائل متعددة للتمويل يمكن توفيرها من الإيرادات المحلية كبديل عن الاقتراض ونستطيع أن نذكر منها العشرات ولكننا سنتطرق إلى مثال واحد هنا ، فقد ذكر السيد وزير النفط عادل عبد المهدي أثناء استضافته في مجلس النواب بان وزارة الكهرباء مدينة بمبلغ 5 تريليون دينار عن الوقود المجهز لها من وزارة النفط ، ووزارة الكهرباء عاجزة عن السداد ، ولو نسأل وزارة الكهرباء لماذا لم تسددوا هذا المبلغ الذي يعادل أكثر من 4 مليارات دولار أي ضعف القروض التي نجحت المالية في الحصول عليها ، لقالت الكهرباء بان المواطن لا يسدد فواتير الكهرباء ، والحقيقة إن هذا الكلام غير صحيح لان المواطن غير ممتنع عن التسديد ولكن أنظمة الجباية فاشلة وتترك الخيار للمشتركين بعدم التسديد ، وبشكل جعل الديون تتراكم مما جعل المواطن يشعر بالعجز عن التسديد ، ولو أتيحت الفرصة للمواطن لتسهيل تسديد الديون وأتباع أساليب مبسطة للمراجعة والتسديد الشهري لأمكن الحصول على مبالغ الديون التي تقدرها الأجهزة المعنية في وزارة الكهرباء ( دوائر التوزيع ) بأنها تزيد عن 5 تريليون دينار .
ولغرض تحويل ديون الكهرباء بذمة المواطنين إلى أموال سائلة من خلال تسديدها نقدا وتدخل للموازنة ، فإننا نقترح على مجلس الوزراء مناقشة هذا الموضوع ومنح خصما على ديون الكهرباء مقداره 50% لمن يقوم بالتسديد نقدا خلال مدة 60 يوم مع منح تسيلات للتسديد بأربعة أقساط للديون التي تزيد عن 500 ألف دينار بعد التخفيض للصنف المنزلي و5 ملايين للأصناف الأخرى ، وفي حالة عدم التسديد خلال مدة التخفيض تفرض غرامات 10% من مبالغ الديون وتكون غير قابلة للتخفيض ، ويتم إلزام وزارة الكهرباء بإيجاد آليات لاستيفاء أجور الكهرباء بعد صدور قرار مجلس الوزراء بما يضمن وجود أماكن متعددة وقريبة من المواطن للجباية ، إذ يمكن الاستفادة من العدد الكبير لموظفي وزارة الكهرباء الذين يتجاوز عددهم 100 ألف موظف لغرض الجباية وبما يضمن السهولة والانسيابية وعدم الوقوع بحالات الفساد وتامين إيداع المبالغ في المصارف بالتعاون مع شرطة الكهرباء أو الجهات المعنية في وزارة الداخلية ، وبعد تسديد الديون يتم إيجاد سياقات واضحة وقابلة للتطبيق لتسديد أجور الكهرباء شهرا بشهر وبما يضمن دفع مستحقات الكهرباء .
ومن المؤكد إن هناك من سيضع العصا في الدولاب لمنع تطبيق مثل هذه المقترحات ، والسبب إن البعض اخذ يحول الوظيفة إلى وسيلة للاسترزاق ، وهي نظرة خاطئة وغير صحيحة ومن الواجب أن نعمل جميعا على أن تؤدي الأجهزة التنفيذية الحكومية أدوارها في تحقيق الكفاءة في الأداء ، كما إن البعض قد يرفض فكرة التخفيض ويقول إن تكلفة إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء هي أكثر بكثير من الأجور في القوائم ، ولهم نقول إننا نتحدث عن ديون سابقة التي تقف أجهزة وزارة الكهرباء مكتوفة الأيدي إزاء تحصيلها ، والمواطن أيضا قد يقول لماذا تفتحون علينا هذا الباب ، متناسيا إن تلك ديون تعود لسنوات سابقة قد يمتد تاريخها إلى ما قبل 2003 وهي واجبة السداد لأنها ديون حكومية وغير قابلة للتقادم ، والغرض من طرح هذا الموضوع هو تذكير الحكومة بعدم ولوج اخطر وأصعب الحلول وترك المتاح من الحلول ، والتي لا تنطوي على أية مخاطرة ولا تتطلب سوى مجموعة من القرارات وسلسلة من الإجراءات ، ففي ظل الأزمة المالية التي يمر بها بلدنا تظهر الحاجة الفعلية للتفكير والإبداع والأفعال بدلا من الخطابات والإطالة في الأقوال ، فلو عملنا بهذا المقترح لوفرنا مبلغ يزيد عن ملياري دولار بدلا من الاقتراض بشروط مذلة وفي ذات الوقت نتخلص من ديون الكهرباء .