تناقلت وسائل الاعلام العراقية والعربية امس، خبر اعلان القائمة العراقية عن استهداف زعيمها الدكتور اياد علاوي من قبل عناصر مدعومة من دولة جارة، وذلك عبر محاولة اغتياله بقصف منزله ومقر عمليه بصواريخ، تأتي ضمن مسلسل استهداف رموز القائمة ومكوناتها.
دعونا نتجاوز منطق التحليل السياسي، ببيان تداعيات الحادث وقراءة العوامل المؤثرة واستداعاء اليات الاستهداف، وما يترتب عليها، لنسأل عما يعنيه الحادث وفق رؤية استراتيجية لواقع الازمة التي يمر بها البلاد وببساطة: شيصير لو “استشهد” الدكتور اياد علاوي؟ او وقع مكروه لا قدر الله لاعضاء المكتب السياسي جميعا في حركة الوفاق ؟ او استهدفت شظية غادرة روح السيدة ميسون الدملوجي؟ ولنتفرض المحال: ان يكون النيزك الذي استهدف روسيا قبل ايام قد سقط على شارع الزيتون فلم يبقي ولا زيتونه مخلله؟!! ماذا يمكن ان يكون.
هل يمكن للعملية السياسية الجارية ان تتعطل برمتها، فيتوقف الجميع عن ممارسة ادائهم في حكومة الوحدة الوطنية!! او يمكن ان تتوقف المظاهرات الجارية في مدن الانبار وصلاح الدين والموصل وسواها؟!!
كم متظاهر يمكن ان يرجع الى بيته غضبان اسفا على ذلك؟ فيعتقد انه فقد القيادة الشرعية والوطنية لممارسته السياسية باسترداد حقوقه التي يطالب فيها الحكومة؟ ثم يقرر ان لا يخرج من بيته لان العنصر المحرك لتلك التظاهرات قد رحل؟
اعتقد ان لواقع التظاهرات اكثر من قراءة، وان اقربها للواقع هي تلك التي تسمي الاشياء بمسمياتها وتعطي الادوار الحقيقة لفاعليها دون ركوب الازمة او افتعال ما يقرب الصورة من شاشة الحدث، في محاولة للحاق بركب الازمة السائر، دون شك لتحصيل مكاسب للمسبب الحقيقي.
وعلى ذلك يمكننا ان نقول بصراحة، ان التظاهرات اخذت تعبر عن نفسها بصراحة اكبر، وتحشد الدعم العربي وتكتسب “شرعية” تسليط الضوء الاعلامي من قبل العديد من مراكز القوة الاعلامية في العالم العربي تبعا لما تقدمه من خطاب بات اكثر شفافية ووضوحا عما كانت بل وقامت عليه. انها تقول اليوم بصراحة انها تنطلق للدفاع عن حقوق مكون اغتصبتها الحكومة المركزية.
وبعيدا ايضا، عما تسوقه من اهداف تبرر بموجبها ذلك القيام، الا انها باتت تدلل عما تريده وتفكر بصوت عال للحصول على مكاسبها، بطريقة اكثر توازنا مما انطلقت عليه، فخيار الاقليم لم يعد قائما رغم انه كان واحدا من المطالب، وفي ذلك قراءة واقعية لما تتمتع به المناطق المتظاهرة عن غيرها، وخيار اطلاق السجناء بات اكثر عقلانية، وقد اتجهت مراحل التقنين الى تفعيل ذات المؤسسات التي تقوم عليها الحكومة.
نعم، ثمة تعاطف تبديه اوساط هنا وهناك، بل مؤسسات وحركات واحزاب، هي تشاطر جزء كبير مما يقوم به المتظاهرون، وتؤيد في السياق العام كل ما من شأنه ان يكرس الدكتاتورية ويسعى لاجتثاث المكتسبات التي قامت عليها العملية السياسية بعد 2003، لكنها لن تؤيد بالتأكيد العودة الى ما قبل هذا التاريخ، وقد يكون ذلك خطا احمر بالنسبة لاصوات كثيرة تنادي اليوم بحرية التظاهر وضرورة تلبية المطالب.
من هنا، فان قدرة الخطاب الذي ينتج عن التظاهرات، ومقدار توجيهه الاطار السليم وفق المتبنيات الشرعية، هو ما يزعج الحكومة، وهو ما يثير القلق للدكتاتوريات الجديدة، اكثر منه الجنوح الى مطالب خيالية او استفزازية او اتخاذ شعارات من شأنها ان تلهب حمية الثأر وتعمل على اصطفاف المئات بل الملايين وراء كلمة الرفض التي ستعمل على اجتزاء نصف الكأس الفارغ –دون شك-.
وعلى ضوء ما تقدم، اين يمكن ان نضع مكون “الوفاق” في عملية الاحتجاج؟!! ربما تكون الاهداف التي تحملها الحركة عظيمة وكبيرة بالنسبة لهم، وقد يتمنون بالفعل ان يكون لهم الدور الابرز في تلك الازمة، لكن احدا لم يسمع صوتا يعلو على صوت القائمين في الساحات، حتى السياسيين انفسهم من المكون “السني” في العملية السياسية بات صوتهم الاضعف وسط ذلك، وهم في كل يوم يتلقون اشارة واضحة تنقلها التكنولوجيا الاعلامية انهم لا يمثلون المتظاهرون، وفي اكثر من لقاء مع شيوخ عشائر من ابناء الانبار قالوا بصريح العبارة ان السياسيين لا يمثلون المتظاهرين!
كانوا هم الفتيل لاشك، لكنهم لن يبقوا على ذلك، التظاهرات اخذت مجراها وصار اليوم اكثر من واجهة سياسية ودينية، وقد يترشح تبعا لما تفضيه تلك الازمة وجوها جديدة ومغايرة عما الفته العملية السياسية طوال الفترات السابقة.
القائمة العراقية، ايضا، كانت خيارا وطنينا لكثيرين في بادئ الامر رفضوا منطق الاصطفاف الطائفي ورحبوا بفكرة التقارب والاتئلاف الحقيقي بين المكونات، لكنها رشحت في النهاية حتى بانت اضلاعها وانكشفت سلطة القرار فيها واتضحت معالم الثقل السياسي، وهو ما نجحت حكومة المالكي باستهدافه تباعا، وقد علمت مسبقا ان مصدر الثقل هذا هو من يحرك، وهو من يوقف العملية ولا ادل على ذلك من خيارات التفاوض وشخوصه..
لا اقول ان عجلة التاريخ زحفت بعيدا عن حركة الوفاق، لكني اعتقد ان تلك الحركة لن تجد لها مستقبلا وسط سياسة الشد التي دخلتها اللعبة السياسية، وسوف تكتفي بادوار التأييد والتمني والمساندة التي نقدمها جمعيا اليوم دون ان نكون لاعبين اساسيين في سلطة القرار او فاعلين في ايقاف عجلة الزحف السياسي باتجاه الازمة، واذ ما حاولت الحركة ان تأخذ او تلوح بادوار اكبر من ذلك الحجم، فاجزم ان المثل الشعبي سيكون ابلغ واصفا لحالتها “ذكروا الصرايف هزهز روحه الكوخ..”.